تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة تأليف الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104 ه.
الجزء الأول تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث PageV0MP001
الحر العاملي، محمد بن الحسن. 1033 - 1104 ق.
136 تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة / تأليف محمد بن 5 و 4 ح / الحسن الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل بيت عليهم السلام لإحياء التراث. - 1372. قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق = 1372.
30 ج، نمونة.
كتابنامه بصورت زير نويس.
1. أحاديث شيعة. الف. مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. ب. عنوان ج. عنوان: وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة.
شابك. -.. - 5503 - 964 / 30 جزءا vols 30 / 0 - 00 - 5503 - isbn 946 شابك 9 - 1 0 - 5503 - 964 ج 1 1. vol 9 - 1 / - 5503 - isbn 964 الكتاب: تفصيل وسائل الشيعة - ج 1 المؤلف: المحدث الشيخ الحر العاملي، المتوفى سنة 1104 ه.
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة الطبعة: الثانية - جمادي الآخرة 1414 ه. ق المطبعة: مهر - قم الكمية: 2000 نسخة سعر الدورة: 55000 ريال ساعدت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي على طبعه PageV0MP002
بسم الله الرحمن الرحيم PageV0MP003
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث مؤسسة آل البيت عليهم السلام - لإحياء التراث قم - دور شهر - خيابان شهيد فاطمي - كوجة 9 - بلاك 5 ص. ب 996 / 37185 / هاتف 23435 و 37371 PageV0MP004
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن يحسن الكتابة في أرض الجزيرة قليلون جدا، حتى لقد كان الكتاب في مكة المكرمة يعدون على الأصابع. ولذا فقد كانت مدة البعثة في مكة متخصصة - في الأعم الأغلب - لبناء الشخصية الإسلامية وتربية المسلمين القلائل الذين من الله عليهم بدينه.
وكانت هذه القلة القليلة من المسلمين المتعلمين تتحمل عبء كتابة الوحي على القراطيس والعسب والأحجار الخفاف والأدم (الجلود).
ولما هاجر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى المدينة حث المسلمين على تعلم الكتابة، وكتابة القرآن وحفظه، فكان رجال من صحابته مختصين بكتابة الوحي.
ولما وقعت غزوة بدر وأسر المسلمون عددا من المشركين كان فيهم من يعرف الكتابة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله فكاك أسرهم لقاء تعليمهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة.
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ناشر للكتابة في الإسلام في مدينته المنورة وبين أصحابه المسلمين. PageV0MP005
بل كان جماعة في عهده صلى الله عليه وآله يحفظون القرآن وهو عندهم مكتوب، كما يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعبد الله بن مسعود.
وهذا الأمر يتناقض مع ما ذهب إليه القائلون بالنهي عن تدوين الحديث ونسبة ذلك النهي إلى رسول الله صلى اله عليه وآله، فإنا نقول حتى وإن صح نهي النبي صلى الله عليه وآله عن تدوين حديثه الذي هو وحي يوحى، وتفسير ما غمض وتفصيل ما أجمل من القرآن الكريم، فيمكننا أن نحمل هذا النهي على أوائل البعثة النبوية خوفا من التباس القرآن بغيره، إلا إنه - وهذا مما لاشك فيه - إن العرب وبعد فترة قليلة عرفوا بذوقهم اللغوي كلام القرآن الذي يعلو كل كلام.
وكيفما كان فقد سمح رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه بكتابة حديثه في حياته بل كانت له صلى الله عليه وآله صحيفة كتبت بإشرافه المباشر، معلقة بقراب سيفه، وهي التي أعطاها صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام فاشتهرت باسم صحيفة علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقد روى عنها الشيعة والسنة أحاديث.
وهذه الصحيفة صغيرة فيها العقل ومقادير الديات وأحكام فكاك الأسير، وغير ذلك وقد أخرج عنها من العامة: البخاري في صحيحه في كتاب الديات وباب الدية على العاقلة وابن ماجة في سننه (1) وأحمد في مسنده (2).
وكتب في عهده صلى الله عليه وآله صحائف أخرى، منها:
1 - صحيفة علي بن أبي طالب، وهي كتاب ضخم، أفصح الأئمة الأطهار عليهم السلام عن ضخامة حجمها فقالوا: إنها صحيفة طولها سبعون ذراعا، أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام، فكتبها علي بخطه.
PageV0MP006
وهو أول كتاب جمع فيه العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
2 - صحيفة أبي رافع المدني (- 35 ه) مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال النجاشي: لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا (1).
وكان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كذا؟ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها (2).
3 - صحيفة عبد الله بن عمر والتي سماها بالصادقة. وقد اشتملت على الف حديث، روى بعضها أحمد في مسنده.
وتعتبر إحدى الوثائق التاريخية التي تثبت تدوين الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وآله.
وروى عبد الله هذا فقال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، وذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال:
اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق (3).
4 - صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري (- 15 ه) فيها طائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله (4).
PageV0MP007
ويرى البخاري إن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى الذي كان يكتب الأحاديث بيده وكان الناس يقرأون عليه ما جمعه بخطه (1).
5 - صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري ذكرها ابن سعد في طبقاته (2)، وعبد الرزاق في مصنفه (3)، والذهبي في تذكرته (4) وروى مسلم في صحيحه إنها كانت في مناسك الحج، ويحتمل أن يكون فيها ذكر حجة الوداع التي القى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله خطبته الجامعة، وعين عليا عليه السلام وصيا وخليفة وإماما للناس بعده.
وكان قتادة بن دعامة السدوسي يكبر من قيمة هذه الصحيفة ويقول: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة (5).
ويعتبر جابر من الصحابة البارزين الذين دعوا إلى عملية التدوين فضلا عن ممارساتها، فلم يقتصر على كتابة الصحيفة بل كان يملي الأحاديث على تلامذته من التابعين (6) وكتب عنه جماعة منهم: محمد بن الحنفية، وسليمان بن قيس اليشكري، وعبد الله ابن محمد ابن عقيل، وغيرهم.
ولم تحدث كتابة الحديث النبوي بالأسماء التي ذكرنا بل كان لغير هؤلاء من الصحابة عمل مماثل ومصنفات أخرى كأبي ذر الغفاري، ورافع بن خديج الأنصاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس.
هذه الصحف وما ورد من إجازته - بل أمره صلى الله عليه وآله - بالكتابة
PageV0MP008
لعبد الله ابن عمرو وغيره وأحاديثه المتكثرة في ذلك والتي منها.
1 - اكتبوا ولا حرج (1).
2 - قيدوا العلم بالكتاب (2).
3 - أكتبوا لأبي فلان (3).
4 - استعن بيمنك (4) دليل واضح على اجازته لكتابة الحديث.
قال الدكتور عتر: وردت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجموعها رتبة التواتر، في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهد رسول الله صلى اله عليه وآله (5).
* * * * ولما وصل أبو بكر إلى الخلافة أجمع على تدوين الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وجمع خمسمائة حديث وكتبها. ولكنه - كما تروي عائشة ابنته - بات ليلته يتقلب، قالت: فغمني تقلبه، فلما أصبح قال لي: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها (6).
ثم منعهم من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بشئ. فعن مراسيل بن أبي مليكة إن أبا بكر جمع الناس وقال: إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سئلكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله .
PageV0MP009
وحرموا حرامه (1).
ولم تطل أيام أبي بكر، ولذلك لم يصدر منه كلام كثير حول تدوين الحديث في عصره، ولكن هناك إشارات إلى إن الصحابة لم يبالوا بنهيه واستمروا على الكتابة.
وعندما استخلف عمر فكر في أول أمره - كما فكر قبله أبو بكر - في أن يكتب السنن، ثم لم يلبث أن عدل عن ذلك.
فعن عروة بن الزبير إن عمر بن الخطاب أراد ان يكتب السنن، فاستفتى أصحاب النبي في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: أني كنت أريد ان أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وأني والله لا أشوه كتاب الله بشئ ابدا (2).
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر ابن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها (3).
وهذا يدل على إن الصحابة استمروا على الكتابة ولم يبالوا برأيه فيها - كما مر في الحديث السابق - ولذا أضطر أن يناشدهم ليأتوه بما عندهم من مجاميع الحديث. وحرقها.
وبعد ذلك تشدد في المنع فكتب إلى الأنصار: من كان عنده شئ فليمحه (4).
واستمرت هذه السنة من سنن عمر، كما استمرت غيرها من سننه، وقد ساعد على بقائها طول المدة، ودقة الخطة في المنع، وشدة الأمر.
فمما يدلك على دقة خطة المنع ما رواه قرظة بن كعب، قال:
PageV0MP010
لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار، ثم قال: أتدرون لم شيعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا، قال: إن مع ذلك لحاجة، إنك تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم، قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي رواية أخرى: فلما قدم قرضة بن كعب قالوا: حدثنا، فقال: نهانا عمر (1).
وروى الذهبي إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، وقال لهم: أكثرتم الحديث عن رسول الله (2).
وكان يقول للصحابة: أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به (3).
وبالإضافة إلى هذا كله فقد منع الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إلى الأمصار الأخرى، وبذلك فقد أحكم الحصار حول التدوين وسد أي منفذ يمكن أن يؤدي إليه وكادت عملية التطويق هذه تفعل فعلها على مرور السنوات حتى جاء جيل من المسلمين لا يستحل كتابة الحديث، وينهى عنها، فهذا عبيدة السلماني (- 73 ه) يقول لإبراهيم بن زيد التميمي (- 93 ه) حين علم إنه يكتب عنه: لا تخلدن رجل حديثا فأردت أن يعيده علي (6).
.
PageV0MP011
وأما في عهد بني أمية فان أمر عمر بقي ساري المفعول، فقد جاء في الأخبار إن معاوية - في وقت سلطه إلى الخلافة - استقدم عبيد بن شرية الجرهمي فكتب له كتاب (الملوك وأخبار الماضين) (1)، ولم يستقدم من يحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله * * * * ولنا هنا وقفة مع ادعاء الخليفة الثاني إن منعه بتدوين الحديث كان خوفا من اختلاطه بالقرآن الكريم فيظن إنه منه، وقد طح عمر بهذا لما فرغ من المنع الرسمي لتدوين الحديث، كما مر وهو ادعاء غير مقبول ولا معقول، لأن القرآن متميز ببلاغة فائقة وبمسحة إلهية تجعله فوق مستوى كلام البشر حتى كلام النبي صلى الله عليه وآله، والقرآن له دليل عليه من نفسه، فنسق كلامه والقرائن التي تحف به تميزه عن أي كلام غيره، ولهذا انبهر العرب بإعجازه بمجرد سماعه، وكانوا يميزونه عن كل كلام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أحاط النبي صلى الله عليه وآله القرآن بسياج من الأحكام الشرعية منها تحريم مس كتابته لغير المتطهر ووجوب الإنصات عند سماعه.
فكيف يختلط على الصحابة - الذين نزل القرآن بين أظهرهم - القرآن بغيره؟
ومع ذلك كله فهل يمكن لمدع أن يدعي إن كتابة الحديث - الشارح للقرآن - محرمة؟!
أليس ذلك إلا تعريضا للحديث الشريف إلى الاندراس والنسيان؟ مع ما يترتب عليهما من آثار ونتائج؟
وإذا تم ذلك - وهو لم يتم - فإن القرآن سيستبهم على المسلمين، لأن فيه ما لا يعرفه إلا رسول الله صلى الله عليه وآله.
PageV0MP012
ولو صح هذا المنع لكان في أول الإسلام، ولا شك إنه ارتفع بعد نزول جملة من القرآن حددت خصائصه وأبانت معالمه وميزته عن كل كلام.
ومع ذلك فإن من المقطوع به إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالكتابة، وسمح لجماعة من الصحابة أن يكتبوا الحديث، وكانت له صلى الله عليه وآله صحيفة معلقة بقراب سيفه ورثها عنه أمير المؤمنين علي عليه السلام.
والنبي صلى الله عليه وآله أولى من غيره بحياطة القرآن والحفاظ على سلامة نصه، فلو كان التدوين يختلط بالقرآن لمنعه قبل غيره، هذا إذا كانت كتابة الحديث مع القرآن في صفحة واحدة، فكيف إذا كانت كتابة الحديث منفصلة وتسمى باسم خاص كصحيفة علي عليه السلام، وصحيفة عبد الله بن عمرو، فهل يمكن لمدع أن يدعي اختلاط الحديث بالقرآن؟!
لذلك لم ير الصحابة إن المنع يمثل إلزاما شرعيا يجب أن يخضعوا له بقدر ما اعتبروه رأيا ارتأه البعض لمصالح خاصة وكذلك جماعة من التابعين دعت ممارسة عملية التدوين ولم يبالوا بأمر المنع، ومنهم: محمد بن الحنفية ابن الإمام أمير المؤمنين وميثم بن يحيى التمار وحجر بن عدي الكندي وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحارث بن عبد الله الهمداني وأبو حمزة الثمالي وزيد بن وهب الجهني وسليم بن قيس العامري الهلالي والأصبغ بن نباتة والحسن بن محمد بن الحنفية وسالم بن أبي الجعد وعطاء بن أبي رباح والضحاك بن مزاحم.
ونعتقد إن المنع من التدوين يخفي أسبابا أعمق من التي علل بها، فهذه تبطن غير ما تظهر، ولا تثبت للنقد الصحيح بأي حال. فلم يكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مداه الطبيعي والصحيح بل أريد له أن يتشكل بحسب الصورة التي آلت إليها الأوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، وليس بحسب الحدود والمعالم التي رسمها الرسول صلى الله عليه وآله.
وبعبارة أخرى، أن يساعد على إقصاء أهل البيت عن مركزهم الحقيقي، وإن يساعد على تثبيت السلطة القائمة، والأمران لم يكن للحديث النبوي فيهما أي PageV0MP013
مصداق.
ويدلك على ذلك ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: جاء علقمة بكتاب من مكة - أو اليمن - صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت، بيت النبي صلى الله عليه وآله، فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة، قال: فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء.
فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن انظر فيها، فإن فيها أحاديث حسانا، فجعل يميثها فيه ويقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) (3) القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بما سواه (4).
ولهذا - أيضا - لم يشمل المنع الأحكام، لأن الأحكام لا تمس السلطة بشئ، ولذلك نرى عمر يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به (5).
وكان هذا المنع - وما رافقه وجاء بعده من أمور - سببا لما عرف ب (وضع الحديث).
وإذا عرفنا معنى الوضع وإنه الكذب بعينه ويتدرج تحت عقوبة الحديث الشريف (من كذب علي متعمدا..) أمكننا القول أن الوضع بدأ منذ عصر الرسول صلى الله عليه وآله حيث أخرج الطحاوي في مشكل الآثار عن بريدة قال:
جاء رجل إلى قوم في جانب المدينة، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن أحكم برأيي فيكم، في كذا وكذا وقد كان خطب امرأة منهم في الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه، فبعث القوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يسألونه، فقال: (كذب عدو الله). ثم ارسل رجلا فقال: (إن أنت وجدته حيا فاضرب عنقه، وما أراك تجده حيا، وإن وجدته ميتا فاحرقه). فوجده قد لدغ فمات، فحرقه، فعند ذلك قال النبي:
PageV0MP014
صلى الله عليه وآله): (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (1).
ولكن هذا الوضع لم يقدر له أن يستمر ويستحكم ويلبس لباس الصدق، بفضل وجود الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فكان هذا الوضع (الكذب) لا يلبث أن يقبر وهو في مهده.
ويمكننا أن نعتبر بداية الوضع الحقيقي الذي صدقته - بعد زمان - جماعات من المسلمين، هو ما حدث حين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقد روى ابن عباس: لما حضرت النبي (صلى الله عليه وآله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: (هلم أكتب لكم كتابا لن تظلوا بعده)، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندكم كتاب الله، فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت فمنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال: (قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع) (2).
وكان هذا فتحا لباب الوضع لغرض سياسي، هدفه الأساسي إقصاء الخلافة عن صاحبها الحقيقي لتكون لمن غلب، ولذا جاء بعدها رأسا حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) المصادم للشرع الشريف، والذي سمع أول ما سمع من الخليفة الأول حين طالبته الزهراء عليها السلام بإرثها من أبيها.
وعلى هذا فقد فتح الباب على مصراعيه أما هذا الانحراف الخطير في أيام الخلفاء، الذين جندو لغرضهم هذا جماعة ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم.
ومع الوضع كانت العوامل الهدامة الأخرى تنخر في جسم الحديث الشريف، وتجعل أمامه شرعا آخر يجبر الناس على التمسك به وتطبيقه، وكان من ذلك الإجتهاد في مقابل النص، وتشريع أشياء لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقد كان من ذلك في عهد الخليفة الأول تجويز قتل المسلمين المؤمنين بسبب
PageV0MP015
أحقاد وعداوات الجاهلية أو بسبب عدم الخضوع للسلطة القائمة لأن المسلمين قد أعطوا بيعتهم للخليفة الحق الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومع هذا التجويز كان التبرير وكان المدح المشعر بأنه حديث عن المعصوم، فخرج الخلفاء بجملة أقوال تنطبق وما يريدون، وتقف حائلا وسدا منيعا أمام الوضع الشرعي، والدليل القاطع في مسائل الدين المختلفة حتى وإن قوبلت بالرفض والاستنكار كما حدث في قضية مالك بن نويرة وقول الخليفة الأول: ما كنت أغمد سيفا سله الله.
وإليك تفصيل الواقعة:
عن ابن أبي عون وغيره إن خالد بن الوليد ادعى إن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلك، وقال: أنا على الإسلام ما غيرت ولا بدلت، وشهد له بذلك أبو قتادة، و عبد الله بن عمر، فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته؟ فقال (1) لأبي بكر: إنه قد زنى فأرجمه، فقال أبو بكر:
ما كنت لأرجمه تأول فأخطأ، قال: فإنه قد قتل مسلما فأقتله: قال: ما كنت أقتله تأول فأخطأ، قال: فأعزله، قال: ما كنت لاشيم سيفا سله الله عليهم ابدا (2).
وريت هذه الواقعة بالشكل التالي:
قال الأستاذ هيكل في كتابه (الصديق أبو بكر): إن أبا قتادة الأنصاري غضب لفعلة خالد، إذ قتل مالكا وتزوج امرأته، فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما أن لا يكون ابدا في لواء عليه خالد، وإن متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه، فلما بلغا المدينة ذهب أبو قتادة ولا يزال الغضب آخذا منه مأخذه فلقي أبا بكر فقص عليه أمر خالد، وقتله مالكا وزواجه من ليلى، وأضاف إنه أقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد. قال: لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته، ولم يعجبه أبو قتادة بل .
PageV0MP016
أنكر عليه منه أن يقول في سيف الإسلام ما يقوله!
قال هيكل: ترى الأنصاري - يعني أبا قتادة - هاله غضب الخليفة فأسكته؟
كلا، فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف، لذلك ذهب إلى عمر بن الخطاب فقص عليه القصة، وصور له خالدا في صورة الرجل الذي يغلب هواه على واجبه، ويستهين بأمر الله إرضاء لنفسه. قال: وأقره عمر على رأيه وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه، وذهب عمر إلى أبي بكر وقد أثارته فعلة خالد أيما ثورة، وطلب إليه أن يعزله، وقال إن في سيف خالد رهقا (1) وحق عليه أن يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله (2)، لذلك قال حين ألح عمر عليه غير مرة: هبه يا عمر، تأول فخطأ، فأرفع لسانك عن خالد.
ولم يكتف عمر بهذا الجواب، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما ضاق أبو بكر ذرعا بلحاح عمر، قال: لا يا عمر ما كنت لاشيم (3) سيفا سله الله على الكافرين (4).
وخالد هذا الذي أصبح (سيفا من سيوف الله)! كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فاتكا غادرا يؤاخذ في الإسلام بإحن الجاهلية وعداوتها.
فقد أرسله (صلى الله عليه وآله) داعيا إلى الإسلام (5)، ولم يبعثه مقاتلا، وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة. فلما جاءهم بمن معه قال لهم:
ضعوا أسلحتكم فإن الناس قد أسلموا. فوضعوا أسلحتهم، وأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة (6). فلما إنتهى الخبر إلى النبي (صلى الله
PageV0MP017
عليه وآله) رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.
