ولم يسلم من هذه الرقابة غير كتابين: الأول: «عيون الأخبار»، وقد دافعت عنه بنفسي يوم كنت موظفا بدار الكتب المصرية سنة 1925، وأقنعت المرحوم الدكتور أبو هيف بإبقاء الكتاب على أصله، رعاية لوصية المؤلف رحمه الله. والثاني: كتاب «الأغاني»، وقد اشترط السيد راتب أن لا يحذف منه شيء، وكان قدم لوزارة المعارف مبلغا من المال تستعين به على إحياء ذلك الكتاب.
أيها السادة
كان النقد الأدبي قبل الحرب يحاكم الكتاب والشعراء إلى المعروف من أساليب القدماء، ولكن الحياة الأدبية مع ذلك لم تخل من وثبات فكرية بفضل النور الذي بثته الجامعة المصرية ، فلما جاءت الحرب غلا الورق غلاء شديدا، وتخاذلت الصحف والمجلات، وضاقت الميادين أمام الناقدين وخلا الجو للمرحوم المنفلوطي فكان وحده المؤلف وكان وحده المنقود.
وفي أعقاب الحرب ظهر كتاب اسمه «الديوان» وهو أشبه بمجلة دورية يحررها الأستاذ عباس العقاد والأستاذ إبراهيم المازني، وكان الغرض منه هدم الأسماء التي سيطرت على الحياة الأدبية، ولا سيما شوقي والمنفلوطي، وبجانب ذلك نشطت مجلة أسبوعية اسمها عكاظ كان من همها أن تدحر هذين الكاتبين، واستطاع هذا العراك أن يشغل الناس من جديد بالحياة الأدبية.
ثم كانت الثورة المصرية التي خلقت مئات من الكتاب والخطباء.
ثم كان الجدل السياسي بين عدلي يكن وسعد زغلول، وهذا الجدل هو وحده صاحب الفضل على الأدب في الديار المصرية.
وبيان ذلك أن عدلي يكن وأصحابه كانوا يفهمون جيدا أن سعد زغلول يستأثر بالجماهير، فانشأوا جريدة السياسية وزودوها بالدراسات الأدبية لتستطيع الوصول إلى جماهير القراء، وقد صح ما توقعوه فأصبح لجريدتهم قراء، ثم رأى الوفد المصري أن يفل الأدب بالأدب، فأمد جريدة البلاغ بطائفة من حملة الأقلام.
وكذلك أصبح من التقاليد أن يكون في كل جريدة يومية صفحة أدبية.
ولكي تعرفوا كيف كان يسيطر الأدب في ذلك العهد أروي لكم القصة الآتية: «كان شوقي رحمه الله ينشر قصائده في جريدة الأهرام، ورأت جريدة السياسة أن تنفرد بنشر تلك القصائد، ولكن ماذا تصنع؟ أعلنت أنها تدفع خمسين دينارا للجمعية الخيرية الإسلامية في كل مرة تنشر فيها قصيدة من قصائد شوقي. وبذلك غنمت القراء الذين كانوا ينتظرون شوقي على صفحات الأهرام».
أيها السادة
Halaman tidak diketahui