وأقبل أبو بكر في أثناء خلافته حاجا، فلما دخل مكة جاءه سهيل بن عمرو مسلما، فعزاه أبو بكر بابنه عبد الله الذي قتل في اليمامة شهيدا. قال سهيل: لقد بلغني أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله؛ فأنا أرجو ألا يبدأ ابني بأحد قبلي.
22
لم يكد عمر ينهض بأمور المسلمين بعد صاحبه حتى مضى في سياسة الفتح التي ابتدأها من قبله. لم يهن ولم يضعف، ولم يتح لأحد من الناس أن يهن أو يضعف، وإنما رمى العالم القديم المتحضر بثقل العرب، فلم يثبت له العالم المتحضر إلا ريثما تداعى ثم انهار. وكان عمر لا ينام ولا ينيم، وإنما كان يقظا دائما، موقظا دائما، عاملا دائما، دافعا غيره إلى العمل، وقد فتح عمر للذين أسلموا بأخرة من عامة العرب ومن خاصة قريش أبواب الجهاد على مصاريعها، وألقى في روعهم جميعا أن من فاته ثواب الغزو مع النبي
صلى الله عليه وسلم
فلم يشهد معه بدرا ولا أحدا ولا الخندق ولا غيرها من المشاهد، فإن أمامه ملك الروم وفارس يستطيع أن يستدرك فيهما ما فاته من حسن البلاء. وأي بلاء أحسن من أن يكون الرجل قد تقدمت به السن، والرجل لم يكد يخرج من شبابه، والفتى لم يكد ينضو عنه ثوب الصبا، وسيلة إلى تحقيق وعد الله - عز وجل - وتصديق قوله:
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ؟!
لقد اندفعت العرب حين دفعها عمر، فلم تجد أمامها صعوبة إلا قهرتها، ولا عقبة إلا ذللتها، ولا مقاومة إلا جعلتها هباء.
ولم يكن أصحاب رسول الله والذين شهدوا معه المشاهد منهم خاصة أقل اندفاعا إلى الجهاد واستباقا إلى الغزو من الذين أسلموا بأخرة، ولم يكن عمر يصدهم عن ذلك أو يردهم عنه، وإنما كان يخلي بينهم وبين ثواب الله يطلبونه ما وجدوا إليه سبيلا، إلا أولئك الأشراف من قريش، فإنه أمسكهم في المدينة ولم يأذن لهم بالخروج، خاف من عامتهم على الناس، وخاف على خاصتهم من الفتنة، وكان أشراف الصحابة من قريش إذا أراد أحدهم أن يخرج للجهاد أبى عليه عمر، وقال: قد غزوت مع رسول الله
Halaman tidak diketahui