مرتين (١).
وفي عهد الخليفة الثاني كان النمو الحقيقي لأمرين: الوضع وما يترتب عليه من آثار اجتماعية وسياسية تخالف النص النبوي الشريف، والاجتهاد في مقابل النص الذي يجعل من الرسول صلى الله عليه وآله مجتهدا يصح بحقه الخطاء، وتفيح للرأي الآخر أن يقف مقابله، فكانا بذلك - الوضع والاجتهاد مقابل النص - يرسمان الخطوات العملية للانحراف الأعمق الذي أصاب الأمة الإسلامية.
أما الأمر الثاني فكان للخليفة الثاني فيه الباع الطويل، ومن اجتهاداته المخالفة للقرآن الكريم ولنصوص رسول الله صلى الله عليه وآله، ما جاء به في شأن متعة النساء ومتعة الحج.
فقد روى السيوطي في الدر المنثور عن سعيد بن المسيب قال: نهى عمر عن المتعتين متعة الحج ومتعة النساء (٢).
وفي بداية المجتهد: روى عن عمر: إنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهى وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء (٣).
هذا وقد نص القرآن على مشروعية متعة النساء حيث يقول <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/24" target="_blank" title="سورة النساء: 24">﴿فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة﴾</a> (4).
PageV0MP018
وقد كان المسلمون يتمتعون بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى عهد أبي بكر (1).
ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله إنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (2).
والأحاديث في تحليلها كثيرة معتبرة وقد عارض الخليفة في اجتهاده هذا جماعة من الصحابة والتابعين منهم: عبد الله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وابنه عبد الله بن عمر، والزبير بن العوام، وخالد ابن مهاجر، وعمر بن حريث، وأبي بن كعب وسعيد بن جبير، وطاووس اليماني، والسدي، وزفر بن آوس المدني، وجابر بن عبد الله الأنصاري.
وعلى رأسهم سيدهم وأعلمهم أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وكان عبد الله بن عباس متشددا في تحليلها، وكان حين يكثر تحريم الثاني لها يقول: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها أمة محمد صلى الله عليه وآله، ولولا نهيه عنها لما احتاج إلى الزنا إلا شفي (3).
وفي مصنف عبد الرزاق: إن عليا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر ابن الخطاب - قد قال: رأي ابن الخطاب - لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي (4).
أما تحريمه لمتعة الحج فقد كان أول المخالفين له ابنه عبد الله بن عمر، ففي صحيح الترمذي إن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج، قال: هي حلال، فقال له السائل: إن أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله، أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال الرجل: أمر رسول الله
PageV0MP019
(صلى الله عليه وآله). قال لقد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
إلى كثير من أمثال هذه الصحاح الصراح في إنكار النهي عنها (١).
وتوالت اجتهادات الخليفة الثاني وكثرت حتى أصبحت جملة كبيرة نذكر عدة منها:
١ - رجم المجنونة:
حيث حكم على مجنونة قد زنت فأخذت لقيام عليها الحد، فاجتاز عليه علي عليه السلام فسألهم عن أمرها فأخبروه، فأمر بإرجاعها، وقال للخليفة: أما تذكر إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها، وهي في بلائها، فخل سبيلها. فجعل عمر يكبر، وأمر بإطلاق سراحها (٢).
٢ - رجم من ولدت لستة أشهر:
ومن غريب هذه الاجتهادات حكمه برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فرد الإمام علي عليه السلام حكمه وقال له: إن الله تعالى يقول <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/46/46" target="_blank" title="الأحقاف 46">﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾</a> (٣)، وقال تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/31/31" target="_blank" title="لقمان 31">﴿وفصاله في عامين﴾</a> (4) فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر (5).
3 - إقامة الحد على جعدة بن سليم:
قدم بريد على الخليفة فنثر كنانته، فبدرت صحيفة فقرأها الخليفة فإذا فيها:
PageV0MP020
ألا بلغ أبا حفص رسولا فدا لك من أخي ثقة إزاري قلائصنا هداك الله إنا شغلنا عنكم زمن الحصار فما قلص وجدن معقلات قفا سلع بمختلف البحار قلائص من بني سعد بن بكر وأسلم أو جهينة أو غفار يعقلهن جعدة من سليم معيدا يبتغي سقط العذار فأمر عمر بإحضار جعدة فجلده مئة معقولا (1).
ولم تقم البينة على إنه ارتكب جريمة الزنا، سوى هذه الأبيات، وهي لا تصلح للاعتماد عليها.
4 - اجتهاده في حكم الطلاق:
فقد جعل التلفظ بالثلاثة في مجلس واحد ثلاثة تطليقات، خلافا لما كانت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وآله (2).
5 - تبديله (حي على خير العمل)، في الأذان ب (الصلاة خير من النوم) في صلاة الصبح (3).
6 - حكمه في المتزوجة في عدتها:
وذلك إن امرأة تزوجت في عدتها، فأمر الخليفة بالتفريق بينهما وجعل صداقها من بيت المال، وبلغ ذلك عليا عليه السلام فأنكر عليه وقال: ما بال الصداق وبيت المال، إنهما جهلا، وينبغي للإمام إن يردهما إلى السنة.
وسئل علي عليه السلام عن السنة فقال: الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول (4).
PageV0MP021
7 - نقص حد شارب الخمر:
فقد جئ له بشارب خمر فبعث به إلى مطيع بن الأسود ليقيم عليه الحد، واجتاز عليه فرآه يضربه ضربا شديدا فقال له: (قتلت الرجل، كم ضربته؟) قال:
(60)، فقال الخليفة: إنقص عنه بعشرين، فجعل شدة الضرب قصاصا بالعشرين التي بقيت من الحد (1).
8 - أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه:
فقد أقام عمرو بن العاص عليه الحد حينما شرب الخمر في مصر، وذلك بمحضر من أخيه عبد الله، فلما بلغ الخليفة ذلك كتب إلى ابن العاص أن يحمله على قتب بغير وطاء وأن يشدد عليه، فأرسله عمرو بالحالة التي أمره بها، وقد كتب إليه بإقامة الحد عليه، وبعث بالكتاب مع ولده عبد الله فلما إنتهى إلى عمر - وهو لا يستطيع المشي لمرضه وإعيائه، وأبصره، أمر بإحضار السياط، فقال له عبد الرحمن ابن عوف: إنه قد أقيم عليه الحد، وشهد بذلك أخوه عبد الله فلم يلتفت إليه، وأخذ السياط، وجعل يضربه وهو يستغيث، ويقول: (أنا مريض، وأنت والله قاتلي).
وبعد ان أقام عليه الحد حبسه شهرا فمات (2).
فبأي وجه شرعي أقام الحد عليه ثانيا، فالمريض - كما هو معلوم - لا يقام عليه الحد حتى يشفى من مرضه.
9 - وقال في مجلسه يوما: ما ترون في حد الخمر، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أرى ان تجعله كأخف الحدود، فجعله ثمانين (3).
10 - صلاة التراويح:
المعروف عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله أن صلاة نافلة شهر رمضان لم تشرع لها الجماعة، وإنما الجماعة في الفريضة وما شرعت له.
PageV0MP022
وكان الناس يصلون نافلة شهر رمضان فرادى واستمروا على ذلك مدة خلافة أبي بكر، ولما جاء الخليفة الثاني استحسن أن يوحدهم بصلاة إمام واحد، ففعل وعمم أمره إلى سائر البلدان الإسلامية، متحديا السنة بالاستحسان وكان يقول نعمت البدعة هذه (1).
نقول إنما مر ذكره من اجتهادات الخليفة الثاني ليست إلا غيضا من فيض فمساهمة الخليفة الثاني بنفسه في تقوية هذا الوضع، وتوهين أمر السنة الشريفة، أكثر من أن يتم حصره في هذه الصفحات القليلة، فلمزيد من الاطلاع يراجع كتاب النص والاجتهاد للإمام شرف الدين، والغدير للعلامة الكبير الأميني وغيرهما.
وأما الأمر الأول - وضع الحديث - فلعل إلقاء أضواء يسيرة على حياة من اشتهروا بذلك ككعب ووهب كافية للتدليل على مدى المجال الذي فسح لهم في عهد الخليفة الثاني.
وأشهر من كونه الخليفة ورباه على عينه كعب أحبار اليهود المعروف بكعب الأحبار (2).
فكعب قدم إلى المدينة في خلافة عمر شيخا شارف السبعين من عمره، ولم يجئ إليها حين كان نور رسول الله صلى الله عليه وآله يغمر أرضها وقلوب الناس فيها، ولا في خلافة أبي بكر، بل جاء إلى المدينة وقد أسلمت جزيرة العرب كلها ليدعي إنه يريد أن يسلم. فأسلم - كما يقولون - على يد عمر، واستبقاه عنده في المدينة، وكان يسأله عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن وغير ذلك.
فأخذ كعب اليهودي يبث سمومه في المسلمين، وقد بلغ من علو شأنه إنه
PageV0MP023
كان يلقي دروسه في المسجد، فقد جاء في طبقات ابن سعد حكاية عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبد الله بن عبد القيس جالس إلى كعب، وبينهما سفر من أسفار التوراة، وكعب يقرأ (1).
وروى ابن سعد أيضا في طبقاته الكبرى عن عبد الله بن شقيق إن أبا هريرة جاء إلى كعب يسأل عنه، وكعب في القوم، فقال كعب: ما تريد منه؟ فقال: أما إني لا أعرف أحدا من أصحاب رسول الله أن يكون أحفظ لحديث رسول الله مني!!
فقال كعب: أما إنك لم تجد طالب شئ إلا سيشبع منه يوما من الدهر إلا طالب علم، أو طالب دنيا! فقال أبو هريرة: أنت كعب؟ فقال: نعم، فقال: لمثل هذا جئتك (2).
أنني جئتك لأطلب عندك العلم، وأستقي من معينك الغزير.
وقد وجد كعب بغيته بأبي هريرة الذي يزعم إنه أحفظ الناس لحديث رسول الله، وكان نعم التلميذ النجيب الذي يحمل عنه ما يريد بثه مما يفسد عقائد المسلمين (3).
وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبي هريرة وغفلته إن كان يلقنه ما يريد بثه في الدين الإسلامي من خرافات وأساطير حتى إذا رواها أبو هريرة، عاد هو فصدق أبا هريرة، ليؤكد هذه الإسرائيليات وليمكن لها في عقول المسلمين كأن الخبر قد رواه أبو هريرة عن النبي، وهو في الحقيقة عن كعب الأحبار!
فمن الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي في الحقيقة من الإسرائيليات:
روى أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن (أبي هريرة) إن رسول الله قال:
(إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام ولا يقطعها) اقرأوا إن شئتم
PageV0MP024
وظل ممدود).
ولم يكد هذا الحديث يبلغ كعبا! حتى أسرع فقال - كما روى ابن جرير -:
صدق والذي أنزل التوراة على موسى! والفرقان على محمد، لو إن رجلا ركب (حقه) أو (جذعة) (1) ثم دار بأعلى تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما! إن الله تعالى غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن افنانها لمن وراء ستار الجنة، وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل هذه الشجرة (2).
ومن كيد كعب إنه كان يتكهن بالمغيبات ، ولنضرب لذلك - هنا - مثلا واحدا نجتزئ به، فعندما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان واشتد زفيرها، حتى التهمت عثمان فقتلته وهو في بيته، لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة دون أن يهتبلها بل أسرع ينفخ في نارها ويسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد كان من كيده في هذه الفتنة أن أرهص - بيهوديته - بأن الخلافة بعد عثمان ستكون لمعاوية! فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي الصباح (3) إن الحادي كان يحدوا بعثمان يقول:
إن الأمير بعده علي وفي الزبير خلق رضي فقال كعب الأحبار: بل هو صاحب البغلة الشهباء! (يعني معاوية) وكان يراه يركب بغلة. فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا! وها هنا علي والزبير وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله)! قال: أنت صاحبها. ولعله أردف ذلك بقوله: أني وجدت ذلك في الكتاب الأول!! (4).
وفي زمان معاوية كان كعب في الشام، وقد قربه وأدناه وكان يسأله عن أمور .
PageV0MP025
المبدأ والمغيبات وتفسير القرآن، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة: إن معاوية هو الذي أمر كعبا بأن يقص في الشام (1)، وكان من ثمار ذلك ما وردنا من أحاديث كثيرة موضوعة عن فضائل الشام وأهلها.
يقول الأستاذ الفاضل الشيخ محمود أبو رية:
إن الأستاذ سعيد الأفغاني نشر مقالا بمجلة الرسالة المصرية قال فيه: إن وهب بن منبه الصهيوني الأول، وصححت هذا الرأي بمقال نشر في العدد 656 من هذه المجلة أثبت فيه بالأدلة القاطعة إن كعب الأحبار هو الصهيوني الأول.
وما كاد هذا المقال ينشر حتى هب في وجهنا شيوخ الأزهر وأمطرونا وابلا من طعنهم المعروف وقالوا: كيف تصف (سيدنا كعبا) بأنه الصهيوني الأول، وهو من كبار التابعين وخيار المسلمين. ومما يؤسف له إنهم لا يزالون يذكرون اسمه بالسيادة إلى اليوم (2)!
ويبرز إلى جانب كعب اسم وهب بن منبه الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا، وأدرك عدة من الصحابة، وقد كانت مادة حديثة التوراة والإنجيل وشروحهما وحواشيهما، فكانت المنبع الضخم للقصاص ، ودخلت في التفاسير وفي كتب الحديث.
ولذا قال الذهبي في سير أعلامه: وروايته (أي وهب) للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب (3). وظل أثرها السئ يسري في فكر المسلمين إلى أن يشاء الله.
وكان لوهب تلامذة كثيرون: ولداه عبد الله وعبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وسماك بن الفضل، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق وجماعة كثيرون عد منهم الذهبي .
PageV0MP026
في السير أكثر من عشرين ثم قال: وخلق سواهم (1).
وثالثهم: تميم الداري الذي أسلم في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يحدث بقصة الجساسة والدجال ونزول عيسى وغير ذلك. وقد روى حديث الجساسة مسلم في صحيحه من طريق فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأوليات (2).
وكان تميم أول من قص، وذلك في عهد عمر (3).
ورابعهم: عبد الله بن سلام أبو الحارث الإسرائيلي، أسلم قديما بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة، وهو من أحبار اليهود، روى عنه أبو هريرة وأنس ابن مالك وجماعة.
قال فيه وهب بن منبه - الأصل الثاني للإسرائيليات -: كان أعلم أهل زمانه، ومات سنة 40 ه وقد كان أهل الكتاب هؤلاء، البذرة الأولى للقصاص الذين كانوا يجلسون في المساجد، ويتكلمون بما يتناسب مع أذهان العامة، وكانت مدرسة القصاص مغضوبا عليها من قبل صالحي الصحابة، فقد جاء في كتاب الإصابة: إن أول من قص في مسجد البصرة هو الأسود بن سريع التميمي السعدي، ولكنه لم يجد قبولا بين مجتمع لا يزال فيه ثلة من الصحابة الأتقياء الحافظين لعهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد جلس ليقص فارتفعت الأصوات، فجاء مجالد بن مسعود السلمي وله صحبة. فقال: أوسعوا له، فقال: إني والله ما جئتكم لأجلس إليكم، ولكني رأيتكم صنعتم شيئا أنكره المسلمون، فإياكم وما أنكره المسلمون (4).
ولكن هذا الإنكار وغيره بدا صفيقا في نهاية الأمر أما توسع دائرة الوضع التي قويت باحتضان ورعاية بعض الخلفاء من جانب، وغذتها عوامل وظروف
PageV0MP027
اجتماعية وسياسية من جانب آخر. ثم اتخذ الوضع بعد ذلك صورة أخرى صاغها الوضاعين الزنادقة كعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبيان بن سمعان المهدي فلقد وضعوا ما يفسدوا به الدين ويشوهوا كرامته لدى العقلاء والمثقفين، ولينحدروا بعقيدة العامة إلى درجة من السخف تثير سخرية الملحدين، كما يقول الدكتور السباعي، ومن أمثلة هذه الأحاديث المكذوبة: (ينزل ربنا عشية عرفة، على جمل أورق، يصافح الركبان، ويعانق المشاة). (إن الله إشتكت عيناه فعادته الملائكة). (النظر إلى الوجه الجميل عبادة)... ولسنا عنا بصدد الحديث عن الآثار التي ترتبت - سابقا ولاحقا - على عملية الدس والوضع، ولكن يكفي أن نعرف إن ثاني مصدر تشريعي للإسلام يتعرض لكل هذا ضمن عملية غالبها الأعم الاستهداف والتنظيم، لكي ندرك مدى جسامة وفداحة الأمر، وما أصوب ما قاله أحدهم إن وضع الحديث على رسول الله كان أشد خطرا على الدين وأنكى ضررا بالمسلمين من تعصب أهل المشرقين والمغربين، وإن تفرق المسلمين إلى شيع وفرق ومذاهب ونحل له أثر من آثار الوضع في الدين (1).
أما عثمان فكان دوره تواصليا مع دور الخليفة الثاني في ترسيخ عملية الإجتهاد مقابل النص، ومن ذلك:
1 - إتمام الصلاة في السفر:
فإن السنة في الصلاة إنها في السفر ركعتين وفي الحضر أربع (2).
ولكن عثمان في السنة السادسة من خلافته أتم الصلاة بمنى واتخذ ذلك سنة معتذرا بأن الناس قد كثروا في عامهم فصلى أربعا ليعلمهم إن الصلاة تربع (3). وهو إعتذار مهلهل كما ترى.
PageV0MP028
٢ - تقديم الخطبة في صلاة العيدين:
فقد جرت السنة في صلاة العيدين أن يصلي الإمام بالناس أولا ثم الخطبة بعد ذلك (١). ولكن عثمان خالف هذه السنة فقدم الخطبة وأخر الصلاة (٢).
٣ - الجمع بين الأختين:
وهو من غريب الأحكام المصادمة لصريح قوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/4/4" target="_blank" title="النساء 4">﴿وإن تجمعوا بن الأختين إلا ما قد سلف﴾</a> (3). وقد أجاز عثمان الجمع بين الأختين في النكاح إذا كانتا ملك يمين (4).
4 - حكمه في غسل الجنابة:
حيث سئل زيد بن خالد الجهني عثمان: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن؟ فقال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ونسبه إلى أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله (5). والحكم الذي لا يجهله مسلم إن غسل الجنابة واجب إذا التقى الختانان.
وبالإضافة إلى هذا وذلك فقد استقبل خلافته بتعطيل القاص، وذلك بعفوه عن عبيد الله بن عمر، الذي ثار لمقتل أبيه، فقتل - بغير حق - الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة، وأراد قتل كل صبي في المدينة، فانتهى أمره إلى سعد بن أبي وقاص فساوره وقابله بناعم القول حتى انتزع منه سيفه، وأودعه في السجن كي ينظر الخليفة في أمره.
ولما تمت البيعة اعتلى الخليفة أعواد المنبر وعرض قصة عبيد الله على المسلمين فقال لهم: إن الهرمزان من المسلمين، ولا وارث إلا المسلمون عامة، وأنا إمامكم وقد عفوت.
PageV0MP029
وأنكر عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام ذلك وقال له: أقد هذا الفاسق فقد أتى عظيما، قتل مسلما بلا ذنب وثار أمير المؤمنين عليه السلام في وجه عبيد الله، وقال له: لئن ظفرت بك لأقتلنك بالهرمزان (1).
وقد انكر على الخليفة أيضا خيار المسلمين وصلحائهم هذا العفو، لأنه كان تعطيلا لحدود الله، وكان زياد بن لبيد إذا لقي عبيد الله قال له:
ألا يا عبيد الله مالك مهرب ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر أصبت دوما والله في غير حله حراما وقتل الهرمزان له خطر على غير شئ غير أن قال قائل أتتهمون الهرمزان على عمر فقال سفيه والحوادث جمة نعم أتهمه قد أشار وقد أمر وكان سلاح العبد في جوف بيته يقلبه والأمر بالأمر يعتبر وشكاه عبيد الله إلى عثمان فدعا زيادا ونهاه عن ذلك فلم ينته، وتناول عثمان بالنقد فقال:
أبا عمر وعبد الله رهن فلا تشكك بقتل الهرمزان فإنك إن غفرت الجرم عنه وأسباب الخطي فرسا رهان أتعفوا إذ عفوت بغير حق فالك بالذي تحكي بدان (2) وغضب عثمان على زياد وزجره حتى انتهى.
