Wahat Cumr
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Genre-genre
ونسيم الصبح يعانقه يأس قتال،
وسحابة نور تحتضن من المرض عضال،
وجفوني أزعجها الصبح وخالطها .. أوهام محال!
ما لي؟ بائع أوهام؟ دنياي ظلام وظلال!
كانت الأبيات تتدافع إلى ذهني في عجلة، ولم أتريث كي أضبط نسجها، ولكنني ألقيت بها كأنما ألقي بنفثات غاضبة بلا سبب أو معنى، وتساءلت في نفسي إن كان يأسي من الشعر هو السبب، أو يقيني أن أحلام الشعر مقضي عليها بالانقشاع والزوال، ألم يكن وردزورث يدري أن هناك من هم «أشعر» منه حين قرر أن يكون شاعرا؟ ألم يفت ذلك في عضده؟ وعندما وصلت إلى المنزل كانت أضواء الصبح تغمر الطريق، فتسللت إلى غرفتي ونمت.
كانت الأسرة قد رحلت إلى رشيد، وكنت أستطيع أن أقضي ما أريد من وقت في عزف العود دون اعتراض، وفي عصر اليوم التالي حدث شيء ساعدني على نسيان اهتمامي بالشعر ؛ إذ زارتنا إحدى نساء رشيد ممن نطلق عليهم «ألاضيش» الأسرة (والألدوش تعريب التركية يولداش، أي الرفيق في الطريق؛ ومن ثم فهي تعني الزميل والصاحب)، ولما كنت وحدي فقد قصت علي قصة عودتها إلى زوجها بعد «غضبها» منه ولجوئها إلينا في رشيد بعض الوقت، وكانت القصة الرسمية «المعلنة» في الأسرة هي خلافهما حول كعك العيد. أما القصة الحقيقية فهي أن زوجها كان يكبرها بأعوام كثيرة، وكان قد تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى وبعد أن كبر أولاده منها، ويبدو أنه قد اكتسب في تلك السن المتقدمة لونا من الشذوذ يدفع به دفعا إلى الصغار، وإن لم يكونوا صغارا بالمعنى المفهوم، فبعضهم قد بلغ الحلم وبعضهم قد تخطى سن الرشد، وقد اختلفت معه عدة مرات بسبب هذا الشذوذ، ولكنه كان يعد ويتعهد، ثم ينكث، وكثيرا ما بكى بين أيديها تائبا، وكثيرا ما كان يقول لها إن الله يقبل التوبة من عباده، ويقول لها إن الله يقول في شأن أمثاله:
فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما . ثم انتهت إلى أن قالت إنها ترجوني أن أحادثه وأنذره بأنه لو عاد هذه المرة فلن تعود هي إليه!
كان الموقف مألوفا. وكنت أسمع عن أمثال هؤلاء، وأراهم، وكان صديقي أحمد قادوم يقص علي طرفا من قصصهم، ولكنني كنت دائما بمنأى عنهم، أي إنني كنت أحس أنهم ينتمون إلى عالم آخر لن يكتب لي أن أشهده عن كثب ولكن السيدة كانت تطلب مني التدخل هذه المرة! وبعد لحظات من التردد اتفقنا على انتظار عودته؛ إذ كان قد أتى معها وخرج في بعض شأنه، ومفاتحته في الموضوع . وفعلا، عاد ورأى في وجهي بعض التغير والتجهم، فأدرك أنها اشتكته، وانخرط في بكاء مرير!
وبعد العتاب والتصافي دعاني إلى أن «أراقب» بنفسي توبته، وألا أبخل عليهم بالزيارة؛ فهم يسكنون في حي «بين السرايات» المتاخم للجامعة، وأضاف في رقة: «أنا عجوز .. ولا أفعل ذلك عامدا .. والله سبحانه يقول:
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما .. صدق الله العظيم». وكانت كلماته تنضح بروح الصدق، وتنم عن ندم عميق، ودفعني حب الاستطلاع إلى معرفة المزيد فزرت الأسرة، وتكررت زياراتي حتى اطمأن قلبي. ولكن شهر أكتوبر أتى بما لم أكن أتوقع.
Halaman tidak diketahui