متعة عيش، أو لذة نفس، أو مكرمةٌ يبقى ذكرها، أو صالحةٌ ينفع أجرها؟ المال وسيلة، فإن لم يُتوسَّل به إلى نعيم الدنيا أو سعادة الآخرة كان ورقًا مصوَّرًا أو معدنًا برّاقًا. كالذي زعموا أنه كان له دعوتان مستجابتان، فدعا ربه أن يجعل كل شيء تمسّه يده ذهبًا، فأعطيها فكاد يطير عقله من الفرح، وانطلق يلمس كل ما يجد فيحوّله ذهبًا، حتى جاع فأخذ الصحن ليأكل فصار ما فيه من الطعام ذهبًا، وعطش فحمل الكأس ليشرب فصار ما فيها من الماء ذهبًا، فقعد جوعان عطشان، فأقبلت ابنته تواسيه، فعانقها، فصارت تمثالًا من الذهب. فدعا ربه الدعوة الثانية: أن يعيد كل شيء كما كان، لأنه أدرك أن الرغيف للجائع والكأس للعطشان والبنت للأب خيرٌ من ملء الأرض ذهبًا.
وأنت تستطيع بمُرَتّبك القليل -إن أحسنت التصرف فيه واستشعرت الرضا به- أن تكون أسعد ممن له الآلاف المؤلفة من الليرات. وأنا أعرف رجالًا يدخل على الواحد منهم في يومه ما لا يدخل عليّ في السنة والسنتين من المال، وأنا أعيش عيشًا أرفه وأرغد مما يعيشون: لا آكل أطيب مما يأكلون ولا ألبس أفضل مما يلبسون ولا أُمتِّع نفسي أكثر مما يتمتعون، ولكن أرضى أكثر مما يرضون.
ولي بعد ذلك لذائذ هم محرومون منها: لذة المطالعة أمام المدفأة في ليالي الشتاء، ولذة التفكير الحالم في الفراش قبل النوم، ولذة المناظرة في مجالس العلم والأدب، ولذة المحاضرة في النوادي والإذاعات. وهم يحتاجون إليّ؛ يسألونني فأعلمهم ويجيئون إليّ فأحكم بينهم، وأنا لا أحتاج إلى واحد منهم لأنهم