ثم اخرج عثمان عبيد الله من المدينة إلى الكوفة وأنزله دارا فنسب الموضع إليه، فقيل: كويفة ابن عمر (3).
وكان عمل الخليفة هذا مخالفا لحكم الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، فإن الشارع قد الزم الولاة بإقامة الحدود وعدم التسامح فيها، لصيانة النفوس وحفظ النظام، وليس لحاكم ان يتهاون في هذا الأمر مهما عظم شأن المعتدي.
PageV0MP030
وتابع الخليفة الثالث سلفه في النهي عن متعة الحج، فقد جاء في مسند أحمد عن عبد الله بن الزبير، قال: والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان، وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج:
أن أتم للحج والعمرة ان لا يكونا في أشهر الحج فلوا أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإن الله تعالى قد وسع الخير. وعلي بن أبي طالب في بطن الوادي يعلف بعيرا له قال: فبلغه الذي قال عثمان فأقبل حتى وقف على عثمان فقال: أعمدت إلى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه تضيف عليهم فيها وتنهى عنها وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثم أهل بحجة وعمرة معا. فأقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها؟ اني لم أنه عنها، إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه (1).
وراعى جانب أقربائه حتى لو كان فاسقا أو شارب خمر، فولاهم على أمصار المسلمين، ولم يول أجلة الصحابة الذين هم أبصر بالسياسة وبالشريعة والدين من أولئك الصبيان الفسقة.
وقد مهد لملك معاوية ولولاه لما أتيح لمعاوية نقل الخلافة ذات يوم إلى آل أبي سفيان وتثبيتها في بني أمية.
قال الدكتور طه حسين: والشئ الذي ليس فيه شك هو ان عثمان ولى الوليد على الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص، وولى عبد الله بن عامر على البصرة بعد ان عزل أبا موسى الأشعري، وجمع الشام كلها لمعاوية، وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن، بعد ان كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب، وولى عبد الله بن سرح مصر بعد ان عزل عنها عمرو بن العاص، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان، منهم أخوه لأمه ومنهم أخوه في الرضاعة ومنهم خاله، ومنهم من يجتمع معهم في نسبه الأدنى إلى أمية بن عبد شمس، كل هذه حقائق لا
PageV0MP031
سبيل إلى إنكارها (1).
وقد اتبع الخليفة الثالث اجتهاد سلفه في منع ذوي القربى من سهامهم من الخمس. وأخذ يوزعه على أقاربه بدون حساب، فأعطى خمس غزوة إفريقيا الأولى إلى عبد الله بن أبي سرح ابن خالته وأخيه من الرضاعة، وأعطى خمس الغزوة الثانية ابن عمه وصهره مروان بن الحكم، اضافه إلى إعطائه فدك.
واقطع الحارث ابن عمه وصهره سوق المدينة (المهزور) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله تصدق به على المسلمين (2) وأعطى عمه الحكم صدقات قضاعة.
وكان إذا أمسى عامل الصدقة على سوق المسلمين اتى بها إلى عثمان فيقول له عثمان:
ادفعها إلى الحكم (3).
وكان عثمان يقرب بني أمية ويستخلصهم لنفسه، فقرب مروان بن الحكم، واختص به واتخذه لنفسه وزيرا ومشيرا وأمر له بمئة الف، وكان قد زوجه ابنته أم أبان ثم اقطعه فدك التي كانت ملكا للنبي، وكانت فاطمة رضي الله عنها طلبتها من أبي بكر فدفعت عنها بحديث أوردوه، ونصه كما قالوه (لا نورث ما تركناه صدقة) (4).
وللأستاذ أبي رية كلام لطيف حول موضوع فدك جاء فيه:
كنا نشرنا كلمة بمجلة الرسالة المصرية عن موقف أبي بكر من الزهراء في هذا الميراث ننقل منها ما يلي (إننا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وإنه قد ثبت إن النبي قال: إنا لا نورث. وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فإن أبا بكر كان يسعه ان يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها كأن يخصها
PageV0MP032
بفدك، وهذا منه حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للإمام أن يخص من يشاء بما شاء، وقد خصه ونفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي على إن فدك هذه التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث أن قطعها عثمان لمروان) (1).
أما عائشة فيحار الكاتب من أي قضاياها يبدأ، ولكننا مضطرون أن نبدأ من مخالفتها القطعية للسنة النبوية.
1 - صلاتها تماما في السفر:
أخرج مسلم من عدة طرق الزهري عن عروة عن عائشة: إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين، قالت عائشة: فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر (2).
ولكن المتواتر عن عائشة وعثمان - وحدهما من بين الأمة - الإتمام في السفر.
2 - تشكيكها بنبوة الرسول صلى الله عليه وآله.
وذلك إنها غضبت يوما وكلمها رسول الله صلى الله عليه وآله فكان مما قالت له: أنت الذي تزعم إنك نبي الله (3).
ثم إليك بعض عظائمها.
3 - تهييجها الفتنة بين المسلمين.
وذلك بركبوها جملها الأدب (عسكر) والتحاقها بطلحة والزبير إلى البصرة خروجا على إمام زمانها أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقد تمت له البيعة من المسلمين
PageV0MP033
فضلا عن نص الرسول الأمين عن رب العالمين وقد ظهرت الدلائل عند ماء الحوأب (١) ولكنها مرت على غلوائها ولم يردعها ذلك.
ولم تكتف بما فعلت بل أرسلت عائشة إلى حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين (كما نص عليه غير واحد من إثبات أهل الأخبار) تسئلهن الخروج معها إلى البصرة فما أجابها إلى ذلك منهن إلا حفصة، لكن أخاها عبد الله أتاها فعزم عليها بترك الخروج، فحطت رحلها بعد أن همت (٢).
وكان ما كان يوم الجمل من دماء مسفوكة، وحرمات مهتوكة، فصلها أصحاب الأخبار، وكانت كما يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين أساسا لصفين والنهروان ومأساة كربلاء وما بعدها حتى نكبة فلسطين في عصرنا هذا (٣).
(وكان خروجها مخالفة لقوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/33/33" target="_blank" title="الأحزاب: 33">﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله﴾</a> (4)).
ومخالفة لقوله صلى الله عليه وآله لنسائه بعد حجة الوداع: (هذه، ثم ظهور الحصر) يعني الجلوس في البيوت.
وخلاصة القول في مسيرها قول سيد البلغاء في خطبة له:
أيها الناس، إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه، أما طلحة فابن عمها، وأما الزبير فختنها! والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة، ولا تحل عقدة، إلا في معصية الله وسخطه (5).
PageV0MP034
4 - الوضع الصريح للحديث:
وروى رسول الله إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة هذين يموتان على غير ملتي!
أو قال: ديني!.
وروى عبد الرزاق عن عمر قال كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي، والحديث الثاني زعم فيه أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عايشة إن سرك إن تنظري إلى رجلين من أهل النار، فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب (1).
وهذا مصادم للقرآن الكريم الناطق لأهل البيت وعلي أولهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد نزلت فيه سورة (هل أتى) بإجماع المفسرين كما وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد حدث بفضل أخيه ووصيه وصهره وأبي ذريته علي عليه السلام بما جاوز حد الإحصاء.
5 - موقفها في دفن الحسن عليها السلام:
لما توفي الحسن عليه السلام مسموما وخرج به أخوه الحسين عليه السلام ليجدد به العهد بقبر جده صلى الله عليه وآله، خرجت عائشة على بغلة شهباء يحف بها بنو أمية وهي تصيح: لا تدخلوا بيتي من لا أحب، إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه، وأومأت إلى ناصيتها (2).
وليت شعري ألم تسمع أم المؤمنين!! قول جده رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه: اللهم إني أحبه وأحب من يحبه (3).
وقوله صلى الله عليه وآله: اللهم إن هذا ابني وأنا أحبه، فأحبه وأحب من .
PageV0MP035
يحبه (1).
وقوله صلى الله عليه وآله: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن (2).
وهو أحد أصحاب آية التطهير وسورة هل أتى.
ولكن البغض يعمي ويصم، وقد صدق فيها قول الشاعر:
حفظت أربعين الف حديث ومن الذكر آية تنساها وقول الآخر:
نسيت (قرن في بيوتكن) وكانت تحفظ الذكر، ما الذي أنساها؟!
ومن العجب إن عائشة لم تغير موقفها في تأييد معاوية مع إنه قتل أخويها محمد بن أبي بكر وعبد الرحمن؟ وكان أخوها محمدا قد قتل بصورة بشعة، حينما ولاه أمير المؤمنين علي عليه السلام على مصر، فقتله معاوية بالسم، ومثل به جلاوزته أبشع تمثيل فالقوه بعد قتله في جيفة حمار (3) وأحرقوه، لذا كانت عائشة لا تأكل الشواء بعد ذلك.
نعم أيدت عائشة معاوية بن أبي سفيان الذي استتب له الأمر بالخلافة بعد معركة صفين ووفاة أمير المؤمنين عليه السلام وصلح الحسن عليه السلام.
* * * افتتح معاوية سلطته حين بلغه نعي أمير المؤمنين علي عليه السلام، وذلك في وقت الضحى فقام فصلى ست ركعات، ثم أمر بني أمية برواية الأحاديث في فضلها.
وهذه الصلاة لم يصلها النبي صلى الله عليه وآله ولا أبو بكر ولا عمر (4).
.
PageV0MP036
ولكن محدث الدولة أبو هريرة لم يلبث أن وضع حديثا فيها، فقال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام في كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر (1).
وكان أول عمل قام به بعد احتلاله كرسي الخلافة أمره بسب أمير المؤمنين علي عليه السلام على منابر المسلمين، فقد روي إن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة من شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه وقال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي، ولست تاركا إيصاءك بخصلة، لا تتحم! (أي لا تتجنب) عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم... فقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا وهو من أحسن شئ سيرة وأشده حبا للعافية غير إنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه... إلى آخره (2).
وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال:
دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إليه فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت إنه لأمر حدث فينا فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال:
يا بني، جئت من أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به:
إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى أخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عنهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما بقي لك ذكره وثوابه؟ فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه؟
ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا إن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل:
.
PageV0MP037
أبو بكر. ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا إن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر.
وإن ابن أبي كبشة (1) ليصاح به كل يوم خمس مرات (أشهد أن محمدا رسول الله) فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟ لا والله إلا دفنا دفنا (2).
وروى المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: إن برأت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته.
وكتب إليهم: إن أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبي وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا.
ثم كتب إلى عماله: إن الحديث عن عثمان قد كثر وفشى في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشى في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبارا كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.
وجد الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم حتى رووه وتعلموه كما
PageV0MP038
يتعلمون القرآن، بل علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.
وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراؤون الذين يظهرون الخشوع والنسك ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (1).
وقد ورث معاوية عن أبيه قسوته وكيده ودهاءه، ولم تكن أم معاوية بأقل من أبيه تنكرا للإسلام وبغضا لأهله وحفيظة عليهم، وهم قد وتروها يوم بدر فثأر لها المشركون يوم أحد، ولكن ضغنها لم يهدأ وحفيظتها لم تسكن، حتى فتحت مكة فأسلمت كارهة كما أسلم زوجها كارها وكما أسلم كذلك ابنها معاوية بعد إسلام أبيه كارها.
وهند هذه هي التي أغرت وحشيا بحمزة عم النبي حتى قتله ثم أعتقته، ولما قتل حمزة بقرت بطنه، ولاكت كبده، وفعلت فعلتها بجثته!
وإذا كان معاوية قد ورث بغض علي عن آبائه - مما حدثناك عنه - فإن هناك أسبابا أخرى تسعر من نار هذا البغض، منها إن عليا قتل أخاه حنظلة يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة وغيرهما كثيرين من أعيان وأماثل عبد شمس. ومن أجل ذلك كان معاوية أشد الناس عداوة لعلي يتربص به الدوائر دائما، ولا يفتأ يسعى في الكيد له سرا وعلانية، قولا وفعلا (2).
قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه .
PageV0MP039
وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، اختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير (1).
ومن الغريب إننا لا نجد لمعاوية فضيلة معترفا بها، وقد أفرد له البخاري في صحيحه بابا عنونه ب (ذكر معاوية) بينما عنون لغيره ب (فضائل) فلان وفلان مع إنه لم يأت في هذا الباب بأحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله.
وحكى ابن الجوزي في الموضوعات عن إسحاق بن راهويه - شيخ البخاري -:
إنه قال لم يصح فضائل معاوية شئ.
وقد أكد العلماء المحققون جريمة معاوية الكبرى في حق الإسلام والمسلمين حين صرف الخلافة بحقده ومكره عن صاحبها الأصلي فقد قال ابن رشد الفيلسوف المعروف: إن معاوية أقام دولة بني أمية وسلطانها الشديد، ففتح بذلك بابا للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة قاعدة حتى في بلادنا هذه الأندلس (2).
* * * * وما علم الوضاعين أبو هريرة الدوسي فقد قدم إلى المدينة المنورة كما قدم غيره من الدوسيين والأشعريين بعد انتصار النبي صلى الله عليه وآله في وقعة خيبر سنة 7 هجرية، ثم ذهب إلى البحرين في ذي القعدة سنة 8 ه. ولم يرجع للمدينة بعد ذلك إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
إذن فهو لم يصحب النبي صلى الله عليه وآله: إلا سنة واحدة وتسعة أشهر (3)، وقيل ثلاث سنين ومع هذا كان أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد ذكر ابن حزم إن مسند بقي بن مخلد قد إحتوى من حديث أبي هريرة على 5374 روى البخاري منها 446.
PageV0MP040
وقد اعترف أبو هريرة بذلك فقال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فقد كان يكتب ولا أكتب (1).
ولم يكن ابن عمرو أكثر منه حديثا، فقد أحصيت أحاديثه في مسند أحمد فبلغت 722 حديثا (2).
لقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام سئ الرأي في أبي هريرة، فقد روي عنه أنه قال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله (3).
حتى أن عمر تنبه إلى خطر أبي هريرة فيما ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله، فدعاه وزجره ونهاه عن الحديث وهدده بالنفي إلى ارض دوس (4).
قال ابن قتيبة:
لما اتى أبو هريرة عنه (صلى الله عليه وآله) ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة الصحابة والسابقين الأولين إليه، اتهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه (5).
وروى حديثا في المشي في الخف الواحد، فبلغ عائشة فمشت في خف واحد، وقال: لأخالفن أبا هريرة.
وروى إن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، فقالت عائشة رضي الله عنها:
ربما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة.
قال: وبلغ عليا إن أبا هريرة يبتدأ بميامنه في الوضوء وفي اللباس، فدعا
PageV0MP041
بماء فتوضأ فبدأ بمياسره وقال: لأخالفن أبا هريرة (1).
وكان من إنكار عائشة على أبا هريرة الذي ذكره ابن قتيبة آنفا إنها قالت له يوما: إنك لتحدث حديثا ما سمعته من النبي (صلى الله عليه وآله)، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار! فقال لها - كما روى البخاري وابن سعد وابن كثير وغيرهم - شغلك عنه (صلى الله عليه وآله) المرآة والمكحلة، وفي رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكني أرى ذلك شغلتي.
ورواية الذهبي إن عائشة قالت له: أكثر يا أبا هريرة على رسول الله، فكان جوابه: ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا المدهن (2).
وكان أبو هريرة في أول إسلامه وقبله وبعده إلى أيام عمر فقيرا ولا يملك قوت بطنه، ففي حديث رواه أحمد والشيخان عن الزهري، عن عبد الرحمن بن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إني كنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله على ملئ بطني (3).
وقد كان عمر ابن الخطاب أول من أنعم على أبي هريرة حيث ولاه على البحرين سنة 20 ه - كما روى الطبري - وبعد ذلك بلغ عمر عنه أشياء تقل بأمانة الوالي فعزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولما عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف درهم فقال له: أظلمت أحدا؟ فقال: لا قال: فما جئت لنفسك؟ قال:
عشرين ألفا قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر. قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال: ثم أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف، وفي رواية اثنى عشر ألفا.
وفي رواية ابن سعد في طبقاته إن عمر قال له: عدوا لله وللإسلام - وفي رواية عدوا لله ولكتابه - سرقت مال الله. وفي رواية: أسرقت مال الله؟
PageV0MP042
وقد روى البلاذري في مثل ذلك في فتوح البلدان.
وفي رواية إن عمر قال له: هل علمت من حين إني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغني انك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار.
قال: كانت لنا أفرس تناتجت وعطايا تلاحقت.
قال: قد حسبت لك رزقك ومؤونتك، وهذا فضل فأده.
قال: ليس لك ذلك.
قال له عمر: بلا والله، وأوجع ظهرك. ثم قال إليه بالدرة فضربه حتى أدماه.
ثم قال له: إيت بها.
قال: احتسبتها عند الله.
قال: ذلك لو أخذتها (من حلال!) وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر بالبحرين يجبى الناس لك؟ لا لله ولا للمسلمين، ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر!
وما أجود ما قاله الأستاذ أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية:
وإذا كان قد بلغ من فاقة أبي هريرة وجوعه أن يخر مغشيا عليه، فيضع الناس أرجلهم على عنقه! فهل تراه يدع دولة بني أمية ذات السلطان العريض والأطعمة الناعمة، وينقلب إلى علي الزاهد الفقير الذي كان طعامه القديد؟ إن هذا لمما تأباه الطباع الإنسانية، ولا يتفق والغرائز النفسية! اللهم إلا من عصم ربك، وقليل ما هم.
ولقد عرف بنو أمية صنيعه معهم، وقدروا موالاته لهم، فأغدقوا عليه من أفضالهم، وغمروه برفدهم وأعطيتهم! فلم يلبث أن تحول حاله من ضيق إلى سعة، ومن شغف العيش إلى دعة، ومن فقر إلى ثراء، وبعد أن كان يستر جسمه بنمرة بالية صار يلبس الخز والكتان الممشق (1).
وعقب على كل ما مر بأن الفقر بذاته ليس عيبا، وإنما يكون الفقر عيبا إذا
PageV0MP043
كان صاحبه يتوسل إلى شبع بطنه ببيع دينه وكرامته.
وبعد هذا كله فان من الطبيعي أن يكيل أبو هريرة المدح للخلفاء ولمعاوية وأشباهه، وناوئ أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وهو ولي نعمته في الدين، وأولئك أولياء نعمته في الدنيا!
وكانت طريقة أبي هريرة في حديثه ان يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يسمعه منه، وهذا هو التدليس، وهو عيب يرد الحديث لأجله.
فقد قال بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا في الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم) ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم فاسمع بعض من كان معنا، يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله (1).
وقد كان شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس.
فقد حدث أبو هريرة بحديث (من أصبح جنبا فلا صيام له) ولما حوقق عليه قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله (2).
وأخرج الطحاوي عن أبي هريرة: (إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به، قلته أو لم أقله، فإني أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به، فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف) (3).
نماذج من أحاديث أبي هريرة:
كان أبو هريرة متحاملا على علي عليه السلام ويتوسل بموضوعاته في الحديث لينفس عن هذا الحقد.
فقد روى الأعمش قال: لما قذم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة
PageV0MP044
(سنة 41) (وهو في الحقيقة عام الفرقة) جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأي كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا أهل العراق!
أتزعمون إني (أكذب) على رسول الله وأحرق نفسي بالنار! (والله)!!! لقد سمعت رسول الله يقول: إن لكل نبي حرما، وأن حرمي المدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيهما حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإشهد بالله إن عليا أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة (1).
ومن أحاديثه في مدح أولياء نعمته إنه نظر إلى عائشة بنت طلحة - وكانت مشهورة بالجمال الفائق - فقال: سبحان اله! ما أحسن ما غذاك أهلك! (والله) ما رأيت وجها أحسن منك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله (2).
وهكذا فشى الوضع، وكثر الوضاعون، ودخل فيهم كل معاد للدين زنديق لم يخرج دينه الأول - يهوديا أو نصرانيا، من قلبه. وكانت نتيجة ذلك أن كثر الحديث الموضوع كثرة فاحشة.
