أيها السادة
منذ أيام ألقيت محاضرة في نادي القلم العراقي عن المذاهب الأدبية في مصر، ارتجلتها ارتجالا؛ لأن الوقت لم يتسع لتدوينها، وأنا كما تعلمون مشغول، وكان في النية أيضا أن أرتجل هذه المحاضرة، وقد عرف ذلك صديقي صاحب جريدة البلاد فأرسل أحد زملائه لتلخيصها، ولكني رأيت بعد عصر اليوم أن الموضوع الذي أتكلم فيه موضوع دقيق، وأن من الواجب أن أدون محاضرتي وأن أقف عند الذي دونت، حتى لا توجد فرصة للتفسير والتأويل.
وأسارع أيها السادة فأنص على أن محاضرتي لا صلة لها بالمعاني السياسية، فليس في بغداد مصري يحق له أن يتكلم في السياسية غير سعادة الأستاذ عبد الرحمن بك عزام وزير مصر المفوض في العراق، وإنما أتكلم باسم الأدباء المصريين كلام الزميل الصادق الذي لا يعرف غير الحق.
وبعد هذا التحفظ أقول: إن صلات مصر بالأمم العربية ترجع في حقيقتها إلى عنصرين: عنصر السياسة وعنصر الأخوة.
والسياسة لها وجهان: الوجه الدولي والوجه الأدبي، وأعترف صراحة بأن الوجه الدولي من السياسة لا يربط مصر بالأمم العربية، فمصر لا تملك من الوجهة الدولية أن تجهز الجيوش لمناصرة الأمم العربية، وهي كذلك لا تنتظر هذه المعونة من الأمم العربية، وكلكم يذكر أن البوارج الإنجليزية احتلت الجمارك مرة في عهد وزارة المغفور له سعد زغلول، ومع ذلك لم يقل أحد في مصر إن الأمم العربية كان عليها أن تقف في صف مصر بما عندها من جيوش البر والبحر والهواء، فذلك أيها السادة أمل نرجو أن يحققه المستقبل، أما الآن فنحن وأنتم نعرف ما يحيط بنا من المعضلات، ونرجو أن ينصرنا الله على الأعداء.
أما الوجه الأدبي من السياسة فمصر تعرفه حق العرفان، وهل يصح في ذهن أحد أننا في مصر ننظر إلى المفوضية العراقية أو الوكالة العربية كما ننظر مثلا إلى السفارة البريطانية أو السفارة الإيطالية؟ هيهات، إن هذا كلام لا يقوله إلا حاقد أو جهول.
اسألوا سفيركم في مصر يحدثكم عما يلقاه من كرم المصريين، واسألوا سفير الحجاز والأفغان وإيران يحدثوكم أنهم يعيشون في مصر عيش السعداء؛ لأنهم بين إخوان يعرفون واجبات الإخاء ويفهمون قيمة العواطف العربية والإسلامية.
بل اسألوا أبناءكم الذين يتعلمون في مصر، اسألوهم يحدثوكم أن الأساتذة في الجامعة المصرية والأزهر ودار العلوم يشددون عليهم في الامتحان ليثقوا بأنهم يصلحون لخدمة بلادهم في قوة وأمانة؛ بل اسألوا كل من يتصل بمصر في سبيل المنافع الاقتصادية من أهل سورية ولبنان وفلسطين وحلب واليمن والحجاز وتونس وطرابلس والجزائر ومراكش وجاوة والهند، اسألوا كل إنسان يتكلم اللغة العربية من الوافدين على مصر: كيف حاله في مصر؟ وإني لواثق بأن المنصفين منهم سيجيبونكم بأن مصر هي البلد الوحيد الذي يعرف قيمة الأخوة العربية والإسلامية.
أيها السادة
إن مصر هي أعظم موئل للعروبة، ومن واجب العربي الصادق أن يدعو الله لسلامة تلك البلاد من كل عادية حتى تظل ينبوعا تتفجر منه المعارف العربية.
Halaman tidak diketahui