Asal Perbezaan Antara Manusia
أصل التفاوت بين الناس
Genre-genre
وتكون أشكال الحكومة المختلفة مدينة بأصلها لدرجة ما يكون بين الأفراد من الفروق حين قيامها، وإذا كان أحد هؤلاء متفوقا في القوة أو الفضل أو الغنى أو الوجاهة، انتخب حاكما وصارت الدولة ملكية، وإذا كان الكثيرون متساوين فيما بينهم تقريبا، وكانوا يفوقون الآخرين انتخبوا معا وتكونت أرستوقراطية، ومن كان الثراء والمواهب عندهم أقل تفاوتا، وكانوا أقل بعدا من حال الطبيعة، حافظوا بالاشتراك على الإدارة العليا وألفوا ديموقراطية، وقد أثبت الزمان أي الشكلين كان أنفع للناس، وقد ظل بعض الناس خاضعين للقوانين فقط، ولم يلبث الآخرون أن أطاعوا سادة، وأراد المواطنون أن يحتفظوا بحريتهم، ولم يفكر الرعايا في غير نزعها من جيرانهم، غير صابرين على تمتع آخرين بخير كانوا قد أضاعوه.
والخلاصة: أن الثروات والفتوح كانت من ناحية، وأن السعادة والفضيلة كانتا من ناحية أخرى.
وكانت الحاكميات كلها في هذه الحكومات المختلفة انتخابية، وعندما كان الفوز لغير الثراء كانت الأفضلية للمزية التي تنعم بنفوذ طبيعي، وللسن التي تنعم بالتجربة في الأمور وبالاعتدال في المذاكرات، ويدل شيوخ العبريين وشيوخ الإسبارطيين وسنات رومة، واشتقاق كلمة «سنيور» عندنا، على مقدار ما كان للمشيب من احترام فيما مضى، وكلما كانت الانتخابات تقع على أناس طاعنين في السن صارت متواترة وشعر بمصاعبها، فقد نسجت مكايد وألفت عصابات واحتدت أحزاب، واشتعلت حروب أهلية، وضحي بدم المواطنين في سبيل سعادة للدولة مزعومة، وأوشك الناس أن يسقطوا في فوضى الأزمنة السابقة، وقد استفاد الزعماء ذوو الطموح من هذه الأحوال إدامة لخدمهم في أسرهم، وقد رضي الشعب، الذي تعود الخضوع والراحة ورغد العيش، والذي عجز عن كسر قيوده، أن يترك عبوديته تزيد توطيدا لراحته، وهكذا تعود الزعماء - الذين أصبحوا وراثيين - أن يعدوا حاكميتهم مال أسرة، وأن يعدوا أنفسهم مالكي الدولة التي لم يكونوا غير موظفيها في البداءة، فيدعون مواطنيهم عبيدهم ويحسبونهم كالأنعام بين الأشياء التي يملكونها، ويدعون أنفسهم مساوين للآلهة أو ملوك الملوك.
وإذا ما تتبعنا تقدم التفاوت في هذه الثورات المختلفة وجدنا أن وضع القانون وحق التملك كانا حده الأول، وأن قيام الحاكمية كان حده الثاني، وأن تحول السلطة الشرعية إلى سلطة مرادية كان حده الثالث والأخير، فأجيز حال الغني والفقير في الدور الأول، وأجيز حال القوي والضعيف في الدور الثاني، وأجيز حال السيد والعبد في الدور الثالث الذي هو آخر درجة للتفاوت والحد الذي ينتهي إليه جميع الأخرى في نهاية الأمر، وذلك إلى أن تقضي ثورات جديدة على الحكومة تماما، أو أن تدنيها من النظام الشرعي.
ويجب - لإدراك ضرورة هذا التقدم - أن ينظر إلى عوامل قيام الهيئة السياسية أقل مما إلى الشكل الذي تتخذه في تنفيذه، والمحاذير التي يجرها وراءه؛ وذلك لأن العيوب التي تجعل النظم الاجتماعية أمرا ضروريا هي عين العيوب التي تجعل سوء استعماله أمرا لا مفر منه، وإذا استثنيت إسبارطة، حيث كان القانون يسهر على تربية الأولاد خاصة، وحيث أقام ليكورغ من العادات ما كان يغنيه عن إضافته قوانين، وجدت القوانين، التي هي أقل قوة من الأهواء على العموم، تردع الناس من غير أن تغيرهم، ومن السهل إثبات كون كل حكومة تسير، من غير فساد ولا عيب، دائما وتماما، وفق غاية نظامها، فتقوم بلا ضرورة، وكونه لا احتياج إلى حكام ولا إلى قوانين في بلد لا تجتنب القوانين ولا يساء استعمال الحاكمية فيه.