فقد روى عن سهل بن السري الحافظ إنه قال: وضع أحمد بن عبد الله الجوبياري، ومحمد بن عكاشة الكرماني، ومحمد بن تميم الفارابي على رسول الله أكثر من عشرة آلاف حديث.
لذا يقول البخاري: أحفظ مئة الف حديث صحيح، ومائتي الف حديث غير صحيح (3).
وكان عبد الكريم بن أبي العوجاء يدس الأحاديث في كتاب جده لأمه حماد ابن سلمة وجئ به إلى محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله، فلما أيقن بالموت قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام
PageV0MP045
ولقد فطرتكم في يوم صومكم، وصومتكم في يوم فطركم.
وكان حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة عشر الف حديث.
وأشهر وضاعي الزنادقة عبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان ابن علي أمير البصرة، وبيان بن سمعان المهدي، قتله خالد بن عبد الله القسري، ومحمد بن سعيد المطلوب، قتله أبو جعفر المنصور (1).
وقد كان وضعهم الحديث لأسباب كثيرة، منها كتاب معاوية الذي نقلناه قبل هذا، ومنها التقرب للملوك، ومنها بسبب العصبية المذهبية، ومنها العداء القلبي للإسلام وأهله، ومنها لأسباب تافهة.
قال ابن الصلاح: وأشد هذه الأصناف ضررا أهل الزهد، لأنهم للثقة بهم وتوسم الخير فيهم يقبل موضوعاتهم كثيرا ممن هم على نمط في الجهل ورقة في الدين.
قال الحافظ ابن حجر: ويلحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي صلى الله عليه وآله (2).
لنستعرض نماذج مما وضعوه.
أخرج أبو يعلي عن أبي هريرة، قال رسول الله: عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي (محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي).
وأخرج أبو يعلي كذلك عن ابن عمر قال: إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله (3).
وفي حديث إن رسول الله قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على
PageV0MP046
سائر الطعام (1)... وفي حديث إن صورتها قد جاءت النبي في سرقة من حرير مع جبريل وقال له: (هذه زوجتك في الدنيا والآخرة) (2)!!
وفي حديث آخر: خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء (3).
وفي رواية (خذوا شطر دينكم...) إلى آخره (4).
ومن الأحاديث التي أملتها العصبية الحديث التالي:
(يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي)، قالوا: وفي إسناده وضعان أحدهما مأمون بن أحمد السلمي والآخر أحمد بن عبد الله الخونباري. وقد رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعا، واقتصر على ما ذكره في أبي حنيفة، وقال، مرفوع وضعه محمد بن سعيد المروزي البورقي، ثم قال: هكذا حدثت به في بلاد خراسان ثم حدث به في العراق وزاد فيه (وسيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنته أضر على أمتي من فتنة إبليس) (5).
وقد وضعت الشافعية مقابل هذا حديثا في إمامهم.
وأما الأحاديث التي أملاها البعض للتقرب إلى الملوك فكثيرة جدا نذكر منه المثال التالي: جئ إلى المهدي بعشرة محدثين، فيهم غياث بن إبراهيم، وكان المهدي يحب الحمام، فقيل لغياث: حدث أمير المؤمنين. فحدثه بحديث أبي هريرة إن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر): (أو جناح). فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلما قام، قال المهدي: أشهد ان قفاك قفا كذاب على رسول الله
PageV0MP047
(صلى الله عليه وآله) وإنما استجلبت ذلك أنا. وأمر بالحمام فذبحت (1).
وقد بلغ من أمرهم إنهم يضعون الحديث لأسباب تافهة، ومن أمثلة ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكتاب يبكي! فقال له مالك؟ قال: ضربني المعلم. قال: لأخزينهم اليوم!
حدثنا عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: (معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين) (2).
والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
ولعل أحسن ما يتبين فيه موقف الملوك والخلفاء والأمراء المتأخرين هو قول الدكتور السباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع: ما كان لتساهل الخلفاء والأمراء مع الوضاعين من أثر سئ جر على الدين كثيرا من البلاء، ولو وقفوا منهم موقف الجد وقضوا على رؤسائهم، كما هو حكم الله في مثل هذه الحالة، لما انتشرت هذا الانتشار، بل رأينا مع الأسف إن خليفة كالمهدي مع اعترافه بكذب غياث بن إبراهيم وزيادته في الحديث تقربا إلى هواه كافأه بعشرة آلاف درهم.
وما تقوله الرواية من إنه أمر بذبح الحمام لأنه كان سببا في هذه الكذبة، فهو مدعاة للتعجب إذا كان خيرا للمهدي أن يؤدب هذا الكذاب الفاجر ويترك الحمام من غير ذبح بدلا من أن يذبح الحمام ويترك من يستحق الموت حرا طليقا ينعم بما المسلمين.
بل نحن نرى للمهدي تساهلا آخر مع كذاب آخر هو مقاتل بن سليمان البلخي، فقد قال له مقاتل: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس وبنيه فقال له المهدي؟ لا حاجة لي فيها ثم لم يفعل معه شيئا (3).
PageV0MP048
عود على بدء :
إنتهى القرن الأول والحديث يتناقل - في الأعم الأغلب - رواية، وكانت الأحاديث ممزوجة بفتاوى الصحابة وقضاياهم.
ولم ولي عمر بن عبد العزيز (99 - 101 ه)، وكان المحذور الذي يخشاه الخلفاء قد زال، فأمر بجمع الحديث وتدوينه رسميا، وأصدر أمره بذلك لابن حزم الأنصاري أن يجمع حديث النبي صلى الله عليه وآله، وكان محمد بن شهاب الزهري متولي عملية الجمع والتدوين.
فقد حدث معمر عن الزهري قال: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا إلا نمنعه أحدا من المسلمين (1) وقال أيضا: استكتبني الملوك فأكتبتهم فاستحييت الله إذ كتبها الملوك إلا أكتبها لغرهم.
ولكن لم يصلنا من هذا التدوين السلطاني أثر مكتوب، غير إن الباب فتح على مصراعيه لمن شاء، أن يكتب الحديث - غير أولئك الذين سبق ذكرهم وإنهم دونوا الحديث في أوج شدة المنع - فألف كثيرون وجمعوا من الحديث الشريف مجاميع، ولكنها لا زالت تشمل إلى جانب الحديث النبوي فتاوى الصحابة وقضاياهم.
فعلى هذا، فإن تكوين الحديث وجمعه لم يتطور تطورا جديا، ولم يحقق تقدما ملموسا إلا بعد فتح باب التدوين ورفع المنع.
قد وصلتنا أسماء جماعة ممن دون الحديث في القرن الثاني نذكر جملة منهم.
1 - أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج توفي سنة 150 ه بمكة.
2 - محمد بن إسحاق توفي سنة 151 ه بالمدينة.
3 - معمر بن راشد توفي سنة 153 ه باليمن.
4 - سعيد بن أبي عروة توفي سنة 156 ه بالمدينة.
PageV0MP049
5 - أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي توفي سنة 156 ه في بيروت من بلاد الشام.
6 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب توفي سنة 158 ه بالمدينة.
7 - الربيع بن صبيح توفي سنة 160 ه بالمدينة.
8 - شعبة بن الحجاج توفي سنة 160 ه بالبصرة.
9 - أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري توفي سنة 161 ه بالكوفة.
10 - الليث بن سعد توفي سنة 172 ه بمصر.
11 - أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار توفي سنة 176 ه بالبصرة.
12 - الإمام مالك بن أنس توفي سنة 179 ه بالمدينة.
13 - عبد الله بن المبارك توفي سنة 181 بخراسان.
14 - هشيم بن بشير توفي سنة 188 ه بواسط.
15 - جرير بن عبد الحميد الضبي توفي سنة 188 ه بالري.
16 - سفيان بن عيينة توفي سنة 198 ه بمكة (1).
وهؤلاء كلهم من رجال القرن الثاني، ولم يصلنا من كتب هؤلاء إلا القليل، وأشهر ما وصلنا من هذه الفترة موطأ مالك، ولذلك ذكر بعضهم إنه أول كتاب دون في الحديث.
موطأ مالك لأبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي اليماني (2).
ولد سنة 93 ه على أصح الأقوال (3) وتوفي سنة 179 ه ونشأ في رفاهية
PageV0MP050
وتجمل (1).
ويذكر المؤرخون إن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان من شيوخ مالك.
وإذا صح ما رواه صاحب الديباج من إن لمالك عدة كتب في الفلك والرياضيات، فلعله أخذ ذلك عن جعفر الصادق عليه السلام (2).
وقد جمع أبو بكر الخطيب البغدادي كتابا كبيرا في الرواة عن مالك وشئ من رواياتهم عنه (3).
والمعروف عن مالك إنه كان يفضل عثمان على علي عليه السلام (4).
وأما موطأه فهو من أقدم المؤلفات عن الجمهور والذي صنفه بأمر أبي جعفر المنصور.
قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب الانتفاء: إن محمد بن سعد قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه، فحادثته وسألني فأجبته فقال: أني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعت (يعني الموطأ) فتنسخ نسخا، ثم ابعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوها إلى غيرها؟ فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودنوا من اختلاط أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فقال لعمري، لو طاوعتني علي ذلك لأمرت به.
PageV0MP051
وفي رواية إن المنصور طلب منه أن يضع للناس كتابا يتجنبوا فيه تشديدات ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود (1).
قال ابن معين: إن مالكا لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي.
وقال الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول، وقد اعترف مالك بذلك.
فقد الف الدارقطني جزءا فيما خولف به فيه مالك من الأحاديث في الموطأ وغيره، وفيه أكثر من عشرين حديثا.
ومما يؤخذ على مالك أيضا إنه روى عن شيخه الصادق عليه السلام خمس روايات مسندة، وأربعة منقطعة، والروايات المسندة مرجعها إلى حديث واحد مسند وهو حديث جابر، والأربعة منقطعة.
ويمكننا هنا أن نقول: إن مالك لم يكن وافيا لأستاذه الصادق عليه السلام، الذي أغنى بحديثه أربعة آلاف رجل جمع أسمائهم الحافظ ابن عقدة في كتاب خاص ، والذي الف من حديثه عن آبائه عن جده المصطفى صلوات الله عليهم أربعمائة كتاب. وبإحصائية بسيطة تبين لنا كثرة رواية مالك عن نافع مولى ابن عمر، وعن الزهري، وهما لا يصلان في العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله عشر معشار علم الصادق عليه السلام به.
ويؤاخذ مالك أيضا بعدم روايته عن أمير المؤمنين علي عليه السلام بينما يروي عن نافع وأمثاله؟!
أليس هذا وذاك يدلان على حسيكة في نفس مالك لأهل البيت عليهم السلام؟!
PageV0MP052
واتخذت طريقة تدوين الحديث بعد القرن الثاني صورة أخرى تعتبر متطورة عما سبقتها، وذلك بافرادها الحديث النبوي خاصة بدون ان يلبسه شئ من فتاوى الصحابة أو غيرها.
فصنف جماعة في ذلك، ومن كتبهم:
1 - جامع عبد الله بن وهب (ت 197 ه).
2 - مسند الطيالسي (ت 204 ه).
3 - مسند عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي (ت 213 ه).
4 - مسند عبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219 ه).
5 - مسند مسدد بن مسرهد (ت 228 ه).
6 - مصنف بن أبي شيبة (ت 235 ه).
7 - مسند إسحاق بن راهويه (ت 238 ه).
8 - مسند أحمد بن حنبل (ت 241 ه).
9 - مسند عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 ه).
ولئن كانت هذه المسانيد والمصنفات قد أفردت للحديث النبوي فقط، ولم تخلط به أقوال الصحابة ولكنها كانت تجمع بين الصحيح والضعيف والموضوع من الحديث.
واستمر التأليف على هذا النمط إلى أن ظهرت طبقة البخاري، فدخل التدوين حينئذ مرحلة جديدة، وخطى خطوة نحو الأمام، ويمكن أن نسمي هذا الدور دور التنقيح والاختيار.
وفي هذه الفترة ألفت عند الجمهور الكتب الستة المعروفة باسم الصحاح الستة، وهي:
أ - صحيح البخاري، تأليف محمد بن إسماعيل (ت 256 ه).
ب - صحيح مسلم تأليف مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه).
ج - سنن ابن ماجة، تأليف محمد بن يزيد القزويني (ت 273 ه). PageV0MP053
د - سنن أبي داود، تأليف سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه).
ه - سنن الترمذي، تأليف محمد بن عيسى الترمذي (ت 279 ه).
و - سنن النسائي، تأليف أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه).
وبعضهم يستبدل الأخير ب (سنن الدارمي) تأليف عبد الله بن عبد الرحمن (ت 255 ه) من الصحاح الستة.
صحيح البخاري:
لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بروز به، ولد في 13 شوال سنة 194 ه ببخارى، وتوفي في ليلة عيد الفطر سنة 256 ه.
وقد خصه الجمهور بمنزلة عالية لا يمكن لكتاب آخر أن يرقى إليها.
فقد قال عنه الحافظ الذهبي: واما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، فلو رحل الرجل لسماعه من الف فرسخ لما ضاعت رحلته.
وقال ابن الصلاح في جزء له: ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقينا، لتلقي الأمة ذلك بالقبول (1).
ولكن مما يضعف هذه المنزلة قي نفوسنا طريقة البخاري في كتابة الحديث.
فقد روى الخطيب البغدادي عنه أنه قال رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر! فقيل له: يا أبا عبد الله بكماله؟
فسكت (2).
وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى: قال لي محمد بن إسماعيل يوما: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر! فقلت
PageV0MP054
له: يا أبا عبد الله بتمامه؟ فسكت (1).
ومما يؤكد ذلك أيضا أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه. فقد ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح، أن أبا إسحاق إبراهيم بن محمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض (2).
وأيضا فان علماء الرجال قد تكلموا في 80 رجلا من رجالاته، واتهموهم بالضعف (3)، وانتقدوا من أحاديثه نحو 80 حديثا (4).
ولم يرو البخاري في صحيحه عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد أجاد العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين في نقد هذه المسألة حيث قال:
وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يرو شيئا عن الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والزكي العسكري وكان معاصرا له، ولا روى عن الحسن بن الحسن، ولا عن زيد بن علي ابن الحسين، ولا عن يحيى بن زيد، ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط، ولا عن أخيه إبراهيم بن عبد الله، ولا عن الحسن الفخي بن علي بن الحسن بن الحسن، ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، ولا عن أخيه إدريس بن عبد الله، ولا عن محمد بن جعفر الصادق، ولا عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا، ولا عن أخيه القاسم الشرسي ولا عن محمد بن زيد بن علي، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصر للبخاري - ولا .
PageV0MP055
عن غيرهم من اعلام العترة الطاهرة وأغصان الشجرة الزاهرة، كعبد الله بن الحسن وعلي بن جعفر العريضي وغيرهما. ولم يرو شيئا من حديث سبطه الأكبر وريحانته من الدنيا أبي محمد الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة مع احتجاجه بداعية الخوارج وأشدهم عداوة لأهل البيت (عمران بن حطان) القائل في ابن ملجم وضربته لأمير المؤمنين عليه السلام:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا يبلغ من ذي العشر رضوانا إني لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عن الله ميزانا (1) هذا، وقد روى عن أناس متهمين بالكذب، كإسماعيل بن عبد الله بن أويس ابن مالك المتوفى عام 226 وزياد بن عبد الله العامري المتوفى 282 ه، لكنه لم يرو عن الإمام الصادق الذي أجمع الكل على صدق حديثه ودرايته بكل شئ، والأخذ بأقواله وآرائه حيث كان في الكوفة وحدها الف شيخ محدث، كل يقول: حدثني جعفر ابن محمد.
وروى عن الضعفاء، ويعدونهم ب (ثمانين) منهم الحسن بن ذكوان البصري، وأحمد بن أبي الطيب البغدادي، وسلمة بن رجاء التميمي، وبسر بن آدم الضرير، وعبد الله بن أبي لبيد، وعبد الله بن أبي نجيح المكي، وكهمس بن منهال السدوسي، وهارون بن موسى الأزدي، وسفيان بن سليمان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم.
كما وروى عن أناس مشهورين بعدائهم ونصبهم لأهل بيت العصمة والطهارة، كالسائب بن فروخ، وإسحاق بن سويد العدوي، وبهز بن أسد، وحريز بن عثمان، وحصين بن نمير الواسطي، وخالد بن سلمة بن عاص بن هشام المعروف بالفأفاء وعبد الله بن سالم الأشعري أبي يوسف الحمصي، وقيس بن أبي حازم (2).
PageV0MP056
صحيح مسلم:
لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أحد الحفاظ، ولد بنيسابور سنة 204 ه، وتوفي عشية يوم الأحد لخمس - وقيل: لست - من شهر رجب سنة 261 ه بنيسابور، وعمره خمس وخمسون سنة.
ولما وضع كتابه الصحيح عرضه علي أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وتغيظ وقال: سميته الصحيح! فجعلت سلما لأهل البدع وغيرهم فإذا روى لهم المخالف حديثا يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم.
وقد جرد مسلم الصحاح ولم يتعرض للاستنباط ونحوه، وفاق البخاري في جمع الطرق وحسن الترتيب.
وفي رجال مسلم 160 رجلا تكلم فيها علماء الرجال بالضعف.
وانتقد عليه نحو 130 حديثا.
كما ويروي عن رجال تركهم البخاري لشبهة في نفسه.
وهنا كلام لابد أن يكون، فأبو زرعة - وهو العلم المشهور في الجرح والتعديل يراه سلما لأهل البدع، فليس من المعقول في كتاب كهذا أن ننسب كل ما فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ونحكم عليه بالصحة المطلقة، فلو خيرنا بين ما يشين مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، أو تضعيف راو أو حديث أو كتاب فلا نتردد في أن نختار الثاني.
ولا بد إن الذين جعلوا كتاب مسلم في هذه المرتبة العالية غافلون عن هذه المحاذير التي هي ملازمة للكتاب ملازمة الظل لأصله.
سنن الترمذي:
لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الضرير ولد سنة 209 ه PageV0MP057
بترمذ وتوفي سنة 279 ه تتلمذ وتخرج على يد البخاري، ومنه أخذ علم الحديث وتفقه فيه وتمرن بين يديه.
يقول ابن الأثير: في سنن الترمذي ما ليس في غيرها من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح والحسن والغريب.
وعلى كل خال فقد اتخذت سنن الترمذي مكانتها بين الصحاح الستة، وقد سماه بعضهم ب (صحيح الترمذي).
سنن النسائي:
لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي، ولد سنة 215 ه بنساء من بلاد خراسان.
وامتحن في دمشق محنة كانت فيها وفاته.
فقد خرج النسائي من مصر سنة اثنتين وثلاثمائة إلى دمشق فسأله أصحاب معاوية من أهل الشام تفضيله على علي عليه السلام فقال: ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل؟
سألوه أيضا عما يرويه لمعاوية من فضائل، فقال: ما أعرف له فضيلة إلا (لا أشبع الله بطنه).
فما زال به أهل الشام يضربونه في خصييه بأرجلهم حتى أخرجوه من المسجد، ثم حمل إلى الرملة فتوفى بها (1).
وقد قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: لما أمتحن الإمام النسائي بدمشق طلب أن يحمل إلى مكة فحمل إليها وتوفى بها (2).
وقد كانت وفاته سنة 303 وهكذا مضى النسائي إلى ربه يشكو النواصب
PageV0MP058
من أعداء أهل بيت نبيه صلوات الله عليهم أجمعين.
ولم يرع النواصب حرمة شيخ نيف على الثمانين، وهو من رجالهم الذين يعدونهم من الثقات، وكان إماما من أئمتهم في الحديث، ولا يزال كتابه أحد الصحاح الستة التي عليه المدار عند الجمهور في الاعتماد والوثاقة.
فقد نقل التاج السبتي عن والده وعن شيخه الذهبي إن النسائي أحفظ من مسلم صاحب الصحيح، وإن سننه أقل السنن حديثا ضعيفا بعد الصحيحين.
سنن أبي داود:
لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، ولد سنة 202 ه، وتوفى سنة 275 ه.
