Wajah Lain bagi Kristus
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Genre-genre
على عكس الحكام الفرس السابقين، فقد كان الحكام الإغريق مهتمين بنشر ثقافتهم الخاصة وأساليب حياتهم، جريا على سنة الإسكندر الأكبر، وهذا ما تقبلته المناطق المحكومة عن طيب خاطر، بل وسعت إليه حثيثا، نظرا لما يوفره لها من مزايا عند الحاكم، وكان من أنجع وسائل نشر الثقافة الإغريقية هو نظام المدينة اليونانية «بوليس»، فقد قام الحاكم الإغريقي بإنشاء مدن جديدة، وأعاد تنظيم وإعمار مدن قديمة على النمط الإغريقي، وجميعها أعطي لقب البوليس، سواء دخل هذا اللقب في اسمها الجديد أم لم يدخل، ولقب «البوليس» لا يتوقف عند التسمية السطحية فقط، بل إنه ينطوي على مضامين سياسية واجتماعية ودينية عميقة الأثر في حياة المجتمع المدني، فالمدينة التي تكتسب اللقب تحكم إداريا وسياسيا على نمط دولة المدينة الإغريقية، بمجالسها الشعبية وبقية مؤسساتها السياسية، وتشاد فيها معابد للآلهة اليونانية بعد مطابقتها مع الآلهة المحلية القديمة، وتنشر فيها الثقافة اليونانية عن طريق عدد من المؤسسات المدنية مثل الجمنازيوم، وهو بناء مخصص للتدريب على الألعاب الرياضية، والستاديوم وهو ملعب مفتوح يحتوي على مدرجات لمشاهدة السباقات والألعاب الرياضية، والأوديوم وهو بناء مسقوف من الأعلى ومفتوح الجوانب ذي مدرجات، مخصص للاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة العروض المسرحية الخفيفة، والمسرح المدرج الضخم الذي تقدم فيه العروض المسرحية الطويلة، والليكيوم وهو قاعة مخصصة للاجتماعات والمناظرات والمحاضرات، والآجورا وهو رواق يحف بإحدى الساحات الرئيسية مخصص للاجتماعات السياسية.
في عام 175ق.م. ورث العرش السلوقي أنطوخيوس الرابع (أبيفانوس) الذي وجد فيه أنصار الحركة الإصلاحية الميالون إلى الثقافة الهيلينية في أورشليم نصيرا قويا، فقد عمد هذا الملك التواق إلى نشر الثقافة الهيلينية إلى دعم الإصلاحيين عن طريق إزاحة الكاهن الأعلى المحافظ أونياس، واستبداله بواحد من الكهنة ذوي الميول الإصلاحية واسمه ياسون، وقد ابتدأ ياسون عملية إسباغ الطابع الهيليني على المدينة ببناء جمنازيوم قرب جدار الهيكل، وقام بتحويل الإيرادات الهائلة للهيكل من الإنفاق على الذبائح والقرابين إلى الفعاليات والنشاطات والمرافق ذات النفع العام، كما أنفق على المباريات والألعاب الرياضية بسخاء، وبعد بضعة أعوام أصدر أبيفانوس مرسوما يستبدل فيه الشريعة الموسوية الناظمة للعلاقات المدنية في مقاطعة اليهودية بالقانون المدني السلوقي، وحول هيكل أورشليم من مركز ديني محلي إلى مركز ديني عالمي، وذلك بالمطابقة بين يهوه اليهودي وزيوس الأوليمبي، ونصب تمثالا لزيوس-يهوه في الهيكل.
لو أن ما حصل في أورشليم قد حصل في أي مدينة سورية تطمح إلى مرتبة المدينة اليونانية، لكان أمرا طبيعيا بل ومرغوبا فيه من قبل الجميع، ولكن المجتمع اليهودي الذي بقي محافظا في غالبيته، لم يكن جاهزا بعد للانفتاح، ولم تجد عامة المتدينين في عبادة يهوه-زيوس إلا شكلا من أشكال عبادة بعل التي نددت بها أسفار الأنبياء، وما لبث التململ حتى تحول إلى تمرد اتخذ شكل حرب عصابات بقيادة رجل يدعى متى حشمون، وهو سليل أسرة كهنوتية، وأولاده الخمسة. بعد عامين من المواجهات بين الثوار والقوات السلوقية، استطاع الإخوة الخمسة بقيادة يهوذا الملقب بالمكابي طرد الحامية السلوقية خارج منطقة أورشليم عام 164ق.م. وطهروا المعبد من كل رموز الإصلاح الديني، ولكن الأمور لم تستقر تماما للإخوة الذين دعوا بالمكابيين إلا في عام 143ق.م. عندما أعلن سمعان آخر الإخوة المكابيين، استقلال مقاطعة اليهودية عن سلوقيا، ونصب نفسه كاهنا أعلى تتركز بين يديه جميع السلطات الدينية والدنيوية، وبذلك تم تأسيس أول كيان سياسي مستقل لليهود في فلسطين، دام قرابة ثمانين سنة.
