137

Wahat Cumr

واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول

Genre-genre

وأبدت المرأتان حزنهما لرحيلي، ولكنهما أظهرتا قدرا لا بأس به من التعاطف، وساعدتني روزانا في حزم حقائبي (وكنت اشتريت حقيبة أخرى بجنيهين ونصف) بل حملت الحقيبة الثقيلة بنفسها، وطلبت لي سيارة أجرة بالتليفون! وفي أقل من ساعة كنت في مقري الجديد على مشارف وسط لندن!

الفصل الثاني

الشتاء الأول

1

كان بيت الطلاب الجديد ما يزال في مرحلة الإعداد، وكانت جميع ملامح الفندق القديم ظاهرة فيه، ولم يكن قد تغير فيه سوى تحويل قاعة الضيوف أو قاعة الاستقبال بالدور الأرضي إلى مكان يشبه المكتبة العامة، به مناضد مصفوفة وكراسي خشبية غير وثيرة، وإلى جواره غرفة خاصة للتليفزيون يجتمع فيها الطلاب في المساء لسماع نشرة الأخبار أو مشاهدة حلقة بوليسية، وكان به مطعم في الدور تحت الأرضي يقدم وجبات زهيدة السعر لتكون في متناول أيدي الدارسين، وكان هؤلاء خليطا عجيبا من الأجناس المتنافرة إلى جانب الإنجليز المغتربين عن أهلهم للدراسة في لندن، فكان فيه العرب وأبناء أفريقيا وآسيا وأمريكا، بل وأستراليا ونيوزيلاندا! وما إن حططت الرحال حتى تعرفت على زميلي الذي يشاركني الغرفة، وهو هندي تقدم به العمر، وكان يحاول جاهدا أن يحصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، ولن أنسى صباح أول ليلة أقضيها في ذلك المكان؛ إذ عندما فتحت عيني وجدته في وضع مقلوب، قدماه في الهواء ورأسه على الأرض، وفي الغرفة رائحة بخور خفيفة، عبيرها غير نفاذ، وضوء الصباح يتسلل برفق من خلف الستائر التي تحجب شباكا كبيرا واجهته شرقية.

كان الصمت يلف المكان، فمكثت في الفراش أرقب القدمين المعلقتين في الهواء عدة لحظات وأنا حائر في تفسير ما يفعل «فيكرام»

Vikram ، حتى انتهى من تلك الرياضة الصباحية، وقد اكتشفت فيما بعد أنها نوع من اليوجا، ثم جلس أمام صورة للزعيم الروحي بوذا في استغراق شديد، ورائحة البخور تزداد قوة، ولا أدري كم مر من الوقت عليه وهو في تلك الحال، وأنا أخشى أن أنهض حتى لا أتسبب في تعكير صفو تأملاته، وبعد برهة قام فأزال الصورة وأطفأ البخور وفتح الشباك وقال لي: صباح الخير!

كانت اللهجة الهندية التي يتحدث بها اللغة الإنجليزية طريفة، ولم نلبث أن تناوبنا استخدام الحمام، ثم انطلق كل منا إلى كليته. وعرفت من مناقشاتي فيما بعد معه أنه يؤمن بتناسخ الأرواح أو

transmigration of souls

أي بأن لكل مولود روحا تأتي من أحد الراحلين، وأذكر أنني عندما سألته كيف يفسر الزيادة في عدد الأرواح بزيادة عدد سكان الأرض أجاب بأن الأرواح تأتي ممن تركوا الأرض على مر الأزمان، وعندما اعترضت قائلا إن ذلك لا يعدو أن يكون من باب الظن، قال: «بل هو اليقين.» وانطلق يعرض النظرية التي درج على الإيمان بها دون مناقشة، ثم سألني فجأة: «ألا تشعر أحيانا أن بداخلك إنسانا لا تعرفه؟» ولم ينتظر مني الإجابة، بل أردف يقول واثقا: «لقد قرأت شعر الشاعر وردزورث، ولعلك تذكر ما يقوله في قصيدة «مشاعر الخلود المستوحاة من ذكريات الطفولة الأولى» - ولعلك قبلت ما فيها على أنه رؤية شاعر لرحلة الروح من عالم سابق على الوجود المادي إلى عالم لاحق على هذا الوجود! والشاعر كما تعرف ينكر تأثره بأفلاطون مؤكدا أن ذلك الإحساس داهمه حتى قبل أن يقرأ ذلك الفيلسوف اليوناني، وأنه كان يشعر بغربة روحة عن عالم الأرض، وضيقها بسجن الجسد، ونزوعها للتحرر منه آخر الأمر! إنه يؤكد أن الروح التي تولد معنا مثل الشمس التي تشرق في عالم جديد في اللحظة التي تغرب فيها عن عالم آخر - وهذا هو معنى التناسخ!»

Halaman tidak diketahui