وقال الخطابي: لم يصنف في علم الحديث مثل سنن أبي داود وهو أحسن وضعا وأكثر فقها من الصحيحين، حدث عنه الترمذي والنسائي، وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث: إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة، في بعضها ما ليس للأخرى.
ومن أشهر رواة السنن عنه أبو سعيد ابن الإعرابي، وأبو علي اللؤلؤي وأبو بكر ابن داسة.
سنن ابن ماجة:
لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، ولد سنة 209 ه، وتوفي في رمضان سنة 273 (1).
اما كتابه (السنن) فهو مؤلف من 32 كتابا، ضمها 1500 باب، تشتمل على أربعة آلاف حديث كما ذكره الذهبي (2).
ولكن مجموع أحاديث كتاب السنن الذي حققه محمد فؤاد عبد الباقي بلغ
PageV0MP059
4341 حديثا.
وقد افرد زوائد السنن أحمد بن زين الدين البوصيري في كتاب وخرجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بها من صحة وحسن وضعف.
قال ابن حجر: إن في كتابه - يعني السنن - أحاديث ضعيفة جدا، حتى بلغني إن السري كان يقول: مهما إنفرد بخبر فهو ضعيف غالبا (3). بينما قدمه بعضهم على موطأ مالك.
* * * الشيعة والتدوين:
وهكذا بعد أن تتبعنا تاريخ التدوين عند العامة، من منعه إلى إباحته، بعد نحو مائة سنة، وبعد أن عرجنا على كتبهم الحديثة، وانتهينا إلى الصحاح الستة المعتمدة عندهم، ننتقل بعد هذا إلى تدوين الحديث عند الشيعة فنقول:
إن الشيعة لم يكونوا بحاجة فعلية إلى التدوين كما احتاج الجمهور إليه، لأن فترة منع أو إباحة التدوين عندهم كانت تمثل عندنا استمرارا لعصر النص فلم ينقطع بموت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وإنما استمر إلى عصر غيبة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه وكنا طول هذه الفترة نستقي العلم من معينه - من المعصوم - الذي لا ينضب.
ويعتبر الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام أول من دون الحديث في مدرسة أهل البيت عليهم السلام بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كتب الصحيفة التي علقت بقراب سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ورثها منه علي عليه السلام، كما تقدم.
وكتب أمير المؤمنين - أيضا - صحيفة كبيرة تسمى عند أهل البيت عليهم
PageV0MP060
السلام ب (الجامعة).
ففي الكافي عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي عبد الله فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، فهل هاهنا يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك.
قال: قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون إن رسول الله علم عليا عليه السلام بابا يفتح منه الف باب - إلى قوله -: فقال: يا أبا محمد! إن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة!
قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله، وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إلي، فقال: تأذن لي يا أبا محمد!
قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فأصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا - كأنه مغضب -.
قال: قلت: هذا والله العلم.. الحديث (1).
ولا عجب فقد كانت لأمير المؤمنين علي عليه السلام عند رسول الله منزلة رفيعة، وكان أخاه ونجيه وصفيه وحبيبه وصهره وأبا ذريته، فكان يغره العلم غرا.
والشواهد في ذلك أكثر من أن تحصى فقد روى ابن سعد في طبقاته.
عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: قيل لعلي: ما لك أكثر أصحاب رسول الله حديثا؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني.
وعن سليمان الأحمسي عن أبيه، قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا
PageV0MP061
طلقا.
وعن أبي الطفيل، قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل (1).
وقد بقية الجامعة عند أهل البيت عليهم السلام يتوارثونها، وفي أيام السجاد عليه السلام احتفل بتسليمها إلى ولده الإمام الباقر عليه السلام امام إخوته، حيث نظر السجاد عليه السلام إلى ولده - وهم مجتمعون عنده - ثم نظر إلى ابنه محمد الباقر عليه السلام فقال: يا محمد، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك. وقال: أما إنه لم يكن دينارا ولا درهم، ولكن كان مملوءا علما.
وفي أيام الباقر عليه السلام لما احتج عليه الحكم بن عتيبة - من أهل الرأي - في مسألة فقال لابنه الصادق عليه السلام: يا بني قم، فاخرج كتابا مدروجا عظيما، وجعل ينظر حتى اخرج المسألة فقال: هذا خط علي وإملاء رسول الله، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا، فهو فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل!
وقد ذكرها صاحب كشف الظنون فقال:
الجفر والجامعة كتابان جليلان أحدهما ذكره الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يحطب بالكوفة على المنبر، والآخر اسره رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره بتدوينه، فكتب علي (رضي الله عنه) حروفا متفرقة على طريقة سفر آدم في جفر، يعني، في رق قد صنع من جلد البعير، فأشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين (2).
وذكرت لأمير المؤمنين عليه السلام كتب أخرى، منها كتاب الديات المنسوب إلى ظريف بن ناصح، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد كتبه بخطه - أو أملاه -
PageV0MP062
وأرسله إلى عماله على البلاد ليعملوا بمقتضاه، وكتبه شيعته وتوارثوه يدا عن يد، حتى إذا إنتهى الأمر إلى الصادق عليه السلام عرضوه عليه فقال: نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك.
ثم عرضوه بعد فترة على الإمام الرضا عليه السلام فقال لأحدهم: نعم هو حق، قد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك .
وقال للثاني: هو صحيح.
وقال للثالث: ارووه فإنه صحيح.
وقد فرق الكليني في الكافي أحاديثه على أبواب الديات، وأورده الصدوق كله في باب واحد في كتاب الفقيه، وأورده الشيخ الطوسي كله في التهذيب.
وقد مارس أصحاب أمير المؤمنين وشسعته التدوين - كأبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم - ولم يبالوا بأمر المنع.
واستمر أمر الشيعة على إباحة التدوين حتى جاء عصر الإمام الصادق عليه السلام، فقد ألقت إليه الأمة المسلمة بأفذاذ أكبادها ليرتووا من معين علمه.
وبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف شخص، جمع أسمائهم ابن عقدة في كتاب مستقل (2).
وكتبوا من حديث جده رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالأصول (1) الأربعمائة، وقد تضمنتها الموسوعات الحديثة المؤلفة بعد هذه.
PageV0MP063
الفترة وبقية جملة منها إلى هذا الزمان.
وفي عصر الإمام الكاظم عليه السلام كان جماعة من أصحابه وشيعته يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آب نوس لطاف وأميال، فإذا نطق أبو الحسن الكاظم عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة دونوها.
وقد بلغ ما دونته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عهد الحسن العسكري عليه السلام ستة آلاف كتاب.
وفي عصر الغيبة بدأ علماء الشيعة المدونات الحديثية السابقة من الكتب الستة آلاف والأصول الأربعمائة، فظهرت الكتب الجامعة. والتي سميت بأسماء مختلفة - كما سيأتي - ولكنها لم تسمى ب (الصحاح) ولم يضفى عليها صفة قداسة خاصة بخلاف العامة.
فمدرسة أهل البيت عليهم السلام لا تلتزم بصحة جميع ما في هذه الكتب، بل ولم تلتزم بالصحة المطلقة لأي كتاب ما عدا كتاب الله العزيز فهذه الكتب معرضة كغيرها للنقد والتمحيص في السند والمتن...
وسنتناول بشئ من التفصيل الكتب التي سميت بالكتب الأربعة، والتي أصبحت منذ تأليفها والى اليوم مدار البحث في الحلقات التدريسية في الحوزات العلمية، وعليها المعول في الفتيا والاستنباط. PageV0MP064
الكافي:
للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329 ه. واشتهر لوثاقته عند الفريقين بثقة الإسلام.
قال فيه ابن الأثير: الإمام على مذهب أهل البيت، عالم في مذهبهم كبير، فاضل مشهور، وعد من مجددي مذهب الإمامية على رأس المئة الثالثة (1).
والكافي أول موسوعة حديثة جامعة ألفت بمدرسة أهل البيت حاول مؤلفه أن يجمع فيه الأصول المدونات الحديثة الصغيرة، فجمع فيه ستة عشر ألفا ومئة وتسعين حديثا، بعد تفحص استمر عشرين سنة، قضاها متنقلا بين البلاد طلبا للحديث وأهله.
ويمتاز الكافي بقربه من الأصول المعتمدة المعول عليها، وبدقة ضبطه، وجودة ترتيبه، وحسن تبويبه، وإيجاز عناوينه، فلا تجد فيه حديثا ذكر في غير بابه، كما إنه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلا ولم يتصرف فيه.
ومع جلالة الكاتب وعلو شأن الكتاب لم يقل أحد بوجوب الإعتقاد بكل ما فيه، ولم يسم صحيحا كما سمي البخاري ومسلم. وغاية ما قيل فيه إنه استخرج أحاديث كتابه من الأصول المعتبرة.
قال الفيض الكاشاني في معرض ثنائه على الكتب الأربعة: الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها.
قال العلامة الطهراني عنه: وهو أجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليه، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول. مشتمل على أربعة وثلاثين كتابا، وثلاثمائة وستة وعشرين بابا، وأحاديثه حصرت في ستة عشر حديث (2)، وقد بلغ من شهرة
PageV0MP065
الكافي إنه كان يقرأ في المساجد، فقد قال النجاشي:
كنت أتردد إلى مسجد اللؤلؤي اقرأ القرآن على صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا يقرأون الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب (1).
ويقول المولى محمد امين الأستر آبادي: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا إنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.
من لا يحضره الفقيه:
لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، والمتوفى سنة 381 ه بالري.
نشأ بقم ورحل إلى الري وأستر آباد وجرجان ونيشابور، ومشهد الرضا عليه السلام ومرو الروذ وسرخس وإيلاق وسمر قند وبلاد ما وراء النهر وهمدان وبغداد والكوفة ومكة والمدينة وفيد.
أخذ عن كثير من المشايخ يبلغ عددهم 260 شيخا. وروى عنه أكثر من 20 رجلا.
الف الكثير من الكتب، من أشهرها وأهمها كتاب (من لا يحضره الفقه) الذي أحصيت أحاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستون حديثا، منها الفان وخمسون حديثا مرسلا. وهو المنقول عن الشيخ البهائي في شرحه للكتاب، والمولي مراد التفريشي في (التعليقة السجادية).
وقال المحدث البحراني في اللؤلؤة (قال بعض مشايخنا: أما الفقيه فيشتمل مجموعة على أربع مجلدات يشتمل على ستمائة وستة وستين بابا) (2).
وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة: رأيت جمعا من الأصحاب يصفون
PageV0MP066
مراسيله بالصحة، ويقولون: إنها لا تقصر عن مراسيل محمد بن أبي عمير، منهم العلامة في المختلف، والشهيد في شرح الارشاد، والمحقق الداماد التهذيب والاستبصار:
لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن الحسن الطوسي ولد في شهر رمضان 385 ه وتوفي في 22 محرم الحرام سنة 460 ه.
تجاوز عدد مشايخه الخمسين من اعلام الفريقين، واما تلامذته ففيهم ثلاثمائة فقيه.
وبلغ من جلالته ان جعل له الخليفة العباسي القائم بأمر الله بن القادر بالله كرسي الكلام والإفادة، وهو منصب ما كان يمنح إلا لوحيد عصره.
وقد ثقل وجوده على خصومه فوشوا به إلى الخليفة القادر بالله، فأحضره الخليفة واستفهمه عن الوشاية فاجابه بما رفع منزلته عنده.
وعند ما اثار المتعصبون والجهلة الفتن اضطر الشيخ ان يرحل من بغداد، وهبط إلى النجف الأشرف على طرف البادية سنة 448 ه، حيث أسس حوزة النجف العلمية التي استمرت قائمة إلى اليوم.
ومن أهم كتبه الحديثية كتابان من الكتب الأربعة المعتمدة هما التهذيب والاستبصار: وهما من المكانة والجلالة بمكان يسمو بهما عن التعريف والوصف ولكنا نجتزئ هنا بما أفاض به يراع السيد بحر العلوم - قدس سره - في الثناء على المؤلف وكتابيه:
وأما الحديث فإليه تشد الرحال وبه تبلغ رجاله غاية الآمال وله فيه من الكتب الأربعة التي هي أعظم كتب الحديث منزلة وأكثرها منفعة كتاب التهذيب الأحكام وكتاب الإستبصار، ولهما المزية الظاهرة باستقصاء ما يتعلق بفروع من الأخبار خصوصا (التهذيب) فإنه كان للفقيه فيما يبتغيه من روايات الأحكام مغن عما سواه في الغالب ولا يغني عنه غيره في هذا المرام مضافا إلى ما اشتمل عليه الكتابان PageV0MP067
من الفقه والاستدلال والتنبيه على الأصول والرجال والتوفيق بين الأخبار والجمع بينهما بشاهد النقل والاعتبار وكتاب التهذيب شرح فيه الشيخ الطوسي رحمه الله كتاب (المقنعة) تأليف أستاذه الشيخ المفيد رحمه الله وابتدأ بتأليفه وهو ابن خمس وعشرين سنة. أنجز منه في حياة أستاذه تمام كتاب الطهارة إلى أول الصلاة، ثم أكمل بقيته بعد وفاته.
أما طريقته في تأليفه فقد وصفها بنفسه - قدس سره - فقال: (كنا شرطنا في أول هذا الكتاب أن نقتصر على إيراد شرح ما تضمنته الرسالة المقنعة، وأن نذكر مسألة مسألة ونود فيها الإحتجاج من الظواهر والأدلة المفضية إلى العلم، ونذكر مع ذلك طرفا من الأخبار التي رواها مخالفونا، ثم نذكر بعد ذلك ما يتعلق بأحاديث أصحابنا - رحمهم الله - ونورد المختلف في كل مسألة منها المتفق عليها ووفينا بهذا الشرط في أكثر ما يحتوي عليه كتاب الطهارة ثم إنا رأينا له إنه يخرج بهذا البسط عن الغرض ويكون مع هذا الكتاب مبتورا غير مستوف فعدلنا عن هذه الطريقة إلى إيراد أحاديث أصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتفق، ثم رأينا بعد ذلك إن استيفاء ما يتعلق بهذا المنهاج أولى من الأطناب في غيره فرجعنا وأوردنا من الزيادات ما كنا أخللنا به واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله).
وقد بلغت أبواب التهذيب 390 بابا وأحاديثه 13590 حديثا.
وأما الإستبصار فقد أحصيت أبوابه في 925 أو 915 بابا، وأحاديثه 5511 حديثا.
وفي القرن الحادي عشر برزت كذلك مجاميع حديثية ضخمة لها أهميتها الخاصة ومكانها المتميز ألفها المحمدون الثلاثة: محمد الفيض الكاشاني، ومحمد باقر المجلسي، ومحمد بن الحسن الحر العاملي. وعاشوا في عصر واحد تقريبا.
* * * PageV0MP068
الوافي:
لمحمد بن مرتضى بن محمود المدعو بالمولى محسن الكاشاني والملقب بالفيض، ولد في رابع عشر صفر سنة 1007 ه، وتوفي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة 1091 ه، كما صرح به ولده العلامة علم الهدى وهو أول المحمدين الثلاثة المتأخرين وقد أخذ عن عدة من المشايخ العظام، منهم:
1 - والده الشاه مرتضى المتوفى سنة 1091.
2 - المولى صدر الدين الشيرازي المتوفى سنة 1050.
3 - السيد مير محمد باقر الداماد المتوفى سنة 1041.
4 - الشيخ بهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1030.
5 - الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني المتوفى سنة 1030.
6 - المولى خليل القزويني المتوفى سنة 1089.
7 - المولى محمد صالح المازندراني المتوفي سنة 1081.
وروى عنه تلامذة كثيرون، منهم:
1 - المولى محمد باقر المجلسي المتوفي سنة 1110 ه.
2 - السيد نعمة الله الجزائري.
وقد الف موسوعته الكبيرة الموسومة ب (الوافي) جمع فيها أحاديث الكتب الأربعة، ورتبها على مقدمة وأربعة عشر كتابا وخاتمة، وجملتها في خمسة عشر جزءا يبدأ كل جزء بخطبة وينتهي بخاتمة.
وصد الكتاب بثلاث مقدمات وثلاثة تمهيدات وذيله بخاتمة رجالية في بيان أسانيده.
وقد علق على الأحاديث ببيانات نافعة حتى إن أحدهم جرد من بياناته على PageV0MP069
أصول الكفي كتابا مستقلا جعله بمثابة الشرح لأصول الكافي (1).
بحار الأنوار:
الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي المجلسي، شيخ الإسلام وكبير المحدثين ولد سنة 1037 ه.
وتوفي قدس سره في 1110 ه وقد تخرج - قدس سره - في الدرس على أيدي مشايخ كبار، منهم:
1 - أبو الحسن المولى حسن علي التستري ابن عبد الله الأصفهاني.
2 - القاضي أمير حسين.
3 - المولى خليل بن الغازي القزويني.
4 - الشيخ علي ابن الشيخ مخمد ابن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني.
5 - السيد علي خان ابن السيد نظام الدين أحمد بن محمد معصوم الحسيني الشيرازي المدني، شارح الصحيفة والصمدية.
6 - والده المعظم الشيخ محمد تقي المجلسي.
7 - شيخ المحدثين محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة.
8 - الشيخ محمد بن مرتضى المشتهر بالفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي.
وتتلمذ عليه عدة كثيرة من علماء الطائفة، وكان مجلس درسه مجمعا للفضلاء، وكان يحضره على ما قيل الف رجل أو أكثر، أورد العلامة النوري في الفيض القدسي جمعا منن تتلمذ عليه أو استجازه، وأهم هؤلاء هم:
1 - الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن يوسف الخطي البحراني، مؤلف رياض
PageV0MP070
الدلائل وحياض المسائل.
2 - الشيخ سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار الماحوزي البحراني.
3 - آغا ميرزا عبد الله ابن العالم الجليل عيسى بن محمد صالح الجيرائي التبريزي ثم الأصفهاني الشهير بالأفندي. مؤلف كتاب رياض العلماء.
4 - الشيخ عبد الله بن نور الدين صاحب العوالم.
5 - صدر السيد علي خان الشيرازي.
6 - السيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة.
7 - المولى محمد بن علي الأردبيلي مؤلف كتاب جامع الرواة.
7 - السيد نعمة الله الجزائري.
أما كتابه بحار الأنوار فهو غني عن المدح والثناء، فقد حاول مؤلفه قدس سره جمع ما أمكن جمعه من الأحاديث النبوية والأولوية التي لم تتعرض لها الكتب الأربعة ليصونها من الضياع والاندراس، ورتبه ترتيبا بديعا حيث استهل الباب بذكر الآيات التي لها علاقة بعنوان الباب ثم شرحها، وأردف ذلك بالأحاديث، وله في بيان غوامضها وحل مشكلاتها، والجمع بينها بيانات شافية.
قال في مقدمة الكتاب متحدثا عن هدفه ومنهجه في تصنيفه:
(ثم بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة، تتبعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية... فطفقت اسال عنها في شرق البلاد وغربها حينا، ولح في الطلب لدى كل من أظن عنده شيئا من ذلك وإن كان به ضنينا.
ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الإخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها وطلبوها في الأصقاع. والأقطار طلبا حثيثا، حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الأصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء في الأعصار الماضية فألفيتها مشتملة على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة، وأطلعت فيها على مدارك كثير PageV0MP071
من الأحكام، اعترف الأكثرون بخلوا كل منها عما يصلح أن يكون مأخذا له، فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها. ولما رأيت الزمان في غاية الفساد، ووجدت أكثر أهلها حائرين عما يؤدي إلى الرشاد خشيت ان ترجع عما قليل إلى ما كانت عليه من النسيان والهجران، وخفت أن يتطرق إليها التشتت لعدم مساعدة الدهر الخوان، ومع ذلك كانت الاخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقا في الأبواب، متبددا في الفصول، قلما يتيسر لأحد العثور على جميع الأخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها، ولعل هذا أيضا كان أحد أسباب تركها وقلة رغبة الناس في ضبطها.
فعزمت بعد الاستخارة من ربي... على تأليفها ونضمها وترتيبها وجمعها في كتاب متسقة الفصول والأبواب مضبوطة المقاصد والمطالب، على نظام غريب، وتأليف عجيب لم يعهد مثله... فجاء بحمد الله كما أردت...) (1).
