عليه، فأذن لي، فدخلت فإذا هو في شملة (١) يخلط بزرا لعنز له حلوب، فخبّرته بمجتمع الناس، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصّحفة، وصاح: يا جارية، غدّينا. فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني، فقذرته أن آكل معه (٢)، حتى إذا قضى من أكله، وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني ماء. فأتته بماء، فشربه، ومسح فضله على وجهه، ثمّ قال: الحمد لله ماء الفرات، بتمر البصرة، وزيت الشّام، متى نؤدّي شكر هذه النعمة! ثمّ قال: عليّ بردائي. فأتته برداء عدنيّ فارتدى به على تلك الشّملة.
قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحا لزيّه، فلمّا دخل المسجد صلّى ركعتين، ثمّ مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة (٣) إلاّ حلّت إعظاما له، ثمّ جلس فتحمّل جميع ما كان بين الأحياء (٤) في ماله، وانصرف.
٥٤ - وقال بعض الحكماء: إنّ عندنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري ما نشكر له: جميل ما نشر، أم قبيح ما ستر، أم عظيم ما أبلى، أم كثير ما أعفى؟
_________
= وهو صغير. انظر أسد الغابة ٣/ ٤٠. وكتب في الهامش: في نسخة القعقاع.
(١) الشّملة: كساء دون القطيفة، أو مئزر من صوف وشعر يؤتزر به. اللسان (شمل).
(٢) في الهامش: وفي المستجاد: قال: فدعاني لآكل معه، فوافقته حتى قضى إربه من الأكل-وفي المطبوع من المستجاد ٢٠٩: فدعاني لآكل معه فأكلت. وفي نسخة (ز) من المستجاد: فاستقذرته؛ فامتنعت.
(٣) احتبى بالثوب اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.
(٤) في الهامش كتب ما نصّه: بين الحيين من الديات، ونهض وهو سيد القوم لفعله.
1 / 39