Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Genre-genre
هكذا (لو تفكرت) يتبين أن كل ما يمكن أن يعد اختراعا عظيما إنما أتى إلى الوجود بمحض الصدفة، وليس من خلال تطوير قليل أو توسع في الفنون، يستغرق إنجاز الصدفة قرونا لكي يواتي، ولا شيء يأتي بتلك المخترعات أسرع من ذلك إلا اكتشاف الصور.
لسنا بحاجة إلى تقديم أمثلة على تلك الشواهد لأنها كثيرة جدا، أما الذي نحتاج إليه مسيس الحاجة فهو أن نقيم مسحا دقيقا وفحصا لجميع الفنون الميكانيكية والفنون الحرة أيضا (بقدر ما تتناول تطبيقات عملية)، ثم نقيم تصنيفا أو تاريخا خاصا للإنجازات الكبرى والروائع العظيمة والأعمال المكتملة في كل فن، ونرفق بها المنهج المتبع في تنفيذها.
غير أني لا أقصر الجهد الذي علينا بذله في هذا التصنيف على ما يعد روائع وأسرارا في كل فن، والتي تثير الدهشة، فالدهشة بنت الندرة، فالشيء النادر يثير الدهشة دائما حتى لو كان مركبا من طبائع عادية، على حين أن الأشياء التي تستدعي الدهشة حقا بسبب فرق محدد يميزها عن الأنواع الأخرى قلما تلفت النظر ما دمنا نألفها حولنا في استخدامنا الشائع. إن علينا أن نلتفت إلى «الشواهد الفريدة» في الفن بالإضافة إلى الشواهد الفريدة في الطبيعة كما قلنا آنفا، ومثلما أدرجنا الشمس والقمر والمغناطيس ... إلخ بين الشواهد الفريدة في الطبيعة وإن كانت على فرادتها مألوفة لنا تماما، كذلك ينبغي أن نفعل الشيء نفسه تجاه «الشواهد الفريدة» في الفن.
الورق على سبيل المثال، ذلك الشيء المألوف تماما، هو «شاهد فريد» للفن، فأنت إذا أنعمت النظر في الموضوع فستجد أن المواد الصناعية هي إما منسوجة من خيوط عرضية وطولية كالقماش المصنوع من الحرير أو الصوف أو الكتان ... إلخ، وإما مصنوعة من سوائل مجففة من قبيل القرميد أو الخزف أو الزجاج أو المينا أو الصيني ... إلخ، وهي قابلة للصقل إذا أدمجت، فإذا لم تدمج تصير صلبة دون أن تصقل. إن كل ما هو مصنوع من سوائل مجففة هو شيء هش وليس دبقا أو متماسكا، ورغم ذلك فإن الورق مادة متماسكة يمكن أن تقطع وتمزق، فتحاكي وتكاد تنافس جلد الحيوان أو أغشيته أو ورق النبات، وما إلى ذلك من النواتج الطبيعية، وهو ليس هشا كالزجاج ولا منسوجا كالقماش، وله بالتأكيد ألياف ولكن ليس له خيوط محددة، شأنه شأن المواد الطبيعية تماما؛ ولذا فالورق لا يشبه المواد الصناعية الأخرى من قريب أو بعيد، وإنما هو فريد كل الفرادة، ومن المؤكد أن الضروب الأفضل من المواد الصناعية هي إما تلك التي تحاكي الطبيعة محاكاة وثيقة، وإما تلك التي تهيمن عليها وتغير مسارها.
مرة ثانية، بين شواهد فطن الإنسان ويديه يجب ألا نستهين بالخدع والألعاب السحرية، فرغم أنها تلهيات عابثة وغير ذات جدوى، إلا أنها قد تقدم معلومات ذات قيمة.
وأخيرا فإن مسائل الخرافة والسحر (بالمعنى الشائع للكلمة ) ينبغي ألا نغفلها كليا، فمثل هذه الأشياء مطمورة عميقا تحت ركام هائل من الزيف والخرافات، ولكن يظل على المرء أن ينظر فيها قليلا ليرى هل ثمة عملية طبيعية ما تقبع كامنة في أي منها، مثلما هو الحال في الرقى وفي تقوية الخيال وتوافق الأشياء عن بعد، وانتقال الانطباعات من روح لروح مثلما تنتقل من جسم لجسم وما إلى ذلك. ••• (32) من الواضح مما قيل أن الفئات الخمس الأخيرة من الشواهد (أي شواهد التشابه والشواهد الفريدة وشواهد الانحراف والشواهد الحدية وشواهد القوة) ينبغي ألا ترجأ حتى نكون بصدد بحث طبيعة معينة (مثلما ينبغي للشواهد الأخرى التي وضعتها أولا وأغلب الشواهد التي تليها) بل ينبغي البدء فورا بمجموعة منها كنوع من التاريخ الخاص؛ لأنها تساعد على تنظيم المادة التي تدخل الذهن، وتصوب عادته الفاسدة، إذ إنه بالضرورة مشرب بالانطباعات اليومية والاعتيادية ومفسد بها ومنحرف ومشوه.
علينا أن نستخدم هذه الشواهد كإعداد مبدئي لتصويب الذهن وتطهيره، فكل ما يصرف الذهن عن الأشياء المعتادة من شأنه أن يسوي ويصقل سطحه لتلقي الضياء الصريح الصافي للأفكار الصادقة.
مثل هذه الشواهد أيضا تمهد وتعبد الطريق الذي يؤدي إلى تطبيق عملي، كما سوف يتبين في موضعه عندما أعرض للحديث عن الاستنباطات المؤدية إلى ممارسة عملية (الاستنباطات العملية).
48 ••• (33) في المرتبة الحادية عشرة من شواهد الامتياز سأضع «شواهد الصحبة والعداء»
instances of accompanying and enmity
Halaman tidak diketahui