وقد طبع الكتاب طبعتين، أولها حجري في 25 مجلدا، وثانيها حروفي في 110 مجلدا بالحجم الوزيري بإشراف جمع من المحققين الفضلاء.
وقد شاع في الآفاق، واستفاد منه الكثيرون، وما ذاك إلا ببركة النية الخالصة لخدمة شريعة سيد المرسلين وآله المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
وسائل الشيعة:
لمحمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي.
وهو كتابنا - الماثل بين يديك - الذي نتشرف بتحقيقه وتصحيحه ونشره ثانية، لذا سنتحدث عنه بشئ من التفصيل، تسبقه ترجمة واسعة لمؤلف.
PageV0MP072
ترجمة المؤلف هو المحدث الكبير والفقيه النحرير، صاحب التأليفات القيمة والآثار الحميدة، شيخ الإسلام وزعيم الشيعة في عصره، محمد بن الحسن بن علي بن محمد ابن الحسين، المعروف بالحر العاملي، أحد المحمدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث الأئمة المعصومين.
نسبه:
محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين بن عبد السلام بن عبد المطلب ابن علي بن عبد الرسول بن جعفر بن عبد ربه بن عبد الله بن مرتضى بن صدر الدين بن نور الدين بن صادق بن حجازي بن عبد الواحد بن الميرزا شمس الدين ابن الميرزا حبيب الله بن علي بن معصوم بن موسى بن جعفر بن الحسن بن فخر الدين بن عبد السلام بن الحسن بن نور الدين بن محمد بن علي بن يوسف بن مرتضى بن حجازي بن محمد بن باكير بن الحر الرياحي، المستشهد مع الإمام السبط الشهيد يوم الطف، سلام الله عليه وعلى أصحابه. PageV0MP073
ولادته:
ولد في قرية مشغرة (1) - احدى قرى جبل عامل (2) - ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب، عام ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبوية.
أسرته:
نشأ الحر وترعرع في أحضان العلم والمعرفة، فبيت آل الحر من البيوت الكبيرة العريقة الأصيلة، التي غذت الطائفة بثلة من أعاظم الفقهاء والمجتهدين.
فقد كان والده عالما، فاضلا، ماهرا، صالحا، أديبا، فقيها، ثقة، حافظا، عرافا بفنون العربية بالفقه والأدب، مرجوعا إليه في الفقه وخصوصا المواريث، قرأ عليه نجله الحر جملة من كتب العربية والفقه وغيرها، دفن في مشهد الرضا عليه السلام، حيث توفي وهو في طريقه إليه سنة 1062 ورثاه ابنه بقصيدة طويله.
يقول عنه ولده الحر العاملي: سمعت خبر وفاته في منى، وكنت حججت في تلك السنة وكانت الحجة الثانية، ورثيت بقصيدة طويلة.
ومنهم عمه الفاضل وشيخه الكامل الباذل، الشيخ محمد بن علي بن محمد
PageV0MP074
الحر العاملي، ابن بنت الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، ذكره الحر في (الأمل) بمثل هذا العنوان ثم قال: وله كتاب سماه (الرحلة) في ذكر ما اتفق له في أسفاره، وحواش وتعليقات وفوائد وديوان شعر كبير.
ومنهم ابن عمه الشيخ حسن بن محمد بن علي، وهو من الفضلاء في العربية وغيرها.
ومنهم جده الشيخ علي بن محمد الحر العاملي، الذي وصفه - أيضا - في (الأمل) بالعلم والفضل والعبادة وحسن الأخلاق، وجلالة القدر والشأن، والشعر والأدب والإنشاء. ثم قال: قرأ على الشيخ حسن والسيد محمد وغيرهما، أروي عن والدي عنه، وله شعر لا يحضرني الآن منه شئ، وتوفي بالنجف مسموما.
ومنهم جد والده الشيخ محمد بن الحسين الحر العاملي، الذي قال - في (الأمل) أيضا - في حقه: كان أفضل أهل عصره في الشرعيات، وكان والده الشيخ محمد بن محمد الحر العاملي أفضل أهل عصره في العقليات، تزوج الشهيد الثاني بنته وقرأ عن الشهيد الثاني، وله منه إجازة.
موطنه (جبل عامل):
جبل عامل من البلاد العريقة في التشيع، فمنذ الكلمة الطيبة التي غرسها أبا ذر في جبل عامل - عندما نفي إلى الشام بأمر عثمان ومنها إليها بأمر معاوية - والى الآن ما زالت هذه البلدة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فكان أبو ذر رضوان الله عليه مصباحا من مصابيح الهداية، صنعه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على عينه فجاء على قدر، وصدق آمال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه.. فكان.. (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر).
فحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وجد في جبل عامل أرضا خصبة وعقولا سليمة وفطرا لم تلوث. فكان لهم سراجا وهاجا يحمل لهم ذكرا ندية من نور النبوة الكريم فنشر الحديث الصحيح والإسلام الخالص والولاء الحق لآل رسول الله، كما PageV0MP075
قرره النبي صلى الله عليه وآله بقول: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
وبارك الله في جبل عامل فاستمر فيها التشيع إلى يومنا هذا، مع ما مر به الجبل وساكنوه من ظلم الطواغيت وحكم الجزارين، فكان الجبل البقعة الملقية قيادها لأهل البيت (عليهم السلام) ولكن الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
نعم خرج الجبل أعاظم الرجال من الهداة إلى الحق والمجاهدين دونهم، أمثال الشهيدين العظيمين الذين لا زالت الحوزات العلمية تدرس كتابيهما اللمعة الدمشقية والروضة البهية في مرحلة السطوح.
وخرج أيضا قبل الشهيدين وبعدهما المئات من العلماء الذين لم يقتصر جهادهم - في سبيل مذهب أهل البيت (عليهم السلام ونشر علومهم - على بلاد لبنان، بل تعداها إلى البلد الكبير الواسع إيران، فكانوا علماءه العاملين، وشيوخ الإسلام فيه المثبتين بدعائم التشيع، كالمحقق الكركي والشيخ البهائي وشيخنا الحر العاملي. ولو أراد الكاتب أن يجرد منهم قائمة طويلة الذيل لفعل.
قال الحر في كتابه أمل الآمل: سمعت من بعض مشايخنا إنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد الثاني رحمه الله (1).
وقال العلامة صاحب الأعيان: خرج من جبل عامل من علماء الشيعة الإمامية ما ينيف عن خمس مجموعهم، مع إن بلادهم بالنسبة إلى باقي البلدان أقل من عشر العشير.
ففي مثل هذا البلد العابق بالولاء للإسلام ولنبيه صلى الله عليه وآله ولآله الكرام عليه السلام.. هذا البلد المعروف بالعطاء العلمي الزاخر، فتح شيخنا الحر عينه ليرى أين سيكون موقعه فيه!
PageV0MP076
دراسته ومشايخه:
قرأ الشيخ الحر في وطنه (جبل عامل) المقدمات عند أساتذة كان لهم اليد الطولى في التدريس، وقد تركوا الأثر الطيب في نشوئه ونموه إلى أن استوى عوده عالما مجتهدا.
فقرأ على أبيه (المتوفى 1062 ه) وعمه الشيخ محمد بن علي الحر (المتوفى 1081 ه) وجده لأمه الشيخ عبد السلام بن محمد الحر، وخال أبيه الشيخ علي بن محمود العاملي وغيرهم.
وقرأ في قرية جبع علي عمه - أيضا - وعلى الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن صاحب المعالم ابن زين الدين الشهيد الثاني، وعلى الشيخ حسين الظهيري وغيرهم.
ويروي الشيخ الحر بالإجازة عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي، وعن العلامة المجلسي، وهو آخر من أجاز له حين مروره بأصفهان، وقد أنس أحدهما بالآخر واستجازه، والإجازة بينهما مدبجة (1) - على اصطلاح المحدثين - وقال رحمه الله: وهو آخر من أجاز لي وأجزت له. وذكر المجلسي رحمه الله نظير ذلك في مجلد الإجازات من البحار.
تلامذته والمجازون منه:
كان مجلس درس الشيخ مجلسا عامرا بالطلبة المخلصين المجدين في طلب علوم آل البيت (عليهم السلام) وقد لقوا أستاذا رفيقا بهم حانيا عليهم، وهو أحد حملة هذه العلوم الأوفياء لها، وكان بحرا من بحار العلوم فاغترفوا من نميره ما وسعته أفكارهم.
PageV0MP077
وكان من المجازين منه - كما سبق - الشيخ المجلسي صاحب البحار.
والشيخ محمد فاضل بن محمد مهدي المشهدي.
والسيد نور الدين بن السيد نعمة الله الجزائري، وتاريخ إجازته له سنة 1098 ه.
والشيخ محمود بن عبد السلام البحراني، كما في مستدرك الوسائل (1).
أسفاره:
أثام الشيخ الحر في بلده جبل عامل أربعين سنة، ثم سافر إلى العراق لزيارة المراقد المقدسة، ومن ثم إلى إيران لزيارة مرقد ثامن الحجج الإمام الرضا عليه السلام بطوس، عام 1073 كما صرح هو - قدس سره - بذلك، وطابت له مجاورة الإمام الثامن الضامن، فحط رحله هناك، وكانت طوس مأنس نفسه ومجلس درسه، فتجمع حوله طلاب العلم وعمر بهم مجلسه الشريف، وخرج جماعات كانوا رسل هدى في البلدان والقرى، ينشرون العلم والهدى والخير.
ومر في سفره بأصفهان، والتقى فيها بالعلامة المجلسي وأجاز أحدهما الآخر.
هذا وقد حج الحر العاملي إلى بيت الله الحرام مرتين عامي 1087 و 1088 كما في خلاصة الأثر.
وفي حجته الثانية مر باليمن لحادثة سيأتيك نبؤها.
من طرائف ما حدث له:
حياة طويلة عريضة كحياة شيخنا الحر، وأسفار واسعة جال فيها أقطارا كثيرة من البلاد الإسلامية فيها مختلف المذاهب والألسن والقوميات... لا يخلوان بطبيعة الحال من طرائف الحوادث.
PageV0MP078
فقد حكي إنه ذهب - أثناء إقامته بأصفهان - إلى مسجد الشاه سليمان الصفوي، فدخل بدون استئذان، وجلس على ناحية من المسند الذي كان الشاه جالسا عليه، فسأل عنه الشاه فأخبر إنه عالم جليل من علماء العرب، يدعى محمد بن الحسن الحر العاملي، فألفت إليه وقال: (فرق ميان حر وخر چقدراست) أي: كم هو الفرق بين حر وخر؟ وخر بالفارسية معناها الحمار.
فقال له الشيخ على الفور: (يك متكى) أي مخدة واحدة، فعجب الشاه من جرأته وسرعة جوابه (1).
وبعد مضي زمان على توطنه المشهد المقدس أعطي منصب قاضي القضاة وشيخ الإسلام في تلك الديار، وصار بالتدريج من أعاظم علمائها (2).
ونقل من غريب ما اتفق في بعض مجامع قضائه إنه شهد لديه بعض طلبة العصر في واقعة من الوقائع، فقيل له: إن هذا الرجل يقرأ زبدة شيخنا البهائي في الأصول، فرد رحمه الله شهادته من أجل ذلك (3).
ومما نقل - أيضا - من شدة ذكائه، ما نقله المحبي في خلاصة الأثر إنه قال:
قدم مكة في سنة 1087 أو 1088، وفى الثانية منها قتلت الأتراك بمكة جماعة من الفرس لما اتهموهم بتلويث البيت الشريف حين وجد ملوثا بالعذرة، وكان صاحب الترجمة قد أنذرهم قبل الواقعة بيومين وأمرهم بلزوم بيوتهم، فلما حصلت المقتلة فيهم خاف على نفسه فإلجأ إلى السيد موسى بن سليمان أحد اشراف مكة الحسنيين، وسأله أن يخرجه من مكة إلى نواحي اليمن، فأخرجه مع أحد رجاله إليها فنجا (4).
PageV0MP079
أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه:
لقد عرفنا - من خلال ما مر - إن الشيخ الحر أحد الشخصيات العلمية الكبيرة، التي أغدقت على الطائفة الكثير من العطاء. وتركت في سجلاتها الواسعة آثارا تستحق الثناء والقدير.
فقد تمكن شيخنا المترجم - بفضل ثقته العالية بنفسه وبعقيدته، وتبحره في العلوم - أن يخلف آثارا عظمي، فكان حلقة من حلقات مشايخ الإجازات التي تصل الخلف بالسلف، إلى أن تصل إلى أهل البيت عليهم السلام.
وتمكن - أيضا - من تدوين مؤلفات كان غررا في جبين الدهر، حفظ بها حديث النبي الأكرم وآله الميامين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، منها كتابنا هذا والذي أصبح منذ عهد مؤلفه إلى الآن مورد اعتماد الفقهاء، ومرجع استنباطهم للأحكام.
ولذا فقد حظي الشيخ الحر بثناء الكثيرين من الاعلام البارعين الذين يعتبر ثناؤهم شهادة علمية راقية لم ينالها إلا القليل، وهذا الأمر ليس بمستغرب لشيخنا الحر، وهو الذي سهر على حفظ آثار المعصومين عليهم السلام، وضحى بكل غال ورخيص في سبيل عقيدته ومبدئه.
فأثاره ماثلة للعيان، ولأياديه البيضاء مآثر خالدة تذكر ويذكر معها صاحبها ويترحم عليه، وما عند الله خير.
وممن أثنى عليه معاصره السيد علي خان شارح الصحيفة السجادية حيث قال في السلافة:
الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحر الشامي العاملي، علم علم لا تباريه الأعلام، وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام، أرجت أنفاس فوائده ارجاء الأقطار وأحيت كل ارض نزلت بها فكأنها لبقاع الأرض أمطار. تصانيفه في جبهات الأيام غرر، وكلماته في عقود السطور درر. PageV0MP080
وهو الآن قاطن بأرض العجم، ينشد لسان حاله:
أنا ابن الذي لم يخزني في حياته ولم أخزه لما تغيب في الرجم ويحيي بفضله مآثر اسلافه، وينتشي مصطحبا ومغتبطا برحيق الأدب وسلافه، وله شعر مستعذب الجنى بديع المجتلى والمجتني (1).
ثم ذكر قطعة من شعره التي تلوح فيه آثار التدين والحث على مكارم الأخلاق.
وقال صاحب مقابس الأنوار: العالم الفاضل، الأديب الفقيه، المحث الكامل، الأديب الوجيه، الجامع لشتات الأخبار والآثار، المرتب لأبواب تلك الأنوار والأسرار الشيح محمد بن الحسن الحر العاملي المشغلي الطوسي عامله الله بفضله القدوسي (2).
وقال العلامة الأميني في كتابه الغدير بعد كلام طويل في ترجمته:
فشيخنا المترجم له درة على تاج الزمن، وغرة على جبهة الفضيلة، متى استكنهته تجد له في كل قدر تجد له في كل قدر مغرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح وزمر الثناء، فكأنه عاد جثمان العلم وهيكل الأدب وشخصية الكمال البارزة، وإن من آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام في مجلدات كثيرة، وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم ونشر فضائلهم، والإشادة بذكرهم، وجمع شتات أحكامهم وحكمهم، ونظم عقود القريض في إطرائهم، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثناء عليهم، ولقد أبقت له الذكر الخالد كتبه القيمة (3).
وممن أثنى عليه أيضا، ثلة من أفاضل العلماء من الطائفتين - الشيعة والسنة -
PageV0MP081
ومن هؤلاء الأعلام: الأفندي في رياض العلماء (1)، والأردبيلي في جامع الرواة (2)، والنوري في خاتمة مستدركه (3)، والبغدادي في هدية العارفين (4)، والزركلي في الأعلام (5)، وكحالة في معجم المؤلفين (6)، وغيرهم.
شعره:
امتلك شيخنا الحر عدة الشاعر وسلاحه، فمن خلفية فكرية استوعبت القرآن الكريم والحديث الشريف إلى مشاعر قلب نابض وفياض تركز بحب النبي وآله عليهم السلام إلى لسان اتقن لغة الضاد، فأنطلق شاعرا مبرزا يجول في ميادين الشعر المختلفة فتجمعت لديه ما يقارب عشرين الف بيت ضمها ديوانه وأكثرها في مدح أو رثاء النبي والأئمة عليهم السلام ويحتوي ديوانه أيضا منظومة في المواريث والزكاة والهندسة، وتواريخ النبي والأئمة عليهم السلام. ويتميز شعره بطول النفس في النظم بحيث تجد له قصائد كثيرة في مدح النبي وآله عليهم السلام جاوزت كل منها مائة بيت، ومنها همزيته التي نيفت على الأربعمائة بيت، ومنها قوله:
كيف تحضى بمجدك الأوصياء وبه قد توسل الأنبياء ما لخلق سوى النبي وسبطيه السعيدين هذه العلياء فبكم آدم استغاث وقد مسته بعد المسرة الضراء يوم أمسى في الأرض فردا غريبا ونأت عنه عرسه حواء
PageV0MP082
وبكى نادما على ما بدا * منه وجهد الصب الكئيب البكاء فتلقى من ربه كلمات شرفتها من ذكركم أسماء وقد حوت هذه الهمزية معاجز جمة من معاجز النبي صلى الله عليه وآله وجملة وافرة من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي نطق بها القرآن الكريم أو جاء ذكرها في الحديث الشريف.
وكذا طرق فنونا من الشعر صعبة المرتقى قل أن يبرز فيها غير الشاعر في مدح الآل (عليهم السلام)، فمن إحداها وهي في قافية الهمزة.
أغير أمير المؤمنين الذي به * تجمع شمل الدين بعد ثناء أبانت به الأيام كل عجيبة * فنيران بأس في بحور عطاء ومن أخرى محبوكة الأطراف الأربعة يقول:
فإن تخف في الوصف من إسراف * فلذ بمدح السادة الأشراف فخر لهاشمي أو منافي * فضل سما مراتب آلاف فعلمهم للجهل شاف كافي * فضلهم على الآنام وافى فاقوا الورى منتعلا وحافي * فضل به العدو ذو اعتراف فهاتها محبوكة الأطراف * فن غريب ما قفاه قاف وله من قصيدة (ثمانين بيتا) خالية من الألف في مدحهم عليهم السلام:
ولي علي حيث كنت وليه * ومخلصه بل عبد عبد لعبده لعمرك قلبي مغرم بمحبتي له * طول عمري ثم بعد لولده وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيرتي * وقلبي بحبهم مصيب لرشده وكل كبير منهم شمس منير * وكل صغير منهم شمس مهده وكل كمي منهم ليث حربه * وكل كريم منهم غيث وهده بذلت له جهدي بمدح مهذب بليغ * - ومثلي - حسبه - بذل - جهده PageV0MP083
ويدلك على شدة تعلقه بأهل البيت عليهم السلام قوله:
أنا حر عبد لهم فإذا ما * شرفوني بالعتق عدت رقيقا أنا عبد لهم فلو أعتقوني * الف عتق ما صرت يوما عتيقا ومن لطيف شعره مزجه المدح بالغزل حيث يقول:
لئن طاب لي ذكر الحائب أنني * أرى مدح أهل البيت أحلى وأطيبا فهن سلبن العلم والحلم في الصبا * وهم وهبونا العلم والحلم في الصبا هواهن لي داء هواهم دواؤه * ومن يك ذا داء يرد متطببا لئن كان ذاك الحسن يعجب ناظرا * فانا رأينا ذلك الفضل أعجبا وله يصور صدق التوكل على الله تعالى:
كم حازم ليس له مطمع * إلا من الله كما قد يجب لأجل هذا قد غدا رزقه * جميعه من حيث لا يحتسب وهو يشير بهذا إلى قوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/65/65" target="_blank" title="الطلاق 65">﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾</a> (1) وهو - كما ترى - تظنين بديع .
ومن حكمياته اللطيفة قول:
يا صاحب الجاه كن على حذر * لا تك ممن يغتر بالجاه فإن عز الدنيا كذلتها لا عز إلا بطاعة الله ونكتفي بهذا المقدار من أشعاره، ومن شاء الزيادة فليراجع ديوانه الذي سيطبع قريبا إنشاء الله تعالى.
