فسكت إيليا أيضا.
غير أنه رأى أنه لا بد من الكلام، ففكر في ماذا يقول، وإذ وجد ضالته أجاب متلجلجا: يا سيدتي، إنني بعد أن اطمأن قلبي ووجدتك سالمة في حي العرب ذهب خوفي عليك، وأعدت قراءة كتابك الذي تعرفينه فرأيت من واجباتي الابتعاد عنك امتثالا لإرادتك.
ولكن إيليا لم ينطق بهذا الكلام حتى سمع صائحا يصيح من وراء خيمة كانت قريبة منه، ويقول بغضب: «هذا كذب محض فلماذا لا تقول الصدق؟»
فالتفت إيليا وأستير فأبصرا أرميا.
ذلك أن المعتوه كان مختبئا وراء تلك الخيمة يسمع حديثهما. فلما رأى أن إيليا وأستير يتدرجان في حديث لطيف إلى عواطفهما القديمة خاف أن يعود إيليا إلى أستير، ويضرب صفحا عن حالة أبيها، ولذلك ثار من مكمنه كذئب كاسر وقطع حديثهما.
فلما رآه إيليا، وسمع قوله، ازداد وجهه اصفرارا، فغضب وصاح به: «ما شأنك يا أبله؟ اذهب في سبيلك».
فبهذا أخطأ إيليا خطأ عظيما؛ لأنه زاد رغبة المعتوه في الانتقام منه وإيذائه إبعادا له عن أستير. فصاح أرميا بغضب شديد: إذا كنت أنا أبله فأنت كاذب لئيم لا تستحق شعرة من رأس هذه الفتاة. اسمعي يا أستير لأخبرك الحقيقة. إن هذا الشاب يحتقرك، وقد تركك لاعتقاده بأنك ابنة جاسوس دنيء باع شرفه للعرب، وهذا ما فهمته منه يوم تركه معسكر العرب ودخوله إلى المدينة.
فلما سمعت أستير هذا الكلام صاحت صيحة من أعماق صدرها، وسقطت مغشيا عليها.
فخرج الناس من خيامهم لهذا الصراخ، وأسرع أبو الفتاة على صوتها، ولما رأوها في تلك الحالة نقلوها إلى خيمة قريبة لمعالجتها، وأبوها يبكي، ويسأل ماذا أصابها؟
أما إيليا فإنه كان في أشد حالات الاضطراب، فطلب من رفيقه القس الترجمان أن يقبض على أرميا؛ لمعاقبته على افترائه عليه. فتملص أرميا من القس، وصار يضربه، ويهجم على الاثنين صائحا بجنون: أنا لست منكم، أنا عرب عرب، لقد صرت مسلما، دعوني وشأني؛ فإنني لا أعرفكم.
Halaman tidak diketahui