يمكن تعريف التعفف بأنه تعديل الرغبة في اللذة؛ فهو يفيد الاعتدال. قد نمضي في الفراش زمنا أطول مما تستدعيه الحاجة، وقد تقطع من الليل فوق ما تجيزه الضرورة فلا ننام مثلا إلا غرارا وقد نرهق أنفسنا في العمل أو لا نلم به إلا قليلا. وقد لا يهدأ لنا لسان أو قد نكم أفواهنا. كل تلك أشكال من الإغراق والتطرف فهي لذلك أشكال من قلة الاعتدال أو قلة الاقتصاد وعليه يجب الإقلاع عنها، وعلى ذلك فالتعفف اسم آخر لضبط النفس، وهو القدرة على الكف أو القدرة على كبح جماح الهوى.
هذه القدرة لا يوقظها الإحساس بل العقل والروية والاختبار، وليس للطفل في أول أمره من القدرة على ضبط نفسه إلا قليل فرقيه في ذلك الطور منحصر في إخماد الإحساسات السفلى وإحلال إحساسات عالية محلها، وذلك مشاهد في سلوكه؛ إذ الطفل مغرى بالمرح والجري في كل مكان واللعب فوق ما أجيز له، ولكن يمنعه عن الاسترسال في ذلك خشية استياء معلمه.
الأفعال مظاهر الشعور، فإذا أمكن إبطال الفعل فقد يمكن إبطال الشعور، وكذلك أفكارنا؛ فإنها مرتبطة بشعورنا، وعلى ذلك فإذا أمكن إخماد أفكارنا أمكننا إخماد شعورنا.
ولما كان المعروف عن الطفل أنه لا يتعلم ضبط النفس إلا ببطء؛ فالواجب على المعلم أن يسعى لاستئصال بواعث الهوى من نفس الطفل ما استطاع. لا يصح له مثلا أن يترك الأطفال في ظروف قد تجمح بهم كأن يترك الغرفة مدة من الزمان بلا مراقبة، وعليه فالواجب على المعلم - في أول الأمر - أن يزيل بنفسه كل ما يعين على الجموح، فأما ما وراء ذلك فإن الطفل يتعلم إزالته بنفسه.
وبما أن ضبط النفس عادة فيجب على المعلم أن يترك للتلاميذ قليلا من الحرية والاستقلال في العمل لينموا بذلك خلة ضبط النفس، وفي هذا سبب من أسباب ضرورة إعطاء التلاميذ دروسا منزلية. (6) نمو ضبط النفس
لنمو ضبط النفس درجات:
أولا:
يتعلم الطفل أن ينزل عن شيء من اللذة الحاضرة إما: (1)
لتحصيل لذة أكبر منها في المستقبل كأن يوفر الصبي اليوم قرشا لينفقه غدا. (2)
لدفع ألم أشد في المستقبل؛ كأن يقلع التلميذ عن اللعب في المدرسة تجنبا للعقاب.
Halaman tidak diketahui