مؤلفاته:
كان الشيخ الحر قدس سره عالما عاملا دأب طول عمره الشريف على خدمة الشريعة الغراء، فمع المشاغل التي تتطلبها منه مشيخته للإسلام، ومع انشغاله
PageV0MP084
بالتدريس وتربية العلماء، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بكتب كثيرة يكفيك إن أحدها، وسائل الشيعة الذي أصبح بعد تأليفه إلى الآن مورد استنباط الأحكام عند فقهاء أهل البيت عليهم السلام.
والنذكر كتبه كما ذكرها هو رحمه الله في أمل الآمل، وكما ذكرها المترجمون له:
1 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: وهو كتابنا الذي نقدم له وسيأتي الكلام حوله مفصلا.
2 - فهرست وسائل الشيعة: يشتمل على عناوين الأبواب، وعدد أحاديث كل باب، ومضمون الأحاديث، ولاشتماله على جميع ما روي من فتاواهم (عليه السلام) سماه كتاب من لا يحضره الإمام.
3 - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): منتخب من وسائل الشيعة الكبير مع حذف الأسانيد والمكررات.
4 - الفوائد الطوسية: مجموع فوائد بلغت المئة فائدة في مطالب متفرقة.
5 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ويبحث في الدلائل على النبوة الخاصة والإمامة لكل إمام إمام حتى الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه، بلغت مصادره من كتب الشيعة والسنة أكثر من أربعمائة وتسعة وثلاثين مصدرا.
6 - أمل الآمل في علماء جبل عامل: قسمه إلى قسمين: الأول خاص بعلماء جبل عامل، والثاني عام لعلماء الشيعة في سائر الأقطار.
7 - الفصول المهمة في أصول الأئمة (عليهم السلام): يشتمل على القواعد الكلية المنصوصة في أصول الدين وأصول الفقه وفروع الفقه...
8 - العربية العلوية واللغة المروية.
9 - (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة): فيها أكثر من ستمائة حديث وأربع وستين آية...
10 - رسالة الإثنى عشرية في الرد على الصوفية: فيها نحو الف حديث في الرد عليهم عموما وخصوصا في كل ما اختص به. PageV0MP085
11 - رسالة في خلق الكافر وما يناسبه.
12 - (كشف التعمية في حكم التسمية). وهي رسالة في تسمية المهدي عليه السلام.
13 - رسالة الجمعة: وهي جواب من رد أدلة الشهيد الثاني في رسالته في الجمعة.
14 - رسالة (نزهة الإسماع غي حكم الإجماع).
15 - رسالة تواتر القرآن.
16 - رسالة الرجال.
17 - رسالة أحوال الصحابة.
18 - تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان.
19 - رسالة بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أول الفقه إلى آخره، وهي في غاية الاختصار، انتهى فيها إلى إن الواجبات (1535) والمحرمات (1448).
20 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، وهو أول من جمع هذه الأحاديث كما يقول صاحب الأعيان (1).
21 - الصحيفة السجادية الثانية، جمع فيها الأدعية المنسوبة إلى الإمام السجاد عليه السلام، والتي لا توجد في الصحيفة الكاملة.
22 - ديوان شعر يقارب عشرين الف بيت، أكثره في النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام. ويتضمن كذلك بالإضافة إلى الشعر النظم التعليمي، ففيه:
منظومة في المواريث، منظومة في الزكاة.
PageV0MP086
منظومة في الهندسة.
منظومة في تواريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
23 - إجازات كثيرة لتلامذته.
24 - كان عازما على أن يشرح وسائل الشيعة بكتاب اسمه تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة (1)، ولكن الأجل لم يمهله لتنفيذ ما عزم عليه فلم يصدر منه إلا جزء واحد.
وفاته:
قال أخوه الشيخ أحمد الحر في كتابه الدر المسلوب:
في اليوم الحادي والعشرين، من شهر رمضان، سنة 1104 ه كان مغرب شمس الفضيلة والإفاضة والإفادة، ومحاق بدر العلم والعمل والعبادة، شيخ الإسلام والمسلمين، وبقية الفقهاء والمحدثين، الناطق بهداية الأمة وبداية الشريعة، الصادق في النصوص والمعجزات ووسائل الشيعة، الإمام الخطيب الشاعر الأديب، عبد ربه العظيم العلي، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الحر العاملي، المنتقل إلى رحمة باريه عند ثامن مواليه:
في ليلة القدر الوسطى وكان بها * وفاة حيدر الكرار ذي الغير يا من له جنة المأوى غدت نزلا * إرقد هناك فقلبي منك في سعر طويت عنا بساط العلم معتليا * فأهنأ بمقعد صدق عن مقتدر تاريخ رحلته عاما فجعت به * أسرى لنعمة باريه على قدر وهو أخي الأكبر، صليت عليه في المسجد تحت القبة جنب المنبر، ودفن في إيوان حجرة في صحن الروضة الملاصق لمدرسة ميرزا جعفر، وكان قد بلغ عمره اثنين وسبعين، وهو أكبر مني بثلاث سنين إلا ثلاثة أشهر (2).
PageV0MP087
وسائل الشيعة:
هو الكتاب الضخم الفخم الذي رسم المؤلف منهجيته بكتاب مستقل، ثم كتبه جامعا له من مصادر معتمدة كل منها مرجع في حديث آل البيت عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله.
فهو كتاب جامع للأحاديث الفقهية التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية، وقد جمع من الأحاديث النبوية والأولوية جملة وافرة تنيف على عشرين الف حديث، استقاها من أهم المراجع الحديثية المعتبرة كالكتب الأربعة:
الكافي، الفقه، التهذيب، الإستبصار، وجملة وافرة من الكتب المعتمدة الأخرى زادت على سبعين كتابا.
وقد استهل الكتاب بأحاديث في مقدمة العبادات، ثم قسمه على كتب الفقه المعروفة من الطهارة إلى الديات، ثم فصل لكل منها أبوابا عنونها بأحكام شرعية بحيث استوعب جزءا كبيرا مما يمكن حصره من أحكام الكتاب، ثم أدرج تحت كل باب أو عنوان أهم الأحاديث ذات الدلالة الواضحة عليه بتمام سندها، ثم وبعد أن يدرج الحديث عن مصدر أساسي واحد يزيله أما بذكر طرقه الأخرى إن روي بأكثر من طريق أو يذكر اختلافات صيغ الرواية إن وجدت أو كلا الأمرين معا.
ثم ذيل أكثر الأبواب بما أصطلح إليه ب (تقدم) و (يأتي) يشير فيها إلى أي حديث سابق أو متأخر على هذا الباب، ذا دلالة جانبية أو يستفاد منه بشكل أو آخر في الحكم الشرعي للباب المعني، فلو كان الباب المعني في الجزء الثامن مثلا، فأي حديث له علاقة بهذا الباب من الأجزاء السبعة المتقدمة يعينه بقوله: (تقدم ما يدل عليه) أو أي حديث آخر سيأتي في الجزء التاسع وما بعده يعينه بقوله (يأتي ما يدل عليه).
فإذا علمنا إن الكتاب حدود الثلاثين مجلد في طبعته الحديثة، لأمكننا أن PageV0MP088
نتصور مقدار الجهد المبذول فيه والذي يحتاج إلى علم واسع واستحضار لكل الأحاديث، وصبر على طول التفتيش والتنقير.
وقد رزق هذا الكتاب ما لم يرزق غيره فكان عليه معول مجتهدي الشيعة من عصر مؤلفه إلى اليوم، وما ذاك إلا لحسن ترتيبه وتبويبه (1).
يقول الشيخ العلامة الأميني في غديره:
وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمة لشيخنا الحر إلا وتجد جمل الثناء على كتابه الحافل (وسائل الشيعة) مبثوثة فيها، وقد أحسن وأجاد اخوه العلامة الصالح في تقريضه بقوله:
هذا كتاب علا في الدين مرتبة * قد قصرت دونها الأخبار والكتب ينير كالشمس في جو القلوب هدى * فتنتحي منه عن أبصار بنا الحجب هذا سراط الهدى ما ظل سالكه * إلى المقامة فالتسمو به الرتب إن كان ذا الدين حقا فهو متبع حقا * إلى درجات المنتهى سبب (2) ولما كان كتاب الوسائل موضع عناية الفقهاء، فقد كثرت حوله المؤلفات من شروح وتعليقات، أو إيضاحات لبعض ما أجمله.
فمن ذلك شرح المؤلف نفسه وأسماه (تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة) ذكر العلامة الشيخ آغا بزرك إنه خرج منه مجلد واحد في شرح جملة من مقدماته (3).
ولمؤلفه - أيضا - شرح آخر على نحو التعليق، فيه بيان اللغات، وتوضيح العبارات، أو دفع الإشكال عن متن الحديث أو سنده، أو غير ذلك، ذكره العلامة الطهراني أيضا (4).
PageV0MP089
وشرحه بعد مؤلفه جمع من الأعلام، ولكن لم يتجاوزوا كتب العبادات، منهم:
الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي المقابي المعاصر لصاحب الحدائق.
والحاج المولى محمد رضي القزويني الشهيد في فتنة الأفاغنة.
والشيخ محمد بن سليمان المقابي المعاصر للشيخ عبد الله السماهيجي، واسم شرحه مجمع الأحكام.
والعلامة المحقق السيد حسن الصدر.
وألف آخرون في حل بعض مغلقاته، منهم:
العلامة الشيخ عبد الصاحب حفيد صاحب الجواهر (المتوفى 1353 ه) له كتاب (الإشارات والدلالات إلى ما تقدم أو تأخر في الوسائل). وطبع بالنجف الأشرف عام 1356 ه.
وسماحة آية الله العظمى السيد الخوئي له كتاب في بيان ما تقدم وما تأخر، وبيان ما يستفاد من أحاديث الباب زائدا على ما استفاده صاحب الوسائل، وذكر حديث آخر لم يذكره الحر في الباب مع إنه يستفاد منه ما في عنوان الباب.
هذا وقد استدرك عليه العلامة النوري كتابا كبيرا سماه مستدرك الوسائل (1)، أورد في خاتمته فوائد نافعة.
وقد اهتم بعض العلماء بجرد حواشي الحر - رحمه الله - على نسخته التي بخط يده، منهم العلامة المقدس الشيخ علي القمي، لكنه فاته تشخيص مواضع الحواشي من المتن.
ودونها ثانيا الميرزا محمد الطهراني نزيل سامراء.
وقد ذكرت هذه الحواشي كلها في هوامش طبعتنا هذه بتوقيع (منه رحمه الله).
* * *
PageV0MP090
منهج المؤلف:
صرح المؤلف بما أنتجه في الكتاب في المقدمة بنحو إجمالي، فقال: (.. ولم أنقل فيه الأحاديث إلا من الكتب المشهورة المعول عليها التي لا تعمل الشيعة إلا بها، ولا ترجع إلا إليها.
مبتدئا باسم من نقلت الأحاديث من كتابه.
ذاكرا للطرق، والكتب، وما يتعلق بها في آخر الكتاب) (1).
وفصل القول عن النهج الذي سار عليه، في آخر الكتاب، فقال:
وصرحت باسم الكتاب الذي نقلت الحديث منه، وابتدأت باسم مؤلفه، وعطفت ما بعده عليه، إلا الكتب الأربعة، فإني ابتدأت في أحاديثها بأسماء مؤلفيها، ولم أصرح بأسمائها:
فما كان مبدوءا باسم (محمد بن يعقوب) فهو من (الكافي) وكذا ما كان معطوفا عليه.
وما كان مبدوءا باسم (محمد بن علي بن الحسين) فهو من (كتاب من لا يحضره الفقيه).
وما كان مبدوءا باسم (محمد بن الحسن) فهو من (التهذيب) أو من (الإستبصار)، وكذا ما كان معطوفا عليهما، ولا فرق بينهما، بل (الإستبصار) قطعة من (التهذيب) (2).
وقد خفي منهج المؤلف في ترتيب كتابه على المبدئين، أو على من لا خبرة له بالعلم، فلم يعرف أغراض المؤلف مما بنى عليه أساس عمله، فاقتضى توضيحه، فنقول: إن الشيخ الحر رحمه الله قد التزم في هذا الكتاب منهجا بديعا، يتميز بميزات
PageV0MP091
فائقة، هي التي سببت له الرواج بين العلماء، نشير إلى بعضها:
1 - تسهيل الأمر على طالبي الحديث، لسرعة العثور على المطلوب، وذلك بترتيب الكتاب على ترتيب الكتب الفقهية بما فيها من الأبواب، وحسب تسلسل المواضيع المطروحة في الكتب المتداولة بين الفقهاء، والتي يتعلمها الطلبة في المدارس الابتدائية، ويزاولها العلماء في المراحل النهائية.
وبذلك يتمكن الجميع، وعلى أساس ما يحفظونه من تسلسل المواضيع الفقهية المدروسة، من العثور على الحديث في الباب المعين.
2 - ضم الحديث إلى ما يناسبه في باب واحد، بحيث يتمكن الطالب من الوقوف على جميع ما يرتبط بالباب من الأحاديث الموحدة في الدلالة، أو المتحدة في الإسناد والمتن، في مكان واحد، مجتمعة أمامه.
وهذا يمكنه بسهولة ويسر من المقارنة بين الأحاديث، سندا ومتنا، أو دلالة ومفهوما، وبذلك تنكشف للطالب أمور عديدة، إضافة على ما في كل حديث من زيادة أو نقصان، بنظرة واحدة، من دون حاجة إلى مراجعة المصادر المتعددة.
3 - الجمع بين شتات الأحاديث المرتبطة بباب واحد، من مختلف المصادر، أو من مواضع متباعدة من مصدر واحد.
وهذا لم يتيسر للطالب إلا ببذل كثير من الجهد والطاقة.
وفي كل هذه الأمور، وغيرها من المزايا، توفير الوقت العزيز، على العلماء والباحثين، بما لا يخفى أثره على تقدم العلم وسرعة التوصل إلى النتائج.
إن كل هذه الآثار إنما ترتبت على ما التزمه المؤلف العظيم من النهج القويم.
إن الشيخ مع سعة دائرة عمله يبدو شديد الحرص على ضبط ما ينقله عن المصادر بدقة تامة، فأثبت ما فيها بشكل كامل بما في ذلك اختلافات النسخ وتفاوتاتها بحذافيرها، وذكرها كلها في هوامش الكتاب، حتى في الحروف، والكلمات، فضلا عن الجمل والفقرات.
فنجد كثيرا ما يضع على همزة (أو) علامة (نخ) للدلالة على إن بعض PageV0MP092
النسخ لم ترد فيه الهمزة بل وردت فيه (و) فقط.
وكذلك في ضبط أسماء رجال السند، فقد أثبت - كذلك - كل ما جاء في النسخ من اختلافات، وأشار إليها بوضع علامة (نخ) كلما خلت نسخة من كلمة، أو اختلفت مع أخواتها.
وكذلك، يستعمل هذا الأسلوب، عند اختلاف المصادر، وهنا يشير إلى اسم المصدر الذي ورد فيه الخلاف باختصار.
ولم يحاول في أي مورد من موارد الاختلاف سواء في السند أو المتن الإشارة إلى ما هو المختار عنده، أو الذي يجب أن تكون عليه أصول المصادر، من الصواب والصحيح. ولا إلى ما هو في النسخ المنقول عنها من التصحيف والسهو.
والسبب في ذلك كما يبدو لنا، هو:
أولا: هدفه من التأليف.
إن غرض المؤلف من الإقدام على تأليف هذا الكتاب هو ما ذكره في المقدمة.
بقوله:
(إن من طالع كتب الحديث، وأطلع على ما فيها من الأحاديث، وكلام مؤلفيها، وجدها لا تخلو من التطويل، وبعد التأويل، وصعوبة التحصيل، وتشتت الأخبار، واختلاف الاختيار، وكثرة التكرار، واشتمال الموسوم منها بالفقه على ما لا يتضمن شيئا من الحكام الفقهية، وخلوه عن كثير من أحاديث المسائل الشرعية، وإن كانت بجملتها كافية لأولي الألباب) (1).
فنجد إن الهدف الأساس للمؤلف، إنما الجمع الكامل، والتنسيق والتهذيب، دون الشرح والتعليق والتصحيح، فتوقع مثل ذلك في غير محله والاعتراض عليه بأي شئ من ذلك، خارج عن المنهج العلمي، ولا يقدم عليه إلا من جهل أساليب العلماء، وابتعد عن أهدافهم.
PageV0MP093
فإن المؤلف إذا رسم لنفسه منهجا معينا، فعليه أن يلتزم به إلى آخر الكتاب، ولو خالف ذلك لاستحق الاعتراض.
وثانيا: إن ديدن المحدثين - كما هو المشهور بينهم، وعليه عمل الكبار منهم - هو إثبات ما في النسخ التي ينقلون عنها، من دون تصرف، بل يعتبرون الذي يتصرف في النسخ على أساس من ظنه، غير أمين في عمله وفنه.
نعم منهم من يشترط تعريف الناقل بمواقع السهو المعلوم، كما هو مشروح في كتب الدراية والمصطلح.
أما من التزم بإيراد ما في النسخ كما هي، من دون تصرف فلا اعتراض عليه خاصة، إذا كان من أهل الورع والاحتياط في الدين، فإن الواجب الشرعي يفرض عليه النقل كما بلغه من دون تغيير أو تصحيح، وإلا لكان ناسبا إلى الراوي له، ما لم يقله.
والمؤلف وأمثاله من أعلامنا منزهون عن التعدي على النصوص، ولو على أساس من اجتهادهم أو ظنونهم فلا يحق للجاهل بعرفهم أن يعترض عليهم، ولا أن ينسب إليهم ما يجده في المؤلفات الحاوية على النصوص المنقولة من اختلافات.
نعم، لو كانوا بصدد الشرح أو التصحيح، فإنهم يتعرضون لكل ما ورد من اختلافات، لاختيار الصواب، وهذا شأن كتب الشروح لا كتب النصوص.
وثالثا: إن المؤلف قام بعملية جمع هذا الكتاب وتأليفه في مدة ثمانية عشر سنة (1) متنقلا بين جبل عامل ومدينة مشهد المقدسة، وأتم تأليفه سنة (1088)، وأعاد النظر فيه ثلاث مرات على الأقل.
فقدم به إلى العلماء خدمة عظيمة، وهو من الموسوعات القلائل التي تتوجت بالإتمام، بالرغم من سعة العمل وكبره، وصعوبة المهمة وخطورتها وقد وفى بكل ما وعد به، من أغراض تأليفه، وأودع فيه كل ما تمناه وأراده، ولو بعد طول المدة، وتحمل كل شدة، حتى قام بكتابته ثلاث مرات. ليتم ما أراد على أحسن وجه.
PageV0MP094
هذا كله، مع إنه اقتصر على إيراد النصوص ونقلها وتنظيمها فقط!
ولو إنه كان تصدى لكل تلك الاختلافات الواقعة في الأسانيد أو المتون، لما أنجز من الكتاب إلا معاشره، لما يقتضيه ذلك من الوقت والمدة. وهو مع ذلك لم يغفل هذا الجانب بالكلية، فلقد قام في فترة تأليفه للكتاب بالتعليق على موارد ضرورية من الكتاب، سواء في السند، أو المتن، بتعاليق قيمة وجدت في النسخة الثالثة التي قام بكتابتها بخط يده رضوان الله عليه.
ولقد كان من من الله علينا أن وقعت في أيدينا فنقلنا جميع تلك التعاليق في هامش طبعتنا هذه وفي مجال التحقيق في كل واحد واحد من الأحاديث والبحث عن مشكلاتها السندية أو المتنية، وإبداء رأيه فيها، وكذلك البت في مفاداتها فقد تصدى له المؤلف في شرحه العظيم الذي سماه (تحرير وسائل الشيعة) الذي لم يخرج منه إلا جزؤه الأول (1).
ولو تم عمله هذا، لتكون بذلك حجر يلقن به من عوى، وأراد التناول من قدسية المؤلف والحط من شأنه.
وإن من الجفاء - بل الغباء - أن نتهم الشيخ المحدث العظيم الحر العاملي، بوقوفنا على ما نراه في كتابه من اختلافات النسخ التي وصلت إليه.
فإنا نجده في مواضع عديدة يورد نصا فيه تصحيف واضح في السند أو المتن.
لكنه لا يتصرف فيه ولا يعلق عليه، بل يورد بعده مباشرة، نفس النص والسند، من مصدر آخر، أو موضع آخر من نفس المصدر الأول، بشكله الصائب خاليا من التحريف أو التصحيف!
