ويرى «د. أنيس فريحة» أن هذا البغاء الذي وصل حد «بيع النساء أجسادهن في أيام معدودات، وشراء ذبائح لعشتروت بأجورهن بقايا عادات قديمة سابقة للتاريخ، عندما لم يكن هناك زواج بالمعنى الذي نفهمه الآن، بل عندما كان الزواج اجتماعيا مشتركا، النساء للرجال والرجال للنساء في القبيلة الواحدة.»
17
ورغم كل هذا الشبق الحاد الذي تميزت به إلهة كوكب الزهرة، ومع كل قصص الغرام وتعدد عشاقها وفتكها المستمر بهؤلاء العشاق كما حدث مع «تموز» - كما لو كانت بقايا من غريزة حيوانية في اللاشعور الإنساني؛ لسابقة كانت الأنثى تفتك فيها بالذكر بعد الجماع، كما نجد في بعض الكائنات الحية اليوم - رغم كل ذلك نجد «... عبادها كثيرا ما كانوا يخاطبونها بقولهم: العذراء، العذراء المقدسة، الأم العذراء.»
18
ويعلق «السواح» على ذلك بقوله: «والعذراء لقبها، والعذرية جوهرها، رغم أنها ترمز للجنس والحب والإخصاب، فهذا الجوهر، لا يبدده لقاء عابر ولا حمل ولا ولادة، وتبقى عذريتها رغم إخصابها الأبدي الذي لا يمسه عرض زائل، ولعشتار عشاق وأزواج، أشهرهم تموز التعيس.»
19
ويقدم «جون. م. أليكارو» تفسيرا لهذا التناقض الغريب في شخصية الزهرة بقوله: «إن خلق الجنين في الرحم في اعتقاد القدماء يعتمد على ثلاثة عناصر: الروح، دم الحيض، مني الرجل. أما الروح فمن عند الله، والدم تقدمه المرأة، والمني للرجل، ولما كان دم الحيض عند العذراوات أغزر منه بكثير لدى المتزوجات، وخاصة بعد الولد الأول، فقد اعتقد الأقدمون أن مقدرة العذراء الإخصابية أكثر بكثير من غيرها. وخصوصا أن انتهاء الحيض يعني عدم القدرة على الإنجاب، وذلك عند تجاوز المرأة لسن اليأس. ومن هنا فإن عشتار وهي رمز الإخصاب لا يمكن أن تكون عذريتها إلا بهذا المعنى للكلمة، أي المخصبة أبدا، الغزيرة دم الحيض، الخالق للحياة.»
20
ومن الجدير بالذكر أن العذراء كلمة سامية مشتركة في مختلف اللغات السامية، فمنطوقها الأكادي في الرافدين هو «بتلت»، وفي الأوجاريتية «الكنعانية» «بتلت» أيضا، وفي الآرامية «بتولتا»، وفي العبرية «بتولا»، وفي العربية «بتول».
21 (4) الزهرة معبودة الجماهير
Halaman tidak diketahui