Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Genre-genre
لحظات «بيكونية» تهيب بالعقول الشريفة أن تنفض عنها أوهام الماضي، وألا تتمادى في تجريب المجرب، وألا تعرف للفكر الميت إلا كرامة واحدة، الدفن.
التقدم البشري كله يمكن أن يرد إلى هذه اللحظات الفذة التي تطفر فيها العقول الجسورة؛ لكي تخرج من كهفها الآسن، وتتلقى إبر النور، ولا تجعل بينها وبين الطبيعة وسطاء يدعون وصلا بليلى، ولا بينها وبين الواقع حجبا من الكتب المغبرة التي تنقل السل ولا تنقل الحقيقة.
فإلى هذه العقول الفتية الباسلة أقدم لهم إمامهم فرنسيس بيكون في هذا النص الشهير من عيون الفكر الغربي.
عادل مصطفى
17 / 3 / 2012
تصدير
أولئك الذين تصدوا للإفتاء في شأن الطبيعة وكأن أمرها محسوم ومفروغ منه - سواء كان ذلك عن ثقة ساذجة بالنفس أو عن تقعر أكاديمي - أولئك قد ألحقوا بالفلسفة وبالعلوم أشد الضرر، لقد نجحوا في خنق البحث وإغلاق باب التساؤل بقدر نجاحهم في نشر رأيهم وكسب الآخرين إليه، ولم تؤت جهودهم ذاتها من شيء يعوض ما جنت أيديهم بإخماد جهود غيرهم وإفسادها، أما أولئك الذين اتخذوا اتجاها معاكسا وقالوا باستحالة معرفة أي شيء، سواء عقدوا هذا الرأي من جراء بغضهم لقدامى السوفسطائيين أو من جراء تردد العقل أو حتى من فرط المعرفة، فمن المؤكد أنهم قدموا لذلك أسبابا لا يستهان بها، إلا أنهم لم يصدروا في رأيهم من مقدمات صحيحة، ولم ينتهوا إلى استنتاجات منصفة، فقد جرفهم الحماس والتكلف بعيدا عن كل حدود الاعتدال والقصد. أما اليونانيون الأقدم (الذين ضاعت كتاباتهم) فقد اتخذوا موقفا أكثر حصافة بين هذين الطرفين - بين التوقح الدوجماطيقي واليأس الارتيابي ... بين التجرؤ بالإفتاء في كل شيء واليأس من معرفة أي شيء - وبرغم شكواهم الكثيرة المريرة من مصاعب البحث وغموض الأشياء فقد ظلوا قابضين على الجمر
1
مواصلين مسعاهم ومشتبكين مع الطبيعة، وقد ارتأوا، فيما يبدو، أن أفضل طريقة لحسم هذه المسألة ذاتها - مسألة إمكان المعرفة - هي المحاولة لا المجادلة، غير أنهم هم أيضا اتكئوا على قوة أفهامهم وحدها، فلم يبتنوا قواعد محددة، وعولوا في كل شيء على حدة الذهن وعلى النشاط العقلي الدائب والمتصل.
إن منهجي، على الرغم من صعوبته في التطبيق، سهل في الشرح، منهجي هو أن نرسي درجات متزايدة من اليقين ... أن نستمر في الأخذ بشهادة الحواس، ونساعدها ونحصنها بنوع من التصويب، ولكن نرفض، بصفة عامة، العملية العقلية التي تتلو الإحساس، بل نفتح مسارا جديدا للعقل أكثر وثوقا يبدأ مباشرة من الإدراكات الحقيقية الأولى للحواس نفسها. كانت هذه بدون شك وجهة أولئك الذين أولوا المنطق دورا كبيرا، فمن الواضح أنهم كانوا يبحثون عن نوع من الدعم للعقل، ولا يأمنون لعملياته الطبيعية التلقائية، غير أن هذا العلاج يأتي متأخرا جدا بعد أن استفحل الداء وضاع كل شيء، وأصبح العقل من خلال عادات الحياة اليومية ومداولاتها محشوا بمذاهب فاسدة وأوهام فارغة، هنالك يسهم فن المنطق، الذي وصل للإنقاذ متأخرا وسقط في يده، يسهم في تثبيت الأخطاء لا في كشف الحقيقة،
Halaman tidak diketahui