وهذا ما كان يطير صوابها، إلا أنها كانت تؤمل أن أباها يقدر أن يعيش براحة وحده في منزله، فخاب أملها من سوء الحظ ونكد الطالع؛ لأن أصحاب الديون - بتحريض لوقا - استولوا على المنزل وباعوه وطردوا الرجل منه.
وكان قصد لوقا من ذلك محو كل أثر لهذه العائلة وأثرها القديم؛ لأنها تذكره بحالته القديمة، ومنذ هذا الحين لم تعد الفتاة تسمع شيئا عن أبيها، فكيف تستطيع الآن أن ترى وجه ذلك الرجل الذي كان سببا في كل هذه الفظائع والمصائب؟!
ولكن ما أتت إميليا على آخر الكلام حتى علت في الأرز جلبة شديدة، وكثر الصياح والصراخ، فخرج المستر كلدن من خيمته ليعلم السبب، فلقي سكرتيره المستر كرنيجي داخلا فسأله: ما الخبر؟ فأجابه: قوم يتخاصمون ويتضاربون.
الفصل الرابع عشر
مجنون ليلى وملك رأس القضيب
اجتماع جنونهما على واحد
وكان لتلك الجلبة والصياح سبب في غاية الأهمية، وإليك بيانه:
كان الخواجه لوقا طمعون المذكور آنفا تاجرا صغيرا في صيدا يرتزق من معاملة كبار التجار، ولكن لم تمض عليه عدة سنوات حتى انتقل إلى بيروت؛ لأن صيدا ساقية لا تحمل سفينة كبيرة، فوسع أشغاله في بيروت ما شاء التوسيع، ولكن دولاب حظه كان واقفا في تجارته مع ذكائه ومهارته، ولولا اعتماده على أهل له في بيروت لما قامت له قائمة ولا قدر على أن يعمل شيئا، فلما سمع بمجيء المستر كلدن الغني الأميركي المشهور الذي يملك الملايين، وعزمه على إقامة وكيل له في الشرق للاعتماد عليه في تجارته الأميركية صادرا وواردا، علم أنه إذا نال هذه الوكالة كانت له غنيمة عظيمة، فلم يدخر وسعا في ذلك، ولا ترك واسطة إلا استعملها، ولكن لما قدم كلدن إلى بيروت لم يستطع لوقا مقابلته؛ لأن لادي كلدن أبت استقبال أحد في بيروت كما تقدم، وسافرت منها في الحال، فعلم الخواجه لوقا أن صاحبه مسافر إلى الحدث، فركب مركبة من بيروت قاصدا البترون، ومنها امتطى فرسا إلى الحدث، فلما وصل إليها قيل له إن الأميركي سافر إلى الأرز فتبعه على الأثر.
وكان الخواجه لوقا كهلا في نحو الأربعين من العمر، وهو بدن ذو جسم قوي ولسان طلق، وكان جريئا مع الضعفاء، ولكنه ضعيف مع الأقوياء، شأن أهل السياسة والدهاء، إلا أنه مع ضعفه مع الأقوياء كان قادرا على مقابلة رجل كالمستر كلدن واستمالته وإرضائه.
وكان وصوله إلى الأرز قبل بزوغ الشمس، وكان كليم وسليم وأمين جالسين عندئذ على أكمة صغيرة مشرفة على الطريق خارج الأرز.
Halaman tidak diketahui