177

============================================================

يكرهونها ويبغضونها من المادح (1) إشفاقا من الفتنة فيها، وأنت تزعم أن رضاك بالمدحة لا يضرك، كأنك أرجح صدقا وإخلاصا من السلف ، كأنك أقوى على نفي الفتنة منهم .

كذبت أيها المفتون ولقد بلغنا عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا يكرهون المدحة، ويغضبون على المادح، أما أحد الخلفاء فإنه سأل رجلا عن شيء، فقال له الرجل: أنت يا أمير المؤمنين خير مني وأعلم. فغضب عليه وقال: إني آمرك أن تركيني . وقيل لبعض الصحابة : لن يزال الناس بخير ما أبقاك الله . فوجد من قول المادح وقال : إني لم أحسبك عرافا (2) وما يدري ما يغلق عليه بابه من أهله.

وبلغنا أن رجلا مدح بعض السلف، فغضب الممدوح وقال : " اللهم إن عبدك هذا تقرب الي بمقتك، فأشهدك على مقته". فهؤلاء الأخيار كرهوا المدحة وغضبوا على المادحين وجلا من ضررها، وأنت تزعم أن فرحك بالمدحة لا يضرك؟

أف لك !! ما أبعد شبهك بالقوم .

ويحك !1 إن الصحابة أبغضوا المدحة وإنك لترتاح إليها، وغضبوا على المادح الصادق في مدحتهم، وإنك لتود المادح الكاذب المفرط في مدحتك، ورضوا بالمذمة وهم أطهر الناس منها، وإنك لتغضب وتأنف من المذمة، وأنت أولى الناس بها، ورحموا الذام، وعفوا عنه، وإنك لتحقد عليه، وهذا من خبايا النفوس للعابدين، وأنت في غفلة، ودهيت ودهيت وما تشعر.

يها المغرور: أترى نفسك طمعت فعملت على الإخلاص، لتستوجب الثواب من الله عز وجل، ثم لم تأخذ بعد ذلك نصيبأ من الفرح بالمدحة، والقدر والتعظيم في الدنيا، لتنال ثواب العاجل والآجل، بئس ما منتك نفسك.

(1) في الأصل : على المعارج تحريف .

(2) في الأصل : عرافيا. خطا.

Halaman 177