فضحك مصطفى باشا وقال: ولكن لم تكن الحرب بالشعر إلا عند العرب. ولا تنس أننا مودعو العرب بل الشرق كله. - لا أنسى ذلك. ولكن لا تنس أن ناظم المارسلياز أسس جمهورية فرنسا. فقد تأتي ساعة نحتاج فيها إلى قصيدة من نظم شاعر الطوراينة تثير الأناضول كله على الخلافة.
فقال مصطفى باشا: المهم الآن أن نعين ميعادا مناسبا لقذف هذه القنبلة الهائلة التي سترج العالم الإسلامي. - هذه موقوفة على الحوادث يا عزيزي مصطفى. إذا لم يكن من حادث يرج البناء ويزعزعه فلا تقدر أن تهدمه. علينا أن نصبر حتى يبدو لنا حادث من الخليفة أو من أسرته لكي يكون لنا سبب لخلعهم جميعا عن كراسيهم، وإلا فيخشى أن نهيج الرأي العام ضدنا.
فهز مصطفى كمال رأسه وقال متململا متبرما: لقد ورد علي اليوم تلغراف من الآستانة ربما كان فيه بارقة أمل. خذ اقرأ. فتناول عصمت الورقة وقرأ:
مولاي دولة الغازي
عثر اليوم مفتش التلغرافات على تلغراف للبرنس سناء الدين أفندي واشتبه به، وهذا نصه: «سمو البرنس سناء الدين، حاذر أن تزور الدوقة!» فأرسلت مندوبا من قبلي مع مفتش التلغراف إلى البرنس يسأله من أرسل إليه هذا التلغراف، عسى أن نعلم من هي هذه الدوقة؟ ولماذا يجب أن يحاذر منها؟ وأرسلنا إليه أصل التلغراف لكي يطلع عليه؛ لعله يعرف من خطه من هو مرسله؟ أما البرنس فلما اطلع على أصل التلغراف ورآه مشابها لخط بنته، هاجت عواطفه، وجعل يناجي روح بنته الغريقة ويقول: هذا خط بنتي! ولذلك لم نستفد منه شيئا البتة. وإنما اتفق أن كان عنده صديق له يدعى نامق بك، وكان قد استدعاه قبلا إليه لكي يساعده على تفسير هذا التلغراف، وبعد تحقيق مندوبي مع نامق بك فهم أنه يوجد في ستمبول الآن ممثلة تدعى مدموازال دلزل يتردد إليها الأمراء، ويقال: إن بعضهم اكتشف أنها دوقة روسية متنكرة، وهم يزورونها ويجتمعون بها. فماذا تأمرون بشأنها؟
عدنان حاكم الآستانة
فبعد أن اطلع عصمت على هذا التلغراف مرتين، نظر في مصطفى وقال: وماذا أجبت عليه؟ - وهل هناك جوابان؟ أمرت بالقبض على الدوقة وتفتيش منزلها.
فقال عصمت متبرما: لا أظن وراء هذا البرق سحابا. - يجب يا باشا أن نهتم بكل صغيرة وكبيرة. ما أدرانا أن يكون بين هذه الدوقة الصحيحة أو المزيفة وبين السجين رامي القنبلة علاقة. - ربما كان بينهما اتصال، ولكن القبض على المرأة لمجرد ورود لفظة دوقة في تلغراف لشخص آخر يعد تسرعا. كنت أفضل الاقتصار على مراقبة هذ الممثلة حتى تقوى الشبهة بأنها بؤرة مؤامرة. - إن تردد الأمراء عليها كاف للشبهة يا عصمت. ونخاف أن التأخر أو التأني يورث الندم. وأعتقد أن تهجم السجين الذي ألقى القنبلة التي لم تنفجر لهو نذير بوجود مؤامرة. ولا سيما لأن السجين مصر على التكتم. فقد بذلنا جهدا في أزمير وهنا أن نستقطر روح أسراره فلم نستطع. - أظن أن تفويض تحقيق أمره لشخص يماثله في المزاج والعقلية قد ينجح. - أجل. لقد أذكرني قولك هذا برجاء الدين الموظف في السفارة الروسية، لعله يستطيع كشف سره. فإذا اكتشفنا علاقة بين هذا العنيد والممثلة دلزل قبضنا على مفتاح المؤامرة.
عند ذلك جاء خادم بتلغراف، ودفعه إلى الغازي مصطفى كمال وقرأه على مسمع عصمت باشا:
سيدي صاحب الفخامة الغازي
Halaman tidak diketahui