أفيتصور في حق عالم محدث أمين، قضى عمره في هذا الفن، وكتب الوسائل - ثلاث مرات - على الأقل، وصرف عمره فيه تأليفا وتدريسا وشرحا وتحقيقا، وهو يكتب بخط يده الشريفة نصا بصورتين، مصحفا، وصوابا.
أفيتصور في حقه أنه تخفى عليه نكتة التصحيف أو يخفى عليه وجه الصواب،
PageV0MP095
أو يعجز عن تصويب الخطأ.
أن ايراده للنص الصحيح بعد النص المصحف مباشرة، في مواضع عديدة، ومكررا، لدليل واضح على إكمال تنبهه إلى ما ورد في المورد الأول، وإن تركه على حاله إنما كان من معرفة وفظنة، لكنها الأمانة العلمية، والورع الديني، واتباع الحق في إيداء الحق الذي التزمه على نفسه.
ثم إن إنجاز العمل إنما تم بهذه السرعة في (18) سنة، بعد التزامه العملي بترك البحث في كل حديث حديث، مع قيامه باختزال الكتابة، كما يلي:
1 - فهو يختصر الأسانيد الواردة في المصادر، كلها إلى حد كبير، لا يخل بالمقصود، وذلك بحذف ألفاظ الأداء والتحمل، وتبديلها كلها بالحرف (عن)، وحذف الألقاب والكنى وأعمدة النسب، كلما ذكرت في الأسانيد، والاقتصار على الأسماء، أو الألقاب المعروفة، مثلا يكتفي بكلمة (الحميري) عن ذكر (عبد الله بن جعفر الحميري).
2 - الجمع بين الأسانيد، إذا وردت بنص واحد عن مصدر واحد، فيما إذا اختلفت مواضعها، أو عن أكثر من مصدر، بالدمج والتلفيق.
فيظن من لا خبرة له بالفن وقوع سهو منه، لما يراه من زيادة في السند.
2 - عند اختلاف المصادر المتعددة في نص بشكل طفيف، فإنه ينقل النص من مصدر واحد ثم يعقبه بالمصدر الآخر قائلا (إلا إنه زاد... كذا) أو (قال: كذا...).
إن الشيخ الحر قدس الله روحه تمكن بهذا الأسلوب من جمع كل ما ورد من الحديث مما يتعلق بجميع أبواب الفقه في هذه الموسوعة القيمة، وفي المدة المذكورة، بل تمكن من إعادة النظر فيه.
ولولا ذلك لما تم هذا العمل الضخم قطعا فلو لم يختزل، ولم يدمج، ولم يختصر، لبلغت مجلدات كتابه العشرات.
ولو بدا له أن يتكلم في كل حديث حديث متنا وسندا لبلغت مجلداته المئات.
ولو أطال في ذلك، لما تم إنجاز هذا العمل لما يتطلبه الشرح من وقت ومدة تقصر عن أعمار البشر! PageV0MP096
ولا يدرك مغزى هذه الحقيقة إلا أهل التحقيق والعلم والفقه، مما يزاول البحوث العلمية، فيجدون إن مسألة واحدة من المسائل الفقهية كم تستوعب من الوقت والجهد، وكم تتشعب فيه البحوث اللغوية، والأصولية، وتحقيق المتون ونقد الأسانيد، وملاحظة المعارضات والترجيحات، ودفع المناقضات وما إلى ذلك من جهود جبارة يبذلها الفقهاء العظام، لتحديد معالم الأمة في العلم والعمل، ببلورة المسائل واستنباطها.
رابعا - وأخيرا -:
إن في مقدمة المؤلف على وضعه بإثباته ما في النسخ، وعدم تصرفه في المنقولات، فسح المجال للعلماء الذين يقفون على النص بنسخه المختلفة ليتمكنوا من إبداء آراءهم، وإعمال خبراتهم في انتخاب ما تؤدي إليه أفكارهم، دون أن يحملهم اختياره لنص الذي أدى إليه نظره فقط، فيسد باب الانتخاب والاجتهاد عليهم.
ورحم الله شيخنا الحر، فقد أدى واجبه بأفضل ما يمكن، في تبليغ ما حمل من العلم حسب النسخ المتوفرة لديه والتي احتاط في التوصل إليها بأحوط ما لديه من طرق وقد ذكر جميع ذلك في الفائدة الرابعة من الخاتمة بالإجمال.
ثم إن المؤلف الحر رحمه الله قد عقد الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب، لذكر مصادر الكتاب التي قسمها إلى مصادر نقل عنها بلا واسطة وهي 82 كتابا والى مصادر نقل عنها بواسطة وهي (96) كتابا وذكر في مقدمة هذه الفائدة ما يدل على عنايته الفائقة بانتخاب النسخ الجيدة، حسب الإمكانات المتوفرة له، بالطبع.
وهذا، وحده، كاف للحكم ببراءة ذمته عما ورد في الكتاب من التصحيف المستند إلى تلك النسخ.
ولكن الإخفاق الذي لحق بالحديث لفترة مديدة في مدارسه حيث لم تجد لها بين المسلمين ذلك الاندفاع الذي كان في عصر الازدهار بقيام الدروس لسماع الحديث وقراءته، أثر في إهمال هذا العلم من حيث الرعاية والمحافظة على النسخ وفقدان النسخ الأصلية للمؤلفات القديمة، والتي تعتبر أصول الحديث، من جهة أخرى والتي PageV0MP097
قام بتأليفها جهابذة الفن ممن كامن لهم الكلمة في حل مشكلاته، ولا بد إن الأصول تلك لا تشوبها شائبة، لما تدل عليه سائر آثار أولئك من رسوخ القدم في كل ما تعرضوا له.
إن فقدانها بلا ريب يؤثر في وقوع كل هذا الاختلاف في النسخ.
إلا إن وجود هذا الكتاب بخط المؤلف، وما أشبهه من المؤلفات التي تتميز بالصحة والضبط، وتشهد بذلك ما فيها من بلاغات السماع والقراءة على علماء اعلام يخفف من وطأة تلك الاختلافات، ويهون من أثر مضاعفاتها.
كما إن خبرة الفقهاء وبذلهم الجهود في دروسهم العميقة بإمكانها حل المشاكل العالقة، بالحديث الشريف، ونقاء المصادر مما خلفته الأيام من آثار غير مقبولة.
فرحم الله شيخنا المؤلف حيث أتعب نفسه المقدسة في تهيئة هذا الكنز الثمين، ووفر لنا هذه الجوهرة الغالية، فأداها الينا كما بلغه بأمانة ودقة.
وبقي علينا أن نحسن رعايتها والاستفادة منها.
ونشكر الله على أن وفقنا للوقوف على نسخة خط يد المؤلف رضوان الله عليه ومكننا من أداء الواجب العلمي بتقديمنا نص ما أثبته رضوان الله عليه بشكل تام ومتقن.
* * * PageV0MP098
عملنا في الكتاب:
إن الجهود التي بذلها أصحاب السماحة محققا الوسائل في طبعته الحروفية الأولى كانت بلا شك جهودا مباركة، حيث أضنيا أنفسهما في تصحيح الكتاب وتخريج أحاديثه والتعليق عليه، فأخرجاه من عالم الطباعة الحجرية الثقيل الظل إلى حيث يمكن تداوله وقراءته بسهولة ويسر.
ونحن إذ نقدم لهذا الكتاب في طبعته الحروفية الثانية لابد لنا أولا من تثمين دروس من سبقنا في العمل وذلك من باب عدم بخس الناس أشياؤهم.
ولا بد لنا ثانيا من تقديم مبررات منطقية لاستئناف العمل بهذا الكتاب مرة ثانية، ويمكن حصرها فيما يلي.
أولا: لقد كان الخلل الأساسي في الطبعة الأولى هو عدم الاعتماد على نسخة بخط المؤلف مع تواجد جل الكتاب في مكتبات إيران، فقد اعتمد المحققان في تصحيح نسختهما على نسخة العلامة الطباطبائي - صاحب تفسير الميزان - الذي طابقها على نسخة سماحة الشيخ محمد الخمايسي، والذي طابقها بدوره مع نسخة المؤلف الشيخ الحر العاملي.
بينما اعتمدنا في عملنا على نسخة بخط المؤلف شملت أقساما كبيرة من الكتاب، أي إننا اختصرنا المسافة بالاعتماد على نسخة الأم، وذلك يودي بطبيعة الحال إلى ضبط المتن بشكل أدق وأصح.
ثانيا: كتب المصنف على هوامش نسخته شروحا وبيانات تتعلق بتوضيح عبارة أو تعريف مفردة لغوية أو دفع إشكال عن سند الحديث أو متنه لم تدرج كلها في الطبعة الأولى، بينما أدرجت في هذه الطبعة في الهوامش وذيلت ب (منه قدس سره).
ثالثا: إن التطور الذي أصاب جوانب الحياة المختلفة.. وتلك سنة الله عز وجل، قد شمل فيما شمل فني التحقيق والإخراج ومن المؤسف إننا نجد أغلب مصنفاتنا ما بين مخطوط قابع في زوايا النسيان ينظر بحنان إلى أيدي تخرجه إلى عالم PageV0MP099
النور، وما بين طبعات قديمة أصبحت بمرور الزمن غير ملائمة لمستوى العصر.
ولم يكن هدف وطموح المؤسسة يقتصر على الجانب الأول فقط، لذا أقدمت على العمل ثانية بتحقيق كتاب (وسائل الشيعة) كما هي عاكفة على العمل بتحقيق (التبيان في تفسير القرآن) للشيخ الطوسي مع العلم إنه قد طبع حروفيا في النجف الأشرف قبل أكثر من عشرين عاما.
رابعا: إن الطبعة المتداولة لا تخلو من أخطاء واشتباهات، ولعل ذلك قد زاد في بعض المواضع عن الحد المعتاد، وقد توزعت هذه على اشكال مختلفة منها:
1 - الزيادة والنقصان في مفردات الحديث الواحد:
أ - الحديث 5 من الباب 42 من أبواب الحيض... قال: لا، ليس به بأس.
والصواب: قال: ليس به بأس.
ب - الحديث 12 من الباب 11 من أبواب لباس المصلي... قال: لا بأس.
والصواب قال: لا.
ج - الحديث 7 من الباب 28 من أبواب الصوم المندوب فيه تكرار وزيادة واضحة في الطبعة السابقة وغير واردة في النسخة الخطية.
2 - عدم ضبط سند الحديث من حيث الاسم الصحيح للرواة أو غير ذلك.
أ - الحديث 1 من الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات كان سابقا محمد بن يحيى العمركي الخراساني، والصحيح محمد بن يحيى، عن العمركي الخراساني كما في المخطوطة.
ب - الحديث 4 من الباب 32 من أبواب المواقيت كان... سفيان بن عيينة، عن الزبير.
والصواب... عن أبي الزبير كما في المخطوطة. PageV0MP100
ج - الحديث 6 من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة كان سابقا محمد بن علي بن محبوب، عن عبد الرحمن بن أبي الهاشم.
والصواب محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن ابن أبي الهاشم. كما في المخطوطة.
3 - عدم تخريج بعض الأحاديث التي نص المصنف إنها رويت في الكتاب الفلاني مثلا واعتراف المحقق بعدم وجودها.
أ - الحديث 7 من الباب 16 من أبواب القبلة عن المقنعة وذكر المحقق عبارة: لم نجده فيه.
في حين وجدناه في المقنعة.
ب - الحديث 3 من الباب 6 من أبواب الشفعة ذكر المصنف في ذيل الحديث:
ورواه الكليني... إلى آخره. وذكر المحقق في الهامش: ليس هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الكافي. في حين إنه موجود سندا ومتنا.
4 - الزيادة والنقصان في أحاديث الباب الواحد.
أ - الباب 28 من أبواب الأذان والإقامة ذكر المصنف في الفهرست إن فيها 3 أحاديث.
وكان الموجود في الطبعة السابقة أربعة أحاديث علما بأن النسخة الخطية فيها ثلاثة أحاديث.
ب - الحديث 1 من الباب 14 من أبواب المواقيت كان المذكور في الطبعة السابقة حديث ملفق من حديثين في حين إن المصنف حذفه في النسخة الأصلية.
5 - تقديم أو تأخير بعض الأسطر عن مواقعها.
أ - الحديث 10 و 11 من الباب 3 من أبواب آداب الصائم هناك تكرار واضح غير مذكور في النسخة الخطية.
ب - الحديث 4 من الباب 13 من أبواب أحكام الدواب، وردت عبارة في ذيله... ورواه البرقي.... PageV0MP101
في حين إن هذه العبارة تعود لحديث رقم 3 حسب النسخة الخطية.
ج - الحديث 2 من الباب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة. وردت في ذيله عبارة... ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم.... إلى آخره. في حين إن هذه العبارة تعود للحديث رقم 1.
نعرض كل هذا مع تقديرنا وتثمينا لصاحبي العمل الأول.
مراحل العمل:
أول ما قامت به المؤسسة هو تجميع النسخ الخطية بمعونة العلامة المحقق سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الطباطبائي والذي تفضل مشكورا بإرشادنا لمضانها وهي كالتالي.
1 - النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران برقم (1776) وهذه النسخة تبدأ من أول كتاب الوسائل (أبواب مقدمة العبادات) إلى آخر (كتاب الصلاة). تقع هذه النسخة في 549 صفحة، وهي بخط المصنف قدس سره.
2 - النسخة المحفوظة في مكتبة ملك برقم (8069) وهذه النسخة تبدأ من أول الكتاب إلى الباب الثالث من أبواب النفساء. وهي ليست بخط المصنف.
وقد أفادتنا هذه النسخة في قراءة تعليقات المصنف وحواشيه التي كانت مطموسة في النسخة الأولى.
3 - النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية برقم (805) وهي تبدأ من أول كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الحج. وعدد صفحاتها 419 صفحة. وهي ليست بخط المصنف أيضا.
وقد شرع في كتابه هذه النسخة في 6 من ذي القعدة 1112 ه وتم الفراغ منها في 9 / ربيع الآخر / 1114 ه.
وقد نسخ القسم الأول منها - وهو من بدايتها إلى الباب الثاني والأربعين PageV0MP102
من أبواب ما يمسك عنه الصائم من كتاب الصيام - على المسودة الثانية التي أصلها بخط غير خط المؤلف، وتصحيحاتها وإلحاقاتها بخطه قدس سره.
وأما القسم الثاني من هذه النسخة، وهو من الباب الثاني والأربعين من أبواب ما يمسك عنه الصائم إلى آخر كتاب الحج، فقد نسخ من النسخة الثالثة التي هي بخط المصنف رحمه الله.
4 - النسخة المحفوظة بمكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي، وهي مكتوبة بخط المصنف رحمه الله.
وتبدأ من كتاب الجهاد إلى آخر كتاب الوصايا.
وهي غير مرقمة الصفحات، والظاهر إنها من ممتلكات المرحوم السيد الحجة.
5 - النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية برقم (8987).
وهي في 255 صفحة، بخط المصنف رحمه الله، وقد تم الفراغ منها في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1072 ه.
6 - النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي برقم (1191) وهي بخط المصنف قدس سره، تقع في 222 صفحة، وقد تم الفراغ من نسخها في منتصف شهر رجب سنة 1082 ه.
7 - نسخة كتاب من لا يحضره الإمام، وهو فهرست للوسائل، صنفه المصنف رحمه الله.
ونسخته محفوظة في المكتبة الرضوية برقم (1006) وعدد صفحاته 270 صفحة.
وقد شرع الحر رحمه الله في تأليفه في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1088 ه.
وكان فراغه منه في ليلة الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 1088 ه .
وبهذه المخطوطات توفر لنا كتاب الوسائل كله.
وتوجد في النسخ المخطوطة شروح وتعليقات وبيان للغات المشكلة وتوضيح للعبارات ورفع الإشكالات عن متن الحديث أو سنده، وزعها الحر قدس سره في PageV0MP103
هوامش النسخة المخطوطة، ولم تذكر في المطبوع سابقا من الوسائل، وقد أدرجناها كلها في هامش هذه الطبعة. علما بأنا التزمنا بالرسم الإملائي للكلمة حسبما أنتهجه المؤلف في كتابه.
وقد تبين لنا من مراجعة النسخ المخطوطة، والتمرس بها عن مقابلتها إن الكتاب قد مر خلال تأليفه في ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة الجمع والتأليف والإضافة والحذف، وقد تم هذا كله في سنة 1072 ه.
الثانية: مرحلة التهذيب والإخراج من المسودة إلى المبيضة الثانية، وقد تمت في سنة 1082 ه.
الثالثة: مرحلة الدقة في التهذيب والتصحيح والإمعان في المقابلة، وقت تمت هذه المرحلة في سنة 1088 ه.
وبهذا يظهر أن المؤلف قدس سره صرف من عمره الشريف عشرين عاما في تأليف هذا السفر النفيس.
وكانت منهجية العمل الجماعي الذي اختطته المؤسسة تستدعي تشكيل عدة لجان تختص كل منها بعمل معين من فضلاء الحوزة، ومن الشباب المؤمن الجامع بين الثقافة الدينية والدراسة العصرية. وكانت كالآتي:
1 - لجنة المقابلة النسخ الخطية - التي مر وصفها -، وتثبيت الاختلافات إن وجدت. وتشكلت من الأخوة الأماجد الحاج عز الدين عبد الملك ومحمد عبد علي وعبد الرضا كاظم كريدي والسيد مظفر الحسن الرضوي ومحمد حسين الجبوري.
2 - لجنة تخريج الأحاديث عنيت بتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها الأولية مع مقابلة تلك النصوص مع المصادر وتثبيت اختلافاتها وتشكلت من الأخوة الأفاضل الشيخ شاكر آل عبد الرسول السماوي وأسعد هاشم والسيد غياث طعمة وفاضل الجواهري وحيدر الجواهري والسيد جواد التوسلي والسيد عبد الأمير أحمد الشرع وعلي موسى الكعبي. PageV0MP104
لجنة تخريج ما صطلح عليه الحر قدس سره ب (تقدم) و (يأتي) وهم أصحاب السماحة حجج الإسلام الشيخ محمد الباقري والسيد محمد علي الطباطبائي والشيخ جعفر المجاهدي والشيخ محمد الكاظمي والشيخ محمد الرسولي والشيخ الرباني.
4 - لجنة ضبط أسماء رجال الأسانيد وتشكلت من أصحاب السماحة حجج الإسلام الشيخ الآهري والشيخ حليم البهبهاني.
5 - لجنة ضبط النص وتقويمه: عملها السعي لتثبيت نص أقرب ما يكون لما تركه المؤلف وتعيين المصحف من الصحيح وتشكلت من سماحة الأخ المحقق حجة الإسلام السيد علي الخراساني والأستاذ الفاضل المحقق أسد مولوي والأخ الفاضل المحقق السيد مرتضى الحيدري.
6 - لجنة صياغة الهوامش: وتشكلت من صاحب الفضيلة السيد مصطفى الحيدري والأخوة الأماجد مشتاق المظفر وأحمد عبد الكريم.
7 - مهمة الإشراف النهائي على الكتاب كان على عاتق سماحة حجة الإسلام العلامة المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي الذي أسبر الغور في زوايا الكتاب ومراجعته بدقة للتأكد من سلامته وتسجيل ملاحظاته القيمة عليه، فقد أجاد فيما أفاد، فلله دره وعليه أجره.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين جواد الشهرستاني قم المقدسة PageV0MP105
صورة الورقة الأولى من النسخة المحفوظة في مكتبة بخط الشيخ الحر العاملي. PageV0MP106
صورة الورقة الأولى من النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد المرعشي العامة في قم، بخط الشيخ الحر العاملي. PageV0MP107
صورة الورقة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله اليد المرعشي العامة في قم بخط الشيخ الحر العاملي PageV0MP108
صورة الورقة الأولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد بخط الشيخ الحر العاملي PageV0MP109
نموذج آخر من النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد بخط الشيخ الحر العاملي PageV0MP110
صورة الورقة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد بخط الشيخ الحر العاملي PageV0MP111
نموذج آخر من صورة الورقة الأولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد بخط الشيخ الحر العاملي PageV0MP112
تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة تأليف الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن العاملي المتوفى سنة 1104 ه الجزء الأول تحقيق آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
Halaman 1