فصاح به البرنس: أتمكر علي! أتنكر أنك كنت تعلم أن هذا الوغد هو الذي كتب ذلك الكتاب للبرنس عثمان، وهو الذي اصطنع تلك الصورة المهينة المشينة؟
فقال نامق بك مستعطفا: مولاي! تيقظ جيدا. لقد قلت لي: إن مفتعل تلك الصورة يدعى أمل الدين رغبت. ونحن الآن في قصر سعادة رجاء باشا راغب، جامع كلمة الأمراء. - ويحك! أما رأيت الصورة؟ أما تأملت ملامحها؟ ألا تراها في وجه هذا الوقح؟ أما رأيته أمس وقبل أمس؟ أو ما فهمت أن أمل ورجاء لفظان بمعنى واحد؟ فكيف تأتي بي إلى من تهجم على عرضي وحاول ثلم شرفي؟ هلم يا صاح، هلم. كفاني هوانا. كفاني تدنسا تحت سقف هذا الأفاك القبيح. إني أستغرب كيف جازت حيلته على الأمراء! أمس مكان يلتمس الرزق من فضلات موائدهم، والآن يخدعهم بوجاهة كاذبة ونبالة مزيفة. هلم يا نامق، هلم نخرج من هذا الماخور.
واتجه البرنس سناء الدين إلى الباب. وإنما رده في الحال أمران: الأول انتهار رجاء باشا له قائلا أن قف مكانك لتفوز بحياتك. والثاني صرخة أنثوية سمعها البرنس من خارج البهو ولم يعلم مصدرها ومعناها. فالتفت إلى رجاء باشا فإذا هو ينتضي مسدسا قد سدده إليه. فنظر فيه البرنس وهو يجالد ويكابر وقال: وقاتل أيضا؟
فأجاب رجاء: نعم، في استطاعتي أن أفعل كل شيء، أجل، كل شيء مما لا تتصوره. ولكن لا أفعل إلا إذا أحرجتني. فلا تحرجني. قبل أن تخرج من هنا أريد أن تفسر أقوالك الأخيرة. لقد فهمت أني وغد، وقح، قذر، نجس، دنس، دنيء، حقير، شرير ... إلخ؛ لأني في يوم من الأيام طلبت يد ابنتك، وأنت تحسب أن الأمراء من طينة غير طينة البشر، فلا يجوز أن تتزوج الأميرات بشرا. هذا قد فهمته سابقا، والآن فلا أستغربه. ولكن حكاية الصورة والخطاب لم أفهمها. فلا أدعك تخرج من هنا حيا إلا إذا فسرت لي حكاية الصورة.
فاعترض بينهما نامق بك وقال: حلمك يا سيدي الباشا. حلمك. إن سمو البرنس معذور. فقد ورد إلى خطيب بنته البرنس عثمان خطاب بإمضاء مجهول يخبره فيه أن البرنسس نميقة تحب كاتب سر أبيها السابق «أمل الدين أفندي رغبت»، وضمن هذا الخطاب صورة نميقة وأمل الدين أفندي معا. والحق يا سيدي الباشا أني لم أفطن إلى أن الصورة صورتك حقيقة، كأن الإنسان تتغير ملامحه متى ترقى من أفندي إلى باشا. فاعذر سمو البرنس واعذرني أنا أيضا، لأني ما كنت أتصور أن أكون سبب هذا الموقف الحرج الخطر يا سيدي. أما الآن فأود أن أصلح الأمر بينكما إن أمكن.
فصاح البرنس: نامق. نامق.
فقال رجاء باشا: أما أني أحببت الأميرة نميقة فلا أنكر. ولا أزال أحبها ولن أعدل عن حبها. وأما الصورة والرسالة اللتان تذكرانهما فلا علم لي بهما البتة. إني أحب الأميرة حبا جما وأنزه اسمها وسمعتها عن كل شين كهذا. إنما قد أفعل هذه الفعلة لو كنت أحتقر الأميرة. وأما وأني أحبها كالعبادة فيستحيل أن أحتقرها بمثل هذه الفعلة الشنعاء، صدقتما أو لم تصدقا لا يهمني. وإذا لم يشأ سمو البرنس أن يعلم أن في طينة البشر من النبل والشرف أكثر جدا مما في طينة الأمراء المتألهين فلسوف يعلم. إني أتجاوز عن كل بذاء صدر من البرنس تجاوز الكريم عن سفه اللئيم. إني أرد مسدسي إلى جنبي الآن إذ انتهى مطلبي. وأنتم حران أن تحسبا نفسيكما زائرين أو مرتدين من قارورة أوساخ.
أما نامق فأصبح في حالة من الارتباك لا يدري كيف يتصرف. وصار ينتظر قرار البرنس. أما البرنس فرام أن يتكلم ولكن خانه لسانه، بل عقدته كبرياؤه عن الكلام. فأشار إلى نامق أن اخرج. وخرج الاثنان غير مودعين. •••
أما رجاء فبقي يتمشى في البهو مضطربا هائجا كثور المصارعة الإسبانية. وما أن ضعف وقع الأقدام في درج المنزل حتى سمع شهيقا مزعجا. فأسرع إلى حيث ترك نميقة. فإذا هي مستلقية على المقعد والمدموازال راين تعالجها بالمنبهات. وقالت المدموازال راين همسا: يلوح لي يا سيدي الباشا أن الهانم اعتادت أن تصاب بنوبة عصبية. - أين كانت؟ - أظنها كانت في الحجرة الثانية التي بين هذه والبهو. - لا بأس. دعيها الآن. وأرجو أن لا تنسي أن ما حدث في هذا المنزل مهما كان يجب أن يبقى خبره دفينا فيه. - إني عالمة بهذا يا سيدي.
ثم خرجت المدموازال راين وأقفلت الباب وراءها، وبقي رجاء إلى جنب نميقة وهي مسترسلة في تأثرها بين شهيق وتنهد، فقال لها: هدئي روعك يا نميقة. هدئي روعك. لقد أنقذني وجودك هنا من جريمة.
Halaman tidak diketahui