وتؤدي الفروق السياسية إلى فروق مدنية بحكم الضرورة، ولا يلبث التفاوت الذي يزيد بين الشعب ورؤسائه أن يشعر به بين الأفراد، فيتحول على ألف وجه وفق الأهواء والمواهب والمصادفات، وما كان الحاكم ليغتصب سلطة غير شرعية من غير أن يتخذ من العمال من يضطر إلى منحهم قسما منها، ثم إن المواطنين لا يسمحون بأن يضغطوا إلا عن سير وراء طموح أعمى، وهم إذ ينظرون إلى ما تحتهم أكثر مما إلى فوقهم، فإن السيطرة تصبح أعز من الاستقلال عندهم، ويوافقون على تكبيلهم بقيود يقدرون على منحها بدورهم، ومن الصعوبة بمكان أن يحمل على الطاعة من لا يحاول أن يسوس مطلقا، وما كان أمهر السياسيين ليستعبد أناسا لا يريدون إلا أن يكونوا أحرارا. بيد أن التفاوت ينتشر من غير شفقة بين ذوي الطموح والجبن من النفوس المستعدة للسعي وراء مخاطر النصيب في كل وقت، والتي لا تبالي بالسيطرة أو الخدمة على حسب ما تكون ملائمة أو معاكسة لها، وهكذا فإنه لا بد من أن يكون قد أتى زمن بلغت عيون الشعب فيه من السحر ما لم يبق لقادته أن يخاطبوا أصغر الناس معه بغير قولهم: «كن كبيرا أنت وجميع ذريتك»، وهنالك بدا كبيرا لجميع الناس كما بدا في عيني نفسه، وأخذ عقبه يرتفع كلما بعدت المسافات منه، وكلما كانت العلة غامضة حائرة زاد المعلول، وكلما كثر الكسالى في أسرة زادت مجدا.
ولو كان هناك مكان صالح للدخول في التفصيل لسهل علي أن أوضح كيف يصبح التفاوت في الوجاهة والسلطان أمرا لا مفر منه بين الأفراد،
4
حتى عند عدم تدخل الحكومة؛ وذلك لأن الأفراد إذا ما اجتمعوا في مجتمع واحد لم يلبثوا أن يضطروا إلى المقابلة فيما بينهم، وإلى ملاحظة الفروق التي يجدونها في معاشرة بعضهم لبعض، ولهذه الفروع أنواع كثيرة، ولكن بما أن الثراء، والشرف أو المقام، والسلطان والمزية الشخصية فروق رئيسة يقاس بها في المجتمع، فإنني أثبت أن توافق هذه القوى المختلفة أو تصادمها أصدق دليل على دولة حسنة التكوين أو سيئته، وإنني أثبت أن الصفات الشخصية بين أنواع التفاوت الأربعة هذه إذ كانت أصل جميع الأخرى، فإن الغني هو آخر ما ترد إليه في نهاية الأمر، وذلك بما أنه يكون أكثر ما ينفع رغد العيش مباشرة وأكثر ما يسهل نقله، فإنه يستخدم بسهولة لاشتراء جميع البقية، فبهذه الملاحظة يمكن أن يحكم بشيء من الدقة في المقياس الذي ابتعد به كل شعب عن نظامه الابتدائي، وعن الطريق التي رسمها نحو أقصى حد للفساد، وألاحظ مقدار ما تعمل في المواهب والقوى وتقابل بينها هذه الرغبة العامة في الصيت والشرف والأفضليات التي تأكلنا جميعا، ومقدار ما تهز الأهواء وتزيدها، ومقدار ما تجعل جميع الناس متنافسين متزاحمين، وإن شئت فقل أعداء، فتؤدي كل يوم إلى نوائب ونجاح ومصائب من كل نوع، وذلك بحملها ذوي المزاعم على خوض عين المعارك، وأثبت أننا مدينون لهذه الحميا في التحدث عن النفس، ولهذه الصولة في التمايز التي تخرج المرء عن الصواب تقريبا بأحسن ما يوجد بين الناس وأردئه، أي بفضائلنا ومعايبنا وبمعارفنا وأغاليطنا، وبقاهرينا فلاسفتنا، أي بطائفة من الأمور الطالحة حول قليل من الأمور الصالحة.
وأخيرا أثبت أنه يرى قبضة من الأقوياء والأغنياء على ذروة العظمة والثراء، على حين يتخبط الجمهور في البؤس والظلام، وذلك عن كون أولئك لا يقدرون الأمور التي لا يتمتعون بها إلا بمقدار ما يكون الآخرون محرومين إياها، وعن كونهم يعودون غير سعداء إذا ما عاد الشعب لا يكون بائسا.
Halaman tidak diketahui