19

Satu Daripada Kita

واحد منا

Genre-genre

في يوم الأحد الذي تلا عيد الميلاد، كان كلود وإرنست يتمشيان على ضفاف نهير لافلي كريك. مشيا إلى نهاية أرض الغابة التي كانت تتبع السيد ويلر وعادا. بدا الوقت وكأنه عصر يوم خريف؛ إذ كان الجو دافئا جدا لدرجة أنهما تركا معطفيهما على أحد الأغصان الكبيرة لشجرة دردار ملتوية بجوار سياج المراعي. بدت الحقول وقمم الأشجار العارية وكأنها تسبح في الضوء. كانت لا تزال بعض الأوراق الذابلة معلقة في الأشجار الكثيفة على طول النهير. في المرعى العلوي الذي يقع على مسافة تزيد على ميل من المنزل، وجد الفتيان كرمة ثمارها ذات مذاق حلو ولاذع، تلتف حول شجرة قرانيا صغيرة وتغطيها بالتوت القرمزي. كان الأمر أشبه بإيجاد شجرة عيد ميلاد تنبت على نحو طبيعي خارج المنزل. كانا يتحدثان عن بعض الكتب التي أحضرها كلود إلى المنزل، وعن مقرر التاريخ الذي يدرسه. لم يستطع كلود أن يخبر إرنست عن المحاضرات بالقدر الذي أراده، وشعر أن الجزء الأكبر من الخطأ في هذا الشأن يقع على عاتق إرنست؛ إذ لم يكن ذا عقلية واسعة الخيال. وعندما وصلا إلى الكرمة التي ثمارها ذات مذاق حلو ولاذع في الوقت نفسه، نسيا مناقشتهما واندفعا إلى الضفة كي يتأملا العناقيد الحمراء المتدلية من شجرة الكرم ذات اللون الرمادي وأوراقها الذهبية الذابلة التي لا تحتاج إلى أكثر من لمسة كي تسقط على الأرض. كانت تختفي الكرمة والشجرة الصغيرة التي تظللها في شق واد؛ ومن ثم نجتا من الرياح العاتية ومن أعين التلاميذ الذين كانوا يأخذون طريقا مختصرا إلى المنزل عبر المراعي في بعض الأحيان. وعند جذورها، كان النهير يتهادى ببطء وقد تحول ماؤه للون الأسود بين طبقتين متعرجتين من الجليد الذائب.

لما غادرا المكان وصعدا مرة أخرى وأصبحا على الأرض المستوية، شعر كلود مرة أخرى بضرورة أن يخرج إرنست من مزاجه المعتدل والعقلاني. «ما الذي ستفعله بعد ذلك يا إرنست؟ هل ستبقى مزارعا طوال حياتك؟» «هذا طبيعي. لو كنت قد تعلمت مهنة أخرى لسبقت إليها منذ زمن. ما الذي جعلك تسأل عن ذلك؟» «أوه، لا أعلم! أعتقد أن المرء يجب أن يفكر في المستقبل أحيانا. وأنت عملي للغاية.» «أتتحدث عن المستقبل؟» وأغلق إرنست إحدى عينيه وابتسم. «هذه كلمة كبيرة. بعدما أمتلك مكانا خاصا بي وأبدأ بداية جديدة، سأعود إلى دياري كي أرى أهلي يوما ما. ربما سأتزوج فتاة جميلة وأعود بها إلى هنا.» «هل هذا كل شيء؟» «هذا كاف، إذا تم ذلك على خير، أليس كذلك؟» «ربما. قد يختلف الأمر بالنسبة إلي. لا أظن أنني يمكن أن أستقر يوما على أي شيء. ألا تشعر على هذا النحو أنه لا يوجد الكثير فيها؟» «في ماذا؟» «في الحياة بوجه عام، التي تجري على النحو الذي نعيشه. ما الذي نخرج به منها؟ لأضرب لك مثلا بهذا اليوم؛ إنك تستيقظ في الصباح سعيدا لأنك على قيد الحياة، إنه يوم مناسب للقيام بأي شيء وأنت متأكد من أن شيئا سيحدث. وسواء كان اليوم يوم عمل أو إجازة، فالأمر سيان في النهاية. تخلد إلى النوم في الليل، ولم يحدث أي شيء.» «ولكن ما الذي تنتظره؟ ما الذي يمكن أن يحدث لك إلا ما يدور في عقلك؟ إذا انتهيت من عملي، وفي العصر ذهبت كي أزور أصدقائي كما هو الآن، فهذا كاف بالنسبة إلي.» «حقا؟ ما دمنا نعيش الحياة مرة واحدة، فيبدو أنه من المفترض أن يكون هناك شيء ... حسنا، شيء رائع في الحياة، أحيانا.»

