Asal Perbezaan Antara Manusia
أصل التفاوت بين الناس
Genre-genre
والناس في هذه الحال الجديدة، إذ تمتعوا بفراغ عظيم جدا، مع حياة بسيطة منفردة واحتياجات محدودة جدا، وأدوات كانوا قد اخترعوها لقضاء هذه الحاجات، اتخذوا هذه الحياة نيلا لأنواع كثيرة من الرفاهية لا عهد لآبائهم بها، فكان هذا أول نير فرضوه على أنفسهم من غير أن يفكروا فيه، وأول منبع للشرور أعدوه لذراريهم؛ وذلك لأنك إذا عدوت استمرارهم على التخنث بدنا وروحا هكذا، وكون هذه الرفاهة فقدت جميع لذاتها عن عادة، وأنها تحولت منحطة إلى احتياجات حقيقية، وجدت فقدها أشد قسوة مما في حيازتها من حلاوة، فيكون الإنسان شقيا بضياعها من غير أن يكون سعيدا بحيازتها.
وهنا يمكن أن يبصر أحسن من ذلك كيف أن عادة الكلام قامت أو كملت في صميم كل أسرة على وجه غير محسوس، ويمكن أن يفترض - أيضا - كيف استطاع مختلف العلل الخاصة توسيع اللغة وتعجيل نشوئها بجعلها أكثر لزوما، ومن الطوفانات والزلازل ما أدى إلى إحاطة بقاع مسكونة بالمياه أو بالهوات، ومن الانقلابات في الكرة الأرضية ما أدى إلى اقتطاع أجزاء من القارة وفصلها عنها محولة إلى جزائر، ومما يرى بين الناس الذين تدانوا على هذا الوجه واضطروا إلى العيش معا وجوب تكون لهجة مشتركة أكثر مما بين من كانوا يتيهون في غابات القارة، وهكذا فإن من المحتمل جدا أن يكون الجزريون قد حملوا إلينا عادة الكلام بعد أول محاولتهم للملاحة، وإن من المحتمل جدا - على الأقل - أن يكون المجتمع واللغات قد ولدا في الجزر وكملا فيها قبل أن يعرفا في القارة.
ويبدأ كل شيء بتغيير منظره، وبما أن الناس تاهوا في الغاب حتى الآن، وبما أنهم اتخذوا قاعدة أكثر ثباتا، تدانوا ببطء وتجمعوا زمرا ثم ألفوا في كل بقعة أمة خاصة متحدة طبائع وأخلاقا، لا بأنظمة وقوانين، بل بطراز واحد من الحياة الغذائية وبتأثير الإقليم العام. وأخيرا، لم يفت الجوار الدائم أن يوجد ارتباطا بين مختلف الأسر، ويسكن شباب من الجنسين أكواخا مجاورة، وأسفر الخلاط العابر الذي تقتضيه الطبيعة من فوره عن خلاط آخر ليس أقل حلاوة، وهو أكثر دواما بمعاشرة متبادلة، ويتعود النظر في مختلف الموضوعات وعمل مقايسات، وتكتسب على وجه غير محسوس أفكار عن المزية والجمال تنتج مشاعر عن الأفضلية، وعاد لا يمكن الاستغناء عن الاجتماع باستمرار وصولا إلى الاجتماع، وينساب في النفس شعور رقيق ناعم، ويتحول إلى هياج صائل عند أقل اعتراض، وتستيقظ الغيرة مع الحب، ويفوز الخلاف، ويضحى بالدم البشري في سبيل ألطف الأهواء.
وكلما تعاقبت الأفكار والمشاعر، وتحرك الفؤاد والذكاء داوم الجنس البشري على التأنس واتسع مدى الروابط ووثقت الصلات، ويتعود الاجتماع أمام الأكواخ أو حول دوحة (الشجرة العظيمة المتسعة)، ويصبح الغناء والرقص وأولاد الغرام والفراغ الحقيقيون مدار تسلية، وإن شئت فقل مدار اعتناء رجال ونساء من ذوي البطالة والاحتشاد، وقد بدأ كل ينظر إلى الآخرين ويريد أن ينظر إليه بدوره، وهكذا كان للتقدير العام قيمة، فأصبح من يغني أو يرقص أحسن من غيره، ومن هو أعظم جمالا، أو قوة، أو مهارة، أو فصاحة، من سواه أكثر اعتبارا، وكان هذا أول خطوة نحو التفاوت ونحو العيب في وقت واحد، وقد نشأ الزهو والازدراء عن هذه الأفضليات الأولى من ناحية، ونشأ الحياء والحسد عنها من ناحية أخرى، وما أوجبته هذه الخمائر الجديدة من اختمار أسفر في نهاية الأمر عن مركبات شؤم على السعادة وصفاء القلب.
