94

Unnamed Book

دروس للشيخ صالح بن حميد

Genre-genre

الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الحمد لله مُوْلِي النعم، وصارف النقم، أحمده سبحانه وأشكره، ذو الجود والكرم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، ذو الشرف الأسمى، والمقام الأعظم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الأمجاد والشيم، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، وإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة، بهذا جاءت الأخبار عن نبيكم محمدٍ ﷺ. أيها الإخوة: إن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر والرضا بأقدار الله؛ فيعقوب ﵇ تدرَّع في بلواه في حالَيه بالصبر الجميل، فقال في الأولى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف:١٨] وقال في الثانية: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ [يوسف:٨٣] وهو الذي قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف:٨٦]. ونبي الله أيوب ﵇ قال الله عنه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٣] فجاءه الغوث الرباني: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ [الأنبياء:٨٤] كما جاء الثناء العلوي: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص:٤٤]. والمذموم -أيها الإخوة- هو شكوى الله وليس الشكوى إلى الله، فمن ابتغى الرضا ورام السعادة فليُعِدَّ لتقلبات الأحداث وتغير الأحوال قلبًا صبورًا ولسانًا لربه ذكورًا، فالكرام هم الأصبر نفوسًا، ولقد فاز الصابرون بعز الدارَين: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:١٠] ولهم من الله معيته: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال:٤٦] وأكرمهم المولى بمحبته: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٦]. جعلنا الله وإياكم ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فتلكم هي عنوان السعادة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:٢٠٠]. عباد الله: ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم جلَّ في علاه، فقال عز من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والمرحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقية العشرة، وأصحاب بدر والشجرة، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق يا رب العالمين! اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ ﷺ، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين! اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير، وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم. اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل بأسهم بينهم، وأنزل بهم غضبك ورجزك يا إله الحق! اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين! اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

6 / 9