وكان استمرار الحالة بصورة وقتية قد يولد أخطارا جمة، واستطاع الحزب المتطرف أن يرفع رأسه، أضف إلى ذلك أن قتل إنفيتي والتشهير به من قبل الدهماء وتساهل فاريني في معاقبة المجرمين قد حرج الموقف ودل على فقدان الأمن.
وقد دبرت مؤامرة قليلة الشأن في طوسكانه وكانت جنود البابا على أهبة الهجوم في كل لحظة، وكان الأمر في نظر ريكاسولي هو إضعاف شأن حكومة تورينو بتنفيذ مشروع الشهر الماضي القاضي بتعيين الأمير كاريجنانيو وصيا، وقد رأى أن حادثة غاريبالدي قد هيأت له الفرصة، وأبرق له مندوبه في لندن يخبره بأن وزير خارجية إنجلترة يميل إلى قبول مشروع الوصاية، وأن الإمبراطور يرغب - قبل كل شيء - في المحالفة مع إنجلترة؛ ولذلك فإنه سيضطر إلى الكف عن معارضته.
واتضح أن وزير الخارجية الإنجليزية قد تحدث عن ميله لفكرة الوصاية إلا أن بالمرستون كان يرى أن الأمر لا يزال مبتسرا وأن الإمبراطور لا يزال يعارضه، أما ريكاسولي وفاريني فعقدا النية على العمل رغم كل شيء، فاجتمعت المجالس الأربعة في 2 تشرين الثاني وانتخبت الوصي.
كانت وزارة بيمونته قد بذلت كل جهدها لتحول دون هذا الانتخاب، ولما فشلت أصرت على الحصول على موافقة الإمبراطور ولكن الإمبراطور أرسل رسالة قارصة صرح فيها بأنه إذا رضي الملك بوصاية كاريجنانو فلن ينعقد المؤتمر وتتحمل بيمونته وحدها تبعة إغضابها للنمسة، وكانت النمسة قد أنذرت بأنها تعد دخول الجند البيمونتي في الدويلات الأربع عملا عدائيا، ولعل حكومة تورينو كانت تأبى الخضوع لو اطمأنت إلى معاهدة إنجلترة إياها، ولما لم تجد تشجيعا منها عاد الوزراء حسب عادتهم إلى المماطلة والتسويف، وبتحريض من كافور قرروا بأن يرفض كاريجنانو الوصاية وينتدب بون كومباني حاكما عاما على إميلية وطوسكانه.
ثم أخبروا الإمبراطور بقرارهم هذا وجعلوه أمام أمر واقع فرضي عن طيبة خاطر بهذا الحل ، أما ريكاسولي فلم يقبل بهذا الحل وقال: «الأمير أو لا شيء.» وكان لا يريد أن يتخلى عن سلطته ولا يريد أن يقيد يده التي اعتقد أنه يصون الأمن بها، ولم يوافق على تعيين بون كومباني إلا بشرط، وهو أن يصبح كومباني نائبا للوصي، وأخيرا استطاع الملك أن يوفق بين الفكرتين بتعيينه بون كومباني حاكما عاما على الدولتين «إميليه وطوسكانه»، ويشرف على إدارتهما إشرافا رسميا.
ولكن هذا الحل لم يؤد إلى الغاية المقصودة من انتخاب الوصي فبقيت الأمور على ما كانت عليه، غير أن الإمبراطور أخذ يقتنع شيئا فشيئا بعدم إمكان عودة الأمراء إلى عروشهم وأن الاتحاد لا يمكن تطبيقه وأن القوة وحدها هي التي تمنع دويلات الوسط من الانضمام، وكانت النمسة على الرغم من إنذارها ضعيفة لا تستطيع التدخل، ولو فرضنا أنها كانت قوية تستطيع أن تدعم قولها بالعمل فإن الإمبراطور لا يرضى بأن تصبح نافذة الكلمة مسيطرة على بيمونته، ثم أيقن أن عدم الاستقرار يؤدي إلى اندلاع النار وامتداد حركة الوحدة إلى الجنوب - كما سبق - فأخبره الوفد الطوسكاني بأن إيطالية تصبح بؤرة ثورية قد تخلق أورسيني آخر وتنتقل منها روح الثورة إلى فرنسة.
وكان السلم قد عقد في زوريخ في 12 تشرين الثاني، فجعل الإمبراطور طليق اليد تجاه النمسة، فالاستفتاء العام في إيطالية إذا جاء مؤيدا للانضمام هو الوسيلة الممكنة، وإذا ما ألحقت صافويه ونيس بفرنسة جزاء موقفه فسيصبح قويا بحيث لا يعبا بالإكليريكيين، فضلا عن أن الروماني تدخل بذلك في حوزة حكومة قوية حرة، تصونها عن الفوضى.
وكان لا بد لهذا التبدل في موقف الإمبراطور من تبدل في سياسته أيضا، فقد كان حتى ذلك التاريخ يبذل جهده لإقناع إنكلترة بتأمين عقد المؤتمر، غير أن المؤتمر قد يكون ضربة قاضية على خططه الجديدة؛ لأنه لا يستطيع أن يصرح فيه نياته ومطامحه في صافويه ونيس، أضف إلى ذلك أنه كان يعلم بأن الدول الكاثوليكية لن ترضى عن تقليل ممتلكات البابا، فعليه إذن أن يحول دون انعقاد المؤتمر والاستناد إلى محالفته إنجلترة في تنفيذ سياسته ضد البابا، وكان حينذاك قادرا على إخفاء مقاصده بشأن صافويه ونيس، فجس نبض إنجلترة لمعرفة فيما إذا كانت توافق معه على أن يصبح دوق جنوه ابن فيكتور عمانوئيل الصغير وصيا على طوسكانه والروماني باسم أبيه.
وكانت وزارة بالمرستون تستهدف في سياستها الإيطالية ثلاث نقاط: (1) تحقيق الآمال الإيطالية بطرد النمسة من إيطالية. (2) القضاء على النفوذ الإفرنسي في إيطالية. (3) إضعاف سلطة البابا الزمنية وإزالتها.
ولما وافق وزير الخارجية الإنجليزية على عقد المؤتمر كان قد اشترط قبل انعقاده أن تقلع الدول عن فكرة التدخل المسلح وألح على ذلك، ولكن النمسة أجابت - بصراحة - أنها ترغب في إعادة الأمور في إيطالية إلى حالتها وظهر أن روسية وبروسية تحذوان حذوها فتشجع نابليون في عزمه على إحباط مشروع عقد المؤتمر.
Halaman tidak diketahui