قال عبد: قد فعلت. •••
ولم يعد مسعود إلى أرض هذيل وحده، وإنما ذهب معه إليها حليفه وذو صهره عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب، فزار عنده ابنته هند، وقد مات عنها زوجها ابن عبد ود، وزار بنتها أم عبد، وقبل طفلها الصغير عبد الله بن مسعود. وأقام ما أقام في أرض هذيل، ثم انحدر إلى مكة فلم يطل فيها مقامه حتى أدركه الموت، ونشأ الصبي الهذلي من قبل آبائه، القرشي من قبل أمه في أرض هذيل نشأة أمثاله من أهل البادية: حياة أدنى إلى الشظف
176
منها إلى اللين، وأقرب إلى العسر منها إلى اليسر، ولا يكاد الصبي يبلغ أول الشباب حتى يفقد أباه، وحتى تضيق به سبل العيش في أرض نجد، فيهبط مكة ليأوي إلى أخواله من بني زهرة، ويقيم ما شاء الله أن يقيم عزيزا بأخواله وبالحلف الذي كان بينهم وبين أبيه.
ولم يكن الشباب من أهل مكة يألفون حياة البطالة والترف إلا أن يكونوا من أبناء السادة والأغنياء، وإنما كان سبيل الفتى من أوساط الناس في قريش وأحلافها إذا بلغ السن التي يستطيع أن يكسب فيها القوت أن يسعى على رزقه كما يستطيع، لا يرى بذلك بأسا ولا يجد فيه جناحا
177
وإنما البأس كل البأس والجناح كل الجناح أن يعيش الفتى كلا
178
على آبائه أو أخواله.
وقد سعى عبد الله بن مسعود على رزقه، والتمس القوت من مصادره، فعرض نفسه على كثير من الناس، وجرب كثيرا من فنون العمل، ولكن شيئا واحدا راقه وأعجبه ولاءم طبيعته الهادئة ونفسه الراضية وقلبه المطمئن السليم، فأصبح راعيا لعقبة بن أبي معيط، يرعى عليه غنمات له في ظاهر مكة، يغدو بها مع الصبح ويروح بها مع الليل، وينفق نهاره معها راضيا وادعا، قد خلا إلى نفسه، فأمن غائلة الناس وأمن الناس غوائله.
Halaman tidak diketahui