قال الهيكل العظمي: «لم أعد مهتما بالطقس، إنما أعيش لأنني اعتدت على العيش لسنوات؛ أعتقد أن هذا هو التفسير؛ لأن رئتي قد هلكتا تماما. إن سبب مقدرتي على الكلام أو التنفس يعد لغزا بالنسبة إلي. هل أنت واثق تماما من أنك تستطيع سماعي؟»
قال روبينز: «أوه، إنني أسمعك بوضوح إلى حد ما.» «حسنا، لو أن الناس لا يخبرونني بأنهم يستطيعون سماعي، لما أيقنت أنني أتحدث فعلا؛ لأنني - كما ترى - ليس لدي ما يمكنني التحدث به. أليس شكسبير هو القائل بأن الإنسان يموت حين يغيب عقله؟ لقد رأيت بعض الأشخاص الذين يجعلونني أعتقد أن شكسبير كان مخطئا في تشخيصه، لكن من المفترض عموما أن الإنسان يموت حين تهلك الرئتان. ولأصدقك القول، أنا ميت من الناحية العملية. أتعرف القصة الأمريكية القديمة عن الرجل الذي كان يتجول ليوفر نفقات الجنازة، حسنا، لا أرى الأمر كذلك، بيد أنني أستطيع أن أشعر بما كان يشعر به الرجل. إنني ما زلت شديد الاهتمام بالحياة، وإن كنت ربما لا تعتقد ذلك. كما ترى، ليس أمامي الكثير من الوقت؛ سوف أموت بحلول الساعة الثامنة في اليوم الثلاثين من شهر أبريل. الثامنة مساء، وليس في الصباح، بعد العشاء تماما.»
صاح روبينز في ذهول: «سوف ماذا!» «سوف أموت في ذلك اليوم. إن الأمور معي على خير ما يرام كما ترى حتى إنني أستطيع أن أموت في أي وقت أريد. يمكنني أن أموت هنا والآن، إذا أردت ذلك. ولو كانت ستعود عليك أي فائدة من موتي لفعلت الآن، وسأبرهن لك أن ما أقول حقيقي. أنا لا أكترث كثيرا - كما ترى - رغم أنني قد حددت الثلاثين من أبريل موعدا للنهاية. ومن ثم، لا يهم كثيرا أن أموت الآن، إن كان هذا سيكون في صالحك بأي حال.»
قال روبينز بانزعاج كبير: «أرجوك، لا تحاول أن تجري أي تجربة من أجلي. إنني على استعداد تام لأن أصدق أي شيء تقوله حيال هذا الأمر، وينبغي أن تعرف ذلك بالطبع.»
أجابه الهيكل العظمي الحي بنبرة حزينة: «أجل، أعرف ذلك. لقد عانيت بما يكفي مع الأمل والخوف، لكن كل هذا الآن جزء من الماضي، كما تفهم جيدا. والسبب في أنني قد حددت الثلاثين من أبريل موعدا لي هو الآتي: أنني ليس لدي من المال سوى مقدار محدود، ولا أدري لم ينبغي أن أخفي الأمر. لدي اليوم 240 فرنكا بالضبط، بالإضافة إلى 100 فرنك أخرى نحيتها جانبا وخصصتها لغرض آخر. وأنا أدفع ثمانية فرنكات في اليوم في فندق جولدن دراجون؛ وهذا سيبقيني هناك لثلاثين يوما بالضبط؛ ومن ثم أنوي أن أموت بعدها.»
ضحك الهيكل العظمي مرة أخرى، فتململ روبينز على المقعد من الاضطراب.
وقال في النهاية: «لا أعرف ما الذي يضحكك في ظل هذه الظروف.» «لا أعتقد أن هناك الكثير ليضحكني، لكن هناك شيئا آخر أعتقد أنه مثير جدا للضحك، وسأخبرك به إذا احتفظت به سرا. إن جولدن دراجون نفسه ... إنني دائما ما أطلق على صاحب الفندق اسم جولدن دراجون، كما تطلق أنت علي اسم الهيكل العظمي الحي.»
