فازدات الفتاة توردا وقالت: إن هذا الحديث قد انبت فيه يا سيدي نامق بك، وقد سلمت الأمر لوالدي لأنهما أعظم مني علما وحكمة وخبرة. وهما قد قررا قرارهما وانتهى الأمر.
وهنا شعر نامق بك كأن الحديث انتهى، ولكن ضميره غير مطمئن للنتيجة، فسكت هنيهة ثم قال: وهل كان من علاقة بينك وبين أمل الدين أفندي رغبت؟ - كان أمل الدين كاتبا عندنا وكان يقضي مهام أبي البرنس. ولم تكن بيني وبينه أية علاقة سوى هذه المعرفة البسيطة. - وما قولك بالرسالة والصورة؟
فامتقع لون الأميرة نميقة أي امتقاع، وكان من يراها في تلك اللحظة يظن أنها تشتعل تأثرا، فقالت:عفوا يا سيدي نامق بك، لا رأي لي في ذلك البتة. ولا أدري كيف يجوز أن أسأل هذا السؤال أو أن أكون مسئولة عن عمل أجهل مصدره وسببه ولا طوق لي بتلافيه. ألا توافقني يا سيدي على أن الناس أحرار في أعمالهم ساءت أم حسنت؟ - نعم. نعم. وإنما كل غرضي من هذا الحديث يا بنتي أن أعلم حقيقة ضميرك لكي أعلم كيف أباحث البرنس عثمان في المسألة، ليس فقط لإزالة أي عثرة أو عقبة بينكما بل للحرص على شرف الأسرة.
عند ذلك باغتهما دخول البرنسيس سنية هانم زوجة البرنس سناء الدين. وهي كالفرس الجموح التي ازدرت فارسها ولم تعد تطيق عنانها في يده.
دخلت وارتمت توا على المقعد واكمداد الغضب على وجهها كالدخان فوق الأتون المتقد. وما أن استوت على المقعد حتى قالت: عذرا يا سعادة نامق بك، إن الشخص الذي يجب أن أبرهن له شرفي وطهارتي ولا يسلم بهما إلا ببرهان، لا يستحق أن يكون زوج بنتي. أحمد الله أنه حتى الآن لم يكتب عقد الزواج. إن البرنس عثمان من أنبل نبلاء الأسرة العثمانية السليلة المجد، فهو حفيد سلطان، وكذلك زوجي ابن سلطان وأنا حفيدة سلطان أيضا وبنتى حفيدة سلطان. وإذا كان بيننا وبينه من تمايز فنحن المتمايزون. ولذلك أرجو منك يا حضرة الصديق المخلص ألا تكلف نفسك أي مشقة في مخاطبة البرنس عثمان. إذا كان سموه يريد بنتي فيجب أن يسعى كثيرا للحصول عليها بعد أن يبرهن كفاءته بكل وسيلة.
وكانت البرنسيس سنية هانم تزداد حدة جملة بعد جملة. فما أتت على الجملة الأخيرة حتى كادت تختنق بالكلام. فتداركها نامق بك قائلا: عفوا وعذرا وحلما يا سمو البرنسس السلطاني. لست أنوي قط أن أرجو البرنس عثمان رجاء أن يتزوج العزيزة الأميرة نميقة. أظنك تثقين أني أعرف كيف أتكلم. - نعم. ولكني كنت أظن يا حضرة الصديق أنك تستنكف مخاطبة البرنس عثمان بأي أسلوب بعد أن يقبل خطابا وسخا كذلك الخطاب وصورة مصطنعة بيد شيطانية كتلك الصورة ولا يتردد في إرسالهما إلينا. وأخيرا يقرر أن يرسلهما ولا يخجل أن يرسل لنا نتيجة مكيدة لخزي بنتنا وعارها. ولو كان نبيلا حقيقة لكان أقل ما يجب أن يفعله هو أن يمزق ذلك الخطاب القذر ويحرق تلك الصورة المخزية، لا أن يرسلهما إلينا لكي تطلع بنتي على أمر مشين. وإن كان الأمر قد همه فقد كان حريا به أن يبحث عن الدساس الكائد ويحرض أحد رجاله أن يلطمه كفين ويصفعه صفعتين. نعم، كان يجب أن يفعل ذلك من غير أن يدعنا نعرف شيئا. أما وقد أرسل لنا الخطاب البذيء والصورة مع خطاب بارد فصرنا نخجل أن نقول: إننا نعرف شخصا يدعى البرنس عثمان ويدعي أنه نبيل. لا لا، أرجو منك يا نامق بك ألا تخاطبه بهذا الأمر بتاتا. لقد انتهت كل علاقة بيننا وبينه. هلمي يا نميقة.
وقامت البرنسيس سنية تتبعها نميقة من غير أن تدعا لنامق بك فرصة لكلمة.
عند ذلك دخل البرنس سناء الدين مستغربا خروج زوجته في حالة تأثر شديد. فسأل نامق بك في أمرها. فأخبره ماذا كان من حديثها.
فقال سناء الدين: إني أعذر نفسها الكبيرة، فإنها تتأثر كثيرا. فاعذرها يا عزيزي نامق بك. - إني أمتدح أنفتها هذه. وإنما سأعمل عملي بحسب ما تعهده من حكمتي يا سيدي البرنس. هل تسمح لي بالخطابين والصورة إلى حين؟ - لا بأس، وإنما أرجو ألا يراهما أحد.
الفصل الرابع
Halaman tidak diketahui