وقد نشأ الغلام نشأة أمثاله من هؤلاء الأخلاط الذين يجلبون إلى مكة أو تلقي آباءهم إليها الأقدار. نشأ غلاما لا يحس ثقل الرق، ولكنه لا يذوق حلاوة الحرية، وإنما هو شيء بين ذلك، ليس كامل الرق وليس كامل الحرية، يرى من حوله شيوخا سادة وشبابا مترفين، ويرى من حوله شيوخا أذلة مستضعفين وشبابا تطمح نفوسهم وتقصر أيديهم وهممهم وأسبابهم عن بلوغ ما يطمحون إليه. وقد استقر في نفوس الشيوخ المستضعفين إذعان للقدر واستسلام للقضاء، وأظهروا لساداتهم الإكبار وأضمروا لهم البغض والشنآن،
162
واستقر في نفوس الشباب الطامحين غيظ لا تطفأ ناره، وحسد لا تكسر حدته،
163
يرون أنهم ليسوا أقل من الشباب المترفين ذكاء قلوب، وجلاء عقول، ونفاذ بصائر،
164
ولكنهم أقل منهم مالا وأضعف منهم قوة وأقصر منهم يدا، قد أمسكتهم الحياة في حال لا تلائمهم ولا يلائمونها، وحيل بينهم وبين الرقي إلى خير منها، وقضي عليهم أن يظلوا أتباعا، يحيون أتباعا ويموتون أتباعا، لا أمل لهم في سعة ولا في دعة
165
ولا في مجد ولا في ارتقاء، فهم كالجياد المشدودة التي تعلك
166
Halaman tidak diketahui