ولم يكد الناس يبدءون بتقدير بعضهم بعضا مبادلة، ولم تكد فكرة الاعتبار تتكون في نفوسهم، حتى زعم كل وجود حق له في ذلك، وصار يتعذر إنكار ذلك على أحد من غير عقاب، ومن هناك أنشئ أول واجبات الأدب حتى بين الهمج، ومن هناك صار كل خطأ إهانة؛ وذلك لأن المهان كان يرى في الشر الذي ينشأ عن الإهانة ازدراء لشخصه أشد إيلاما من الشر نفسه غالبا، وهكذا إذ كان كل واحد يجازي على الازدراء الموجه إليه بنسبة ما يقدر فإن الانتقامات أصبحت هائلة، وصار الناس قساة سفاحين، وهذه هي الدرجة التي انتهى إليها بالضبط معظم الشعوب الوحشية التي نعلم أمرها، وإنه لما وقع من عدم التمييز بين الأفكار بدرجة الكفاية، ومن عدم ملاحظة مقدار ما كان من ابتعاد هذه الشعوب عن الحال الطبيعية الأولى، أسرع كثير في استنتاجه كون الإنسان قاسيا بحكم الطبيعة فيحتاج إلى ضابطة لإلانته، وبينا لا تجد ما هو ألطف منه في حاله الفطرية، عندما تضعه الطبيعة على أبعاد متساوية من غباوة الوحوش وبصائر الإنسان المتمدن المشئومة، ويكون مقصورا بالغريزة والعقل على ضمان نفسه من السوء الذي يهدده، تراه مزدجرا بالرأفة الطبيعية عن إساءة أحد من تلقاء نفسه، وذلك من غير أن يحمل عليه بشيء، حتى بعد أن يكون قد تلقاه، والأمر هو كما جاء في مبدأ الحكيم لوك القائل: «لا يمكن أن توجد إهانة حيث لا يوجد تملك.»
بيد أنه يجب أن يلاحظ أن المجتمع المبدوء والصلات التي أقيمت بين الناس كانا يتطلبان فيهم صفات تختلف عن الصفات التي حازوها من نظامهم الابتدائي، وأن أدب السلوك إذ أخذ يتسرب في الأعمال البشرية، وأن كل واحد قبل القوانين إذ كان القاضي الوحيد والمنتقم عن الإهانات التي يكون قد تلقاها، فإن الصلاح الملائم للحالة الطبيعية الخالصة عاد لا يلائم المجتمع الناشئ، وأنه وجب أن تصبح العقوبات أكثر شدة كلما صارت فرص الإهانة أكثر شيوعا، وصار الخوف من الانتقام يقوم مقام الرادع القانوني، وهكذا فإن الناس وإن صاروا أقل صبرا ونقصت رأفتهم الطبيعية بعض الشيء، وجب أن يكون هذا الدور، الذي هو دور نشوء المواهب البشرية، أسعد الأدوار وأكثرها دواما لما يبدو وسطا بين بلادة الحالة الابتدائية ونشاط أنانيتنا النزق، وكلما أنعم النظر في ذلك وجدت هذه الحال أقل عرضة للانقلابات، وأصلح للإنسان،
1
فكان لا ينبغي له أن يخرج منها إلا عن مصادفة مشئومة كان يجب ألا تقع لاقتضاء المصلحة العامة ذلك، ويلوح أن مثال الوحوش، الذين وجد معظمهم في هذه الحال، يؤدي كون الجنس الشري قد خلق ليبقى فيها على الدوام، وكون كل تقدم حدث بعد ذلك خطوة نحو الكمال في الظاهر، ونحو هرم النوع في الحقيقة.
والناس ما رضوا عن أكواخهم الخلوية، وما اقتصروا على خرز ثيابهم الجلدية بشوك أو حسك، وما ازينوا بريش وصدف، وما نقشوا بدنهم بمختلف الألوان، وما أصلحوا سهامهم وأقواسهم أو زخرفوها، وما شذبوا بحجارة حادة زوارق صيد، أو بعض الآلات الموسيقية الغليظة.
والخلاصة: أن الناس ما تعاطوا أعمالا يستطيع الفرد أن يصنعها، وما اتخذوا فنونا لا تحتاج إلى تضافر أيد كثيرة، عاشوا أحرارا أصحاء صالحين سعداء ما استطاعوا أن يكونوا كذلك بطبيعتهم، وما استمروا على التمتع فيما بينهم بألطاف معاشرة مستقلة، ولكن الإنسان منذ احتياجه إلى معونة إنسان آخر، منذ رئي أن المفيد لواحد أن يكون ذا مؤن لاثنين، زالت المساواة عنده وانتحل التملك وصار العمل ضروريا، وتحولت الغابات الواسعة إلى حقول باسمة وجب أن تروى بعرق الناس، فلم تلبث أن رئي فيها نشوء العبودية والبؤس ونموها مع الغلات.
Halaman tidak diketahui