تلعثم روبينز قائلا: «أوه، أنا ... أنا ... أستميحك عذرا. أنا ...» «لا يهم ذلك على الإطلاق. أنت محق تماما، وأعتقد أنه اسم مناسب وملائم للغاية. حسنا، إن جولدن دراجون نفسه يجني مبلغا كبيرا من المال عن طريق سرقة الموتى. لم تكن على علم بهذا، أليس كذلك؟ كنت تعتقد أن الأحياء هم من يدرون عليه المال، والرب يعلم أيضا أنه يسرقهم حين تسنح له الفرصة لذلك. وأنت مخطئ كثيرا في هذا. عندما يموت المرء في جولدن دراجون، فإنه يتعين عليه أن يدفع لقاء ذلك بسخاء، أو على الأرجح أصدقاؤه هم من يتعين عليهم ذلك. إن دراجون يحاسبهم على إعادة تأثيث الحجرة. إنه يأخذ منهم المال لقاء كل قطعة أثاث، وورق الحائط، وما إلى ذلك. وفي ظني أنه من اللائق تماما أن يطلب الرجل شيئا من المال نظير ذلك، لكن دراجون لا يقنع بما هو لائق. إنه يعلم بأنه خسر نزيلا للأبد؛ ولذا فإنه يحاول أن يحقق منه أقصى استفادة ممكنة. وهكذا، فإن دراجون لا يعيد تأثيث الحجرة التي دفع المال من أجلها، ولا يجدد ورق الحائط، ورغم ذلك لا يخفض من فاتورته بناء على هذا. حسنا، لقد استفسرت من تاجر الأثاث الكائن في الشارع خلف الفندق عن ثمن ذلك، وقد كتب لي على ظهر بطاقته تكاليف المرتبة والملاءات والوسائد وما إلى ذلك، وتكلفة ذلك كله تكاد تصل إلى 50 فرنكا. وقد وضعت في مظروف ورقة مالية بخمسين فرنكا، ومعها بطاقة تاجر الأثاث. ثم كتبت رسالة إلى حارس الفندق أخبره فيها بما ستتكلفه عملية إعادة التأثيث بالضبط، وأشرت بأن يعطي دراجون بطاقة تاجر الأثاث الذي أخبرني بالتكلفة. وقد كتبت على هذا المظروف عنوان دراجون، وسيصله حين أموت. وتلك هي الخدعة التي حكتها أنا والموت على مضيفنا، وأسفي الوحيد أنني لن أكون موجودا لأستمتع بالنظر إلى ملامح وجهه وهو يقرأ خطابي الأخير إليه. وقد نحيت مبلغا آخر من المال جانبا - وهو في أيد أمينة لن تستطيع يد دراجون أن تمتد إليه - وخصصته لتكاليف جنازتي، وهكذا أكون قد طويت صفحتي مع هذا العالم. ولست بتارك أحدا خلفي لأخشى عليه بعد رحيلي، كما أن ليس هناك من يكترث لأمري أو يأسف علي حين أكون في حاجة إلى الاهتمام أو الشفقة، ولست في حاجة إلى هذا أو ذاك. ولهذا السبب أضحك، وآتي إلى هنا وأجلس على هذا المقعد في أشعة الشمس، وأستمتع بالخدعة التي ستنفذ بعد موتي.»
لم يكن روبينز فيما يبدو يرى مجالا للدعابة في هذا الموقف بالقدر نفسه الذي يراه بها الهيكل العظمي الحي. وفي لقاءات أخرى بعد هذا اللقاء، عرض روبينز على الهيكل العظمي أن يعطيه المزيد من المال إذا ما أراد، حتى يتسنى له أن يطيل أمد حياته قليلا، لكن الهيكل العظمي كان دائم الرفض.
ونشأت صداقة من نوع ما بين روبينز والهيكل العظمي الحي، أو على الأقل صداقة من النوع الذي يمكن أن يكون بين الأحياء والموتى؛ ذلك أن روبينز كان شابا فتيا لا يحتاج لأن يعيش في الريفيرا من أجل صحته، وإنما كان يعيش هناك فقط بسبب كرهه للشتاء الإنجليزي. وبالإضافة إلى ذلك - ورغم أنه أمر لا دخل لأحد به في الحقيقة - يمكن أن نقول إن فتاة لطيفة ووالديها كانوا يعيشون في هذه المنطقة على وجه التحديد من الجنوب الفرنسي.
Halaman tidak diketahui