Umara Bayan
أمراء البيان
Genre-genre
[78_2]
إملال من سجع وترصيع، إنشاء يسير مع الطبع، ومع الطباع التي توائم أهل الحضارة، ممن يفصلون ويتوسعون، ويعيدون ويبدون، ومقاصدهم تحوم حول التأثير في أذهان السامعين والقارئين، وبلوغ الغاية من تأليف الدول وانتظام الجماعة؛ ولم تكن هذه الطريقة في الكتابة، فيما بلغنا، مألوفة في عامة دور الأمويين لأن هؤلاء عرب أقحاح، وكتابهم على شاكلتهم، يحاولون بالإيجاز في مكتوباتهم، أن يتركوا للقارئ شيئا من المعاني يفسرها بما يريد، ويمتعوه بشيء من الحرية، ينطلق فيها على ما يرى فيه المصلحة، فيكون لديه المختصرات، والتفاصيل من المطولات تفهم بذاتها.
اقتبس عبد الحميد هذه الطريقة من الأمم المجