فجرح هنا لوقا في صميم شرفه التجاري والأدبي، فصعد الدم إلى رأسه وأجاب: لقد قدمت لحضرتك الشهادات الكافية، وفي جملتها شهادة رئيس ديني كبير.
فقهقه حينئذ كلدن بصوت عال وقال: شهادات؟! هل تريد أن أجعل أحد خدامي يجلب مثل هذه الشهادات بعشرة ريالات فقط؟ ثم التفت إلى إميليا وقال: ما قولك مسز؟ هل تقبل منه هذه الشهادات؟
فلم تجاوب إميليا؛ لأنها كانت غير قادرة على الكلام، أما لوقا فعدل حينئذ عن مطلبه، فقال بشيء من عزة النفس: عفوا يا سر، أنا سألت حضرتك سؤالا فإذا قبلتموه شكرتكم، وإذا رفضتموه عدت من حيث أتيت مسرورا بأني تشرفت بمعرفتكم.
فحينئذ دبت الحماسة في صدر إميليا؛ لأنها شعرت بأن الخصم لا تزال له قوته التي سحقتها في ما مضى، فعزمت على سحق هذه القوة للانتقام منها، فجمعت قواها كلها وقالت: إن طلب المستر كلدن حق؛ إذ بلغته أعمالك في صيدا.
فقال لوقا في نفسه: الآن علمت سر المسألة، فإن أعدائي ومزاحمي سعوا بي لدى هؤلاء الكرام؛ ولذلك أساؤوا استقبالي. ثم أجاب مبغوتا ومظهرا الدهشة: عفوا يا سيدتي الكريمة، أية أعمال تعنين؟ إن جميع أهل صيدا يشهدون لي بحسن السيرة والسريرة والشرف، وإذا تفضلت وأطلعت خادمك الأمين على الأقوال التي بلغتكم من حسادي وأعدائي، فإنني أنقضها كلها قولا قولا.
فأجاب المستر كلدن حينئذ بحدة: أنا لا أحب كثرة الكلام يا مستر لوقا، فإذا شئت أن تكون وكيلا لأشغالنا فجئنا بشهادة شرف واستقامة من الخواجه متى حاروم في صيدا.
فلو أن الصاعقة وقعت تحت قدمي لوقا لما أثرت فيه تأثير هذا الكلام، فنهض بحدة وصاح: لا تصدق يا سيدي، لا تصدق كل ما سمعته، فإن هذا الرجل جاهل سيئ التدبير فخرب نفسه و...
فهنا لم تعد إميليا تستطيع السكوت، فقطعت كلامه وصاحت بحدة رغما عنها : لا تهن الناس يا خواجه، بل أجب. أتأتي بالشهادة المطلوبة أم لا؟
فقال لوقا في نفسه حينئذ: إنني إذا ذكرت لهم أن متى حاروم موجود الآن في الأرز بحالة الجنون والهول، وقد كاد يفتك بي فتلك أقبح شهادة، فإنهم يسألونه ويعلمون منه ما يريدون علمه، فأجاب: إن متى حاروم يا سيدتي لم يوقف له على أثر منذ عشر سنوات.
فقالت إميليا والدموع ملء عينيها: ومنزله؟ فقال: قد بيع. قالت: وأهله؟ قال: كان له زوجة فتوفيت، وابنة طائشة فرت وتركته.
Halaman tidak diketahui