أصبح إرنست متجاوبا معه الآن. اقترب من كلود أكثر وهما يتمشيان، ونظر إليه من طرف عينيه باهتمام. وقال: «أنتم، الأمريكيين، دائما ما تبحثون عن شيء خارج أنفسكم كي يمنحكم السعادة، ولكن لا سبيل إلى ذلك. في البلدان القديمة حيث لا يمكن أن يحدث لنا الكثير، نحن نعلم ذلك ... ونتعلم كيف نخرج بأقصى استفادة من الأشياء البسيطة.» «لا بد أن الشهداء عثروا على شيء خارج أنفسهم. وإلا لكان بإمكانهم الاكتفاء بالأشياء البسيطة.» «عجبا، يمكنني القول إنهم هم الأشخاص الذين لا يمتلكون شيئا إلا فكرتهم! من السخف أن يعدم المرء حرقا من أجل فكرة. أعتقد أحيانا أن الشهداء كان لديهم أيضا قدر كبير من الغرور ليساعدهم في المضي قدما في طريقهم.»

اعتقد كلود أنه لم يسبق أن رأى إرنست مملا هكذا. نظر بعينين نصف مغمضتين في شيء براق عبر الحقول، وقال بنبرة حادة: «إرنست، الحقيقة هي أنك تعتقد أن الإنسان ينبغي أن يرضى عن سكنه وملبسه وإجازات الأحد، أليس كذلك؟»

ارتسمت على وجه إرنست ضحكة حزينة. «فكرتي عن الحياة لا تهم كثيرا؛ الأشياء لا تتغير. أعتقد أنه لن ينزل شيء من السماء ويعلو بإنسان إليها.»

تمتم كلود بشيء لنفسه ولوى ذقنه من فوق ياقته وكأن في فمه لجاما.

غابت الشمس، ولما رأت السيدة ويلر الفتيين من نافذة المطبخ، بدوا وكأنهما يمشيان بجانب حريق كبير في أحد المروج. ابتسمت لما رأت خيالهما يتحرك بطول قمة التل تحت السماء الذهبية؛ حتى من تلك المسافة بدا أحدهما متكيفا جدا والآخر متمردا جدا. كانا يتجادلان على الأرجح، وعلى الأرجح أخذ كلود الجانب الخطأ.

9

بعد الإجازة، عاد كلود مرة أخرى إلى القراءة في مكتبة الجامعة. لقد كان يجلس على طاولة بجوار الكوة الموجودة في الجدار التي توجد فيها الكتب الخاصة بالرسم والنحت. كانت طالبات الفنون الجميلة - إذ كان كل طلاب هذا القسم من الفتيات - يقرأن ويهمسن بعضهن مع بعض في هذا المكان، وكان هو يستمتع بصحبتهن من دون أن يكون عليه التحدث إليهن. كانت هؤلاء الفتيات يتمتعن بالحيوية واللطف؛ وغالبا ما كن يطلبن منه أن يرفع لهن الكتب والمجلدات الثقيلة من الرفوف، ويبادلنه التحية بمرح عندما يقابلنه في الشارع أو في الحرم الجامعي، وكن يتحدثن معه بالأسلوب الودي المعتاد بين الأولاد والفتيات في مؤسسة تعليمية مشتركة. واحدة من هؤلاء الفتيات، وهي الآنسة بيتشي ميلمور، كانت مختلفة عن الأخريات؛ كانت مختلفة عن أي فتاة أخرى عرفها كلود من قبل. كانت من جورجيا، وكانت تقضي الشتاء مع عمتها القاطنة في شارع بي.

على الرغم من أن الآنسة ميلمور كانت قصيرة وبدينة، فإنها كانت تمشي بخطوات رشيقة، وكانت تتمتع بأدب وتحفظ أكثر من الفتيات الغربيات. كان شعرها أصفر ومجعدا؛ الخصلات القصيرة القريبة من أذنيها كانت بلون الفرخ الصغير. كانت عيناها الزرقاوان البراقتان جاحظتين قليلا، وخداها متوردين بشدة. بدا أن خديها كانا ينبضان بالحيوية لدرجة تدفع المرء إلى الرغبة في لمسهما؛ كي يرى هل هما ساخنان أم لا. كان يطلق عليها أبناء إرليش وأصدقاؤهم اسم «خوخة جورجيا». كانت الفتاة تعد غاية في الجمال، وقد لفتت أنظار فتيان الجامعة عندما أتت إلى المدينة للمرة الأولى. ولكن منذ ذلك الحين، قلت شعبيتها بعض الشيء.

Halaman tidak diketahui