ولد ولي الدين يكن - كما قلنا - في عام 1873 في الآستانة التي ظل يحن إليها طول عمره، ويتغنى بجمالها، ويرثي لما يصيبها من محن، ويطرب لذكراها، رغم ما لاقى منها من شدائد واضطهاد، وقد فصل الحديث عنها في كتابه «المعلوم والمجهول».
وقد نشرت مجلة الزهور في أحد أجزائها سنة 1913 مقالا في وصف الآستانة، فأرسل ولي الدين إلى رئيس تحريرها كتابا يقول فيه: «لله وصفك لفروق ونوحك عليها، فقد هزا روحي هزا، رعى الله فروق، ما أفتنها، هي أول ثغر بسم لوجهي بعد ثغري الوالدين، ثم لم ألقها بعد ذلك إلا باكية وباكيا، ائتلفت العناصر فقامت بها الأشياء، وقامت فروق من عنصر واحد، لست أدري ما هو، ولكنه عنصر يظلم عنده الراديوم، كنت أشتاق إلى فروق وأنا فيها، فكيف الحال وأنا ناء عنها؟ إن أمة تضيع مثل فروق لمضياع، غير أن فروق ناشز لا تدوم على ود، ليتها لم تكن، وليتها إذ كانت، كانت في دون هذا الجمال ...»
وقد ولد في بيت نبيل، فهو ابن حسن سري باشا يكن، وحفيد إبراهيم باشا يكن ابن أخت محمد علي باشا الكبير، رأس الأسرة التي كانت مالكة في مصر، ولقب أسرته «يكن» معناه باللغة التركية «ابن الأخت»؛ لأن جدها كان ابن أخت والي مصر، وكانت أمه بنت أحد أمراء الشراكسة، وقد ربيت بعد هجرة أبيها من موطنه في قصر الأمير برهان الدين أفندي، أحد أنجال السلطان عبد الحميد، وربما كان لهذه النشأة أثر فيما اتصف به ولي الدين من أنفة وكبرياء، وإباء للضيم، وعناد في الرأي ، ونفور من الاستسلام أو الاستخذاء، وإن لم يفتخر بأصله، بل كان يفتخر بنفسه، ويعتز بصلابة خلقه، ويقول من خالطوه؛ كأنطون الجميل: إنه كان وديعا خافض الجناح.
وقد جاء به والده إلى مصر، وهو لا يزال طفلا، ولم يلبث الوالد أن توفي والولد في السادسة من عمره، فكفله عمه علي حيدر باشا يكن وزير المالية المصرية يومئذ، ثم ألحقه ب «مدرسة الأنجال» الشهيرة التي أسسها محمد توفيق باشا خديوي مصر لتعليم أنجاله، بعد أن ضم إليها عددا من أولاد أمراء مصر ووجهائها، فتلقى ولي الدين دروسه مع الخديوي عباس الثاني في مدرسة واحدة، ودون بعض ذكريات الدراسة في «المعلوم والمجهول»، وأولع بالأدب العربي فأخذ أصوله وفنونه عن أئمة ذلك العهد؛ كالشيخ محمد النشار، وأضرابه، وظهرت مواهبه الكتابية على حداثة عهده، وأتقن العربية إتقانه للتركية مع معرفة واسعة بالفرنسية، وإلمام بالإنجليزية، وانصرف إلى الكتابة في الصحف، تارة أديبا وتارة سياسيا، فكتب في جرائد «القاهرة»، و«النيل»، و«المقياس»، حينا مراسلا، وحينا محررا، ولم ينقطع عن الكتابة في الصحف إلا فترات قصيرة من الزمن، توظف فيها في النيابة الأهلية، ثم في المعية السنية، ولما بلغ الرابعة والعشرين من عمره قصد إلى الآستانة، وقضى فيها حوالي سنة عند محمد فائق بك يكن أحد أعضاء مجلس شورى الدولة، ثم عاد إلى مصر فأصدر جريدة «الاستقامة»، التي منعت حكومة الآستانة دخولها إلى الممالك الإسلامية، فأوقف صدورها وودعها بقصيدة قال فيها:
ولما غدا قول الصواب مذمما
عزمت على أن لا أقول صوابا
فجافيت أقلامي وعفت «استقامتي»
ورحت أرجي للسلامة بابا
وفيها يقول:
أبى الله إلا أن أزيد تصابيا
Halaman tidak diketahui