ابتدأ سمعان بخطة شاملة لمحو كل آثار الهيلينية والعودة إلى التقاليد الدينية القديمة، فألغى المؤسسات التربوية والثقافية الهيلنستية، وأحل محلها نظاما قويا للتعليم قوامه شبكة من المدارس التي تعلم أسفار التوراة، ويقصدها الشبان بدل الجمنازيوم والملاعب والمسارح اليونانية، وساعده في حملته الثقافية هذه طائفة الصدوقيين، وهي طائفة متزمة تلتزم التفسير الحرفي للكتاب المقدس، وترفض كل شكل من أشكال التفكير الحر، حكم سمعان من عام 142 إلى عام 134ق.م. وعمل خلال هذه الفترة على توسيع مناطق نفوذ باتجاه الغرب والشمال الغربي، فضم إليه يافا وحصل بذلك على ميناء على البحر المتوسط.
لم يأت تشكيل الدولة المكابية نتيجة للقوة العسكرية للمكابيين، ولا لبطولات وتضحيات أولاد متى حشمون الذين رفعهم الخيال الشعبي في سفري المكابيين إلى مصاف الأبطال الخرافيين، فمقاطعة اليهودية لم تكن سوى مقاطعة صغيرة وفقيرة ومتخلفة في كل المجالات، ولم يكن بمقدورها تحقيق الاستقلال لولا التفكك السياسي للدولة السلوقية، وصعود نجم روما التي كانت في ذلك الوقت تضغط على سلوقيا وتفرض عليها الإتاوات الباهظة. وفي الحقيقة، فإن استقلال مقاطعة اليهودية قد جاء في سياق سلسلة من العمليات الانفصالية عن الإدارة المركزية، وقيام العديد من الولايات السلوقية بإعلان استقلالها، مستفيدة من الخلافات المستمرة بين أفراد الأسرة المالكة السلوقية، والصراع على السلطة فيما بينهم.
بعد وفاة سمعان المكابي عام 134ق.م. خلفه ابنه المدعو جون هيركانوس، كان هيركانوس تلميذا نجيبا للتوراة، وقد اعتقد أن الحكمة الإلهية قد اختارته لإعادة فتح كنعان على طريقة يشوع بن نون، فبدأ بتجهيز جيش مدرب من المرتزقة الذين أنفق عليهم بسخاء، وعندما أحس بقوته كانت السامرة هدفه الأول، فأحرقها ودمرها وذبح عشرات الآلاف من سكانها، وألحق كامل مناطقها بأملاكه وصولا إلى وادي يزرعيل، حيث أعمل السيف في سكان بيت شان وقتل منهم الآلاف، ثم توجه نحو الجنوب وضم إليه منطقة أدوم، وفي كل مكان وصلت إليه قواته كان على الأهالي إما مواجهة الموت أو اعتناق اليهودية. وعلى الرغم من أنه لم يتخذ لقب الملك، إلا أن مقاطعة اليهودية قد تحولت في عهده إلى مملكة كبيرة تم اكتسابها بحد السيف.
توفي هيركانوس عام 104ق.م. وخلفه ابنه أرسطو بولس الأول، الذي اتخذ لقب الملك، واستطاع خلال سنة واحدة من حكمه ضم منطقة الجليل، ثم توفي فجأة وخلفه أخوه أليكسندر ينايوس. كان ينايوس آخر الشخصيات المهمة في الأسرة المكابية، وهو الذي وسع حدود الدولة اليهودية إلى أقصى مدى جغرافي لها، وذلك باستيلائه على معظم مناطق شرقي الأردن، إضافة إلى ما تبقى من المناطق الغربية والساحل، بينما كان السلوقيون يقفون موقف المتفرج بانتظار الضربة الأخيرة المتوقعة من روما، والتي لم تتأخر كثيرا، كان ينايوس أشرس الحكام المكابيين (ويدعون أيضا بالحشمونيين)، فقد تابع سياسة التهويد تحت قوة السلاح وطبقها على أوسع نطاق، كما مارس القمع والإرهاب والقتل الجماعي في كل مكان، ولم ينج من طغيانه سكان اليهودية أنفسهم، وهذا ما أحدث تململا شعبيا واسعا، ما لبث حتى تحول إلى تمرد بقيادة الطائفة الفريسية.
نشأ الفريسيون من قلب الطبقات الشعبية، وقد ورثوا قسما لا بأس به من أفكار الإصلاحيين القدماء، ولكنهم تميزوا بالاعتدال وبقوا ضمن الإطار العام للعقيدة التقليدية، وقد قالوا بأن يهوه عندما أنزل الشريعة على موسى قد أنزل معها شريعة شفوية تم تداولها عبر أجيال من الحكماء، وبواسطتها يمكن تفسير وتكميل الشريعة المكتوبة بما يتلاءم والظروف المستجدة. وفي المقابل فقد رفضت الطائفة الصدوقية هذه الأفكار، وأصرت على عدم وجود شريعة غير مكتوبة، وأدانت كل التفسيرات المرنة والعصرية الناجمة عن إعمال المنطق الفريسي في النصوص المقدسة، وقد وقفت الطبقات الشعبية إلى جانب الفريسيين، بينما وقفت الأرستقراطية والكهنوت إلى جانب الصدوقيين والحكام، وتحول التوتر إلى تمرد فإلى حرب أهلية غلب عليها الطابع الطبقي، ولم تنته إلا بوفاة أليكسندر ينايوس عام 76ق.م. وصعود زوجته سالومي على العرش.
حكمت سالومي تسع سنوات (76-67ق.م)، وتقربت من الفريسيين فأوكلت إليهم مراكز حساسة في الدولة، فكانت سنوات حكمها عهد استقرار ومصالحة بين شرائع المجتمع المتناقضة، وبعد وفاتها تنازع ابناها أرسطو بولس الثاني وهيركانوس الثاني على السلطة. في ذلك الوقت كان القائد الروماني بومبي قد صفى المملكة السلوقية، ودخل دمشق عام 65ق.م. فقصده الأخوان المتنازعان وكل منهما يسعى إلى تثبيته حاكما إقليميا على اليهودية وممتلكاتها، ولكن وزير هيركانوس المدعو أنتيبار، وهو آدومي، قصد دمشق واتفق مع القائد الروماني على فتح أبواب أورشليم أمام الرومان، مقابل الاعتراف بسلطة سيده هيركانوس على أورشليم، وكان، عندما وصل الرومان، أن أنصار أرسطو بولس تحصنوا في المدينة ورفضوا فتح الأبواب، فحاصرهم الرومان ثلاثة أشهر ثم فتحوا المدينة عام 63ق.م. وعلى الأثر ثبت بومبي هيركانوس في منصبه، ولكن لا كملك بل ككاهن أعلى يتمتع بصلاحيات الحكم والإدارة على مقاطعة اليهودية، التي تم تجريدها من كل المناطق التي كسبها المكابيون، وإعادتها مرة ثانية مجرد مقاطعة صغيرة من مقاطعات فلسلطين، وبذلك انتهت أول وآخر دولة مستقلة لليهود دامت قرابة ثمانين سنة فقط، وذلك من عام 142 إلى عام 63ق.م. (2) مقاطعة اليهودية في العصر الروماني
خلال العشرين سنة الأولى من العصر الروماني في سورية، لم يحصل تغير يذكر على النظام الإداري الذي وضعه بومبي؛ لأن روما كانت تشهد في ذلك الوقت أحداثا جساما قادت إلى نهاية الجمهورية وصعود القيصرية، بعد صراع على السلطة بين بومبي ويوليوس قيصر انتهى بانتصار قيصر الذي أنهى الجمهورية عام 48ق.م. وقد قام الوزير الداهية أنتيبار الآدومي خلال هذه الفترة بسلسلة من التحركات الدبلوماسية، قادت أخيرا إلى اعتراف قيصر بهيركانوس الثاني وتثبيته في منصبه. بعد بضع سنوات قامت مجموعة يهودية أصولية باغتيال الوزير أنتيبار فأعطي المنصب إلى ابنه هيرود.
Halaman tidak diketahui