وكان كل الأمور يدل على ضرورة البت في قضية الانضمام إلى بيمونته، وأنه يجب القيام بعمل يرضي أهلها، وأن الواجب يقضي قبل كل شيء بأن تشترك لمبارديه في الحرب بهمة كبيرة، وهناك عوامل أخرى تدعو إلى ذلك، وإن كانت قليلة الشأن فإنها ذات تأثير أيضا؛ مثل الخوف من جمهورية اشتراكية، وما يسود الناس من الاحترام للملك، وما يطمح إليه الناس من مشاهدة ميلانو مرة أخرى قاعدة لبلاط زاهر.
وكان أكثر الموظفين ولا سيما الجمهوريون على استعداد للتخلي عن آرائهم الجمهورية إذا تم السير نحو الوحدة بشرط أن يكون الحكم دستوريا ودموقراطيا، ضامنا للمبادئ الجمهورية الأساسية.
وبعد التي واللتيا أعلنت الحكومة المؤقتة في أوائل أيار تحكيم الرأي العام في الانضمام أو تأجيل الأمر إلى ما بعد الحرب، وتجاه هياج أهل ميلانو اضطرت الحكومة إلى الوعد بأنه مهما كانت نتيجة التصويت فإن حق الاجتماع وحرية المطبوعات وتأليف الحرس المدني؛ أمور مضمونة.
وجرى التصويت في نهاية الشهر، فأخذ رجال الملك يعملون في الخفاء، وكانت الإشاعات تدور بأنه إذا جاءت نتيجة التصويت ضد الملك شارل ألبرت فإنه سينسحب من الحرب، ودعي جيوبرتي إلى ميلانو؛ ليقوم بالدعاية الملكية أمام دعاية مازيني الجمهورية، وأخذ الناس يغنون أنشودة «شارل ألبرت أو النمسة.» فاستنكف أكثر الجمهوريين من الاشتراك في التصويت، وصوت القرويون أمام رهبانهم والجنود أمام ضباطهم وقوادهم، واشترك في التصويت خمسمائة وستون ألفا، أعني: ثمانية وأربعين بالمائة ممن لهم حق التصويت، وكان منهم نحو سبعمائة صوت يرتئون التأجيل.
وكان إعلان الجمهورية في فنيسيه من قبل مانين قد عقد قضية الانضمام، فمانين جمهوري العقيدة حين رأى الفرصة سانحة أعلن الجمهورية، وكان لا يميل إلى نصف ثورة تستلزم ثورة أخرى لإكمالها، وكان يخشى أن تحول زيادة شوكة بيمونته دون الاتحاد، وكان يحارب كل شعور إقليمي ويدعو إلى الاتحاد ويترك شأن الوحدة الكاملة إلى مجلس الأمة الذي ينعقد في روما.
ومما لا شك فيه أن عمله قد خلق بعض الصعوبات، وقوى الفكرة القائلة بأن على اللمبارديين وأهل جنوة أن يؤجلوا البت في شكل الحكومة إلى ما بعد الحرب، على أن سيطرة حكومته خارج مدينة البندقية كانت وهمية؛ إذ إن نار الغيرة القديمة ضد البندقية قد التهبت.
ومما زاد في الارتباك خبر تقدم القائد النمسوي نوجنت في منتصف نيسان وفقدان وسائط الدفاع، فقررت المدن الواقعة على الساحل «بادويه وفنيسيه وتريفيسه» بموافقة البندقية الإجبارية أن تنضم للمبارديه وبيمونته، وكانت ترجح الانضمام إلى لمبارديه؛ إذ إن كل مواطن من أهل فنيسيه كان يرغب في الانضمام إلى لمبارديه عاجلا أو آجلا؛ وذلك لأن تعلقهم بشارل ألبرت كان قليلا أو معدوما، ولكن مسير نوجنت السريع قد وجههم نحو الملك ليطلبوا منه العون، ولما جرى الاستفتاء العام في 4 حزيران كان النمسويين قد احتلوا ثلاث ولايات من فنيسيه، أما الولايات الأربع الأخرى وهي تريفيسه وبادويه وفنيسيه ورفيجو فأفتت - بأكثرية عظيمة - بضرورة الانضمام بالشروط التي اشترطتها لمبارديه، وهي عقد مجلس تأسيسي ينتخب أعضاؤه بالاقتراع العام، ويتولى وضع القانون الأساسي.
ولما نجح أنصار الانضمام في مدن الساحل وجهوا جهودهم نحو العاصمة «البندقية»، وأخذ البريتون ينشطون ويشترون الأنصار بالمال، زاعمين أن الجمهورية تحول دون الوحدة، وحينئذ تصبح البندقية منعزلة، وكانت هذه المدينة بوضعها البحري المنيع غير معرضة لهجوم العدو المباغت، وظل مانين يعارض في الانضمام حتى إن الحكومة رفضت بادئ الأمر الاستفتاء إلا أنها اضطرت أخيرا إلى الدعوة لانتخاب مجلس يقرر هو مصير المدينة، وقد نجح أنصار الانضمام في هذا الانتخاب بأكثرية ساحقة.
ولما رأى مانين أنه خسر الصفقة فكر في أن يحول دون كل انشقاق، وصرح بما يلي: «انسوا الأحزاب فلم نعد جمهوريين ولا ملكيين وإنما نحن طليان.» وعليه فإن المجلس قد اقترح - بأكثرية تكاد تكون مطلقة - للانضمام الفوري إلى بيمونته، فقدم مانين وتوماسو على إثر ذلك استقالتهما، ورفرفت راية بيمونته فوق القصر.
وبعد أن انتهت قضية الانضمام ظهرت قضية عاصمة الدولة في المستقبل، أتكون ميلانو أم تورينو، وانشق وزراء بيمونته فيما بينهم في قبول شروط الانضمام، وكان المحافظون يخالفونها لصبغتهم الدموقراطية؛ ولأنهم يرون - على الأخص - أن الاقتراع سوف يشمل بيمونته أيضا؛ فمجلس الأمة المشروط انعقاده قد يقضي على العرش نفسه وينقله من تورينو إلى ميلانو، وبذلك تنهار الهيمنة البيمونتية.
Halaman tidak diketahui