Wahat Cumr
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Genre-genre
وقد استفدنا أنا وسمير سرحان من هذه التجربة، التي أثبتت لنا أن الأسلوب المميز لكتاب «مسرح العبث» (أو اللامعقول) يتسم بالتجريد أساسا؛ ولذلك تسهل ترجمته إلى الفصحى، وتصعب ترجمته إلى العامية! هل معنى ذلك أن الفصحى أقدر على نقل المجردات من العامية؟ لا أملك من الأدلة العلمية الثابتة ما يؤكد صدق دعواي ، ولكن ذلك ثمرة خبرتي العملية. فقد اغتنت الفصحى على مدار القرنين العشرين من الترجمات التي قدمها جيل الآباء عن اللغات الأوربية التي اكتسبت ثروة كبرى من العلوم الطبيعية وأصبحت تزخر بالمجردات، كما أحيا المترجمون مصطلحات علماء المسلمين الأوائل وفلاسفتهم، فأحيوا بذلك تراثا هائلا من المجردات، ظل مقتصرا على الفصحى دون أن يتسرب إلى العامية التي تكاد أن تقتصر على لغة الحياة اليومية، وحاجات الناس المباشرة، وعندما يريد المتحدث بالعامية التعبير عن فكرة مجردة فسرعان ما يجد أنه قد لجأ إلى الفصحى في ثنايا العامية! والتداخل بين هذه المستويات جميعا أمر واقع، وهذا هو ما فعلناه أنا وسمير آنذاك، وما تكررت تجربته عند تقديم شيكسبير بالعامية بعد ذلك بعشرين عاما!
ولا بد لي أن أشير فيما يشبه الحاشية إلى «الموضة» التي انتشرت آنذاك من باب مسايرة الدعوة إلى الاشتراكية، وهي كتابة الأغاني بعامية «محضة»؛ أي بعامية من المستوى الأدنى الذي حدده الدكتور السعيد بدوي، مثل الأغنية التالية:
بتسأل ليه عليه
وتقول وحشاك عنيه
من إمتى إنت حبيبي
وداري باللي بيه
ياللي بتسأل عليه
مالكش دعوة بيه
وقد اشتهرت الأغنية باسم «مالكش دعوه بي» وكنت أجدها مضحكة، وأجد أن التجربة في ذاتها فاشلة؛ إذ أثبتت أنه لا توجد «عامية محضة»، ولا أدل على ذلك من المقطع التالي في الأغنية نفسها:
سيبني لليالي
Halaman tidak diketahui