وهذه هي نفس الطريق التي سلكها «ستيفنسن» حين شرع يتعلم الكتابة، و«ستيفنسن» - كما يعرفه قراء الإنجليزية - منقطع النظير بين الكتاب الحديثين، وقلما داناه كاتب من كتاب الإنجليز، في جمال أسلوبه، ودقة عبارته، وروعة بيانه.
وقد كان في أيام الدرس والتحصيل - وهو في جامعة «أدنبرج» - يقلد كتابة «ماكولي» شهرا، ويسلك في تقليده تلك الطريقة التي شرحتها لك، ثم يدع «ماكولي» - بعد ذلك - ويأخذ في تقليد كتابة «فرود» شهرا آخر وهكذا، ولم يترك كاتبا من المشهورين إلا قلده، حتى «كارليل» وأضرابه.
ولقد أدرك - بهذه الطريقة - التي كان يسميها «طريقة المواظبة على التقليد» كل ما يبغيه في فن الكتابة، وقرر - في صراحة وجلاء - أن لهذه الطريقة عليه أكبر فضل، وقد عزا إليها كل ما في أسلوبه من قوة ورصانة ، وميزات باهرة لا تزال موضع إعجاب قارئيه إلى اليوم.
كذلك كان «فيكتور هيجو» يقلد في أول نشأته «شاتوبريان» الكاتب الفرنسي العظيم؛ حتى كتب على مقعده في الفصل - وهو طالب: «أريد أن أكون «شاتوبريان» آخر !»
وليس التقليد عيبا في المرحلة الأولى من التعليم، فإن لكل طالب أستاذا يراه الطالب محل إعجابه كما يراه نموذجا جديرا بالتقليد والمحاكاة، ولقد كان أبو نواس في صباه يعجب بوالبة بن الحباب، كما كان البحتري يعجب بأبي تمام ويقلده في صغره، وقلد أبو العلاء المتنبي في حداثته أيضا.
فإذا شئت أن تتعرف مني الوسيلة الوحيدة التي تبلغ بها مأربك في فن الإنشاء فليس لي ما أقوله لك إلا هذه الكلمة: «التقليد! التقليد! التقليد!» أفهمت الآن يا ولدي؟ عليك بالتقليد وأنا الزعيم لك بأنك واصل إلى ما تريد.»
الطالب (وقد بدت على وجهه دلائل الارتباك) : «إذن فما فائدة كل هذه الكتب المؤلفة في فن الإنشاء؟ وما فائدة الكتاب الذي ألفته أنت في فن الإنشاء؟ أأتبع هذا الكتاب أم أتبع البلغاء من الكتاب الممتازين الذين ذكرتهم لي الآن؟»
الأستاذ : «لقد أحسنت يا ولدي في هذا السؤال ويجدر بي أن أصارحك القول، وأن لا أكتمك شيئا، فإنني أرى وأنا على يقين مما أراه أنك - إذا استطعت أن تسلك الخطة التي شرحتها لك وأوصيتك باتباعها - ثم ثابرت عليها دائبا، كان ذلك - بلا ريب - أنفع لك من كل ما كتبه المؤلفون من الكتب في فن الإنشاء إلى اليوم.
بل أنا أقرر لك ما هو أغرب من ذلك، فإنني أعتقد أن المعلم - في المرحلة الأولى التي تبدأ فيها قدرة الطفل على الكتابة - إذا عني بتمرين طفله على كتابة جملتين اثنتين في كل يوم، إحداهما مما يذكره من الدرس الذي طالعه، والأخرى مما رآه أو عمله في يومه من الأعمال، أقول لك واثقا: إن المعلم - لو سلك مع الطفل هذه الطريق - لم يلبث الطفل أن يصبح قادرا على الكتابة بطبعه دون تكلف وتصبح الكتابة عنده طبيعية كالكلام - سواء بسواء! - ومن ثم لا يصبح الإنشاء فنا كما يريد الأساتيذ أن يمثلوه، بل يصبح طبيعة أخرى كطبيعة الأكل والتنفس والجري، فيكتب الطالب كما يتكلم، ويأكل، ويتنفس، ويجري سواء بسواء!» •••
الطالب : «كل ما تقوله حسن يا سيدي الأستاذ، فما فائدة هذا الكتاب الذي ألفته في فن الإنشاء؟»
Halaman tidak diketahui