القول أن هذه المدينة قد هرمت قبل الأوان، إذ في السنة التي يكتب فيها المؤلف هذا الكتاب يكون قد مضى خمسمائة سنة على بنائها في عهد يوسف بن تاشفين في عام 424 ه (155). وبعد موت يوسف استلم السلطة ابنه علي (156)، وخلفه ابنه ابراهيم (157). وفي ذلك الزمن ظهر داعية، يدعى المهدي، الذي كان ولد وترعرع في هذه الجبال، وثار، وجمع جيوشا جرارة وشهر الحرب على ابراهيم (158).
واضطر الملك للخروج مع جيشه لملاقاة جيش المهدي. ونشبت المعركة ولم يكن الحظ حليف الملك فانهزم. وقطعت عليه طريق العودة إلى مراكش، فعزف عن الرجوع إليها وهرب نحو الشرق سالكا حضيض سفوح الأطلس مع القليل من قواته المتبقية.
ولكن المهدي لم يقنع بذلك. فكلف أحد تلامذته، واسمه عبد المؤمن، أن يتعقب الملك مع نصف الجيش. وبقي معه النصف الآخر لضرب الحصار على مراكش. ولم يفلح الملك في العثور على وسيلة للتخلص من عدوه ولا للدفاع عن نفسه إلى أن بلغ وهران. وخطر له أن يتحصن فيها قدر استطاعته مع بقية قواته داخل المدينة. ولكن وصل عبد المؤمن في الحال وعسكر أمام وهران، وحينئذ جاء السكان وذكروا للملك أنهم لا يستطيعون أن يعرضوا أنفسهم للضرر بسببه. وبعد أن فقد الملك البائس كل أمل أردف الزوجة التي كانت معه خلف ظهره، وخرج من أحد أبواب المدينة، دون أن يتعرف عليه أحد ووجه حصانه نحو جرف عال يطل على البحر، ثم لكز خاصرتي حصانه وتدهور وراح يسقط من صخرة إلى صخرة. ولقي الثلاثة حتفهم وتهشموا فوق رصيف صخري على الساحل ودفنوا بصورة بائسة. وعاد عبد المؤمن ظافرا إلى مراكش وشاء حسن طالعه أن يجد المهدي قد توفي. وهكذا تم انتخابه ملكا مكانه من قبل أربعين مريدا وعشرة من حجاب المهدي، وكانت عادة جديدة في التشريع الإسلامي. وهكذا أحكم حصار مراكش بشدة. ثم قبض على اسحق، وهو الإبن الوحيد الذي ظل حيا من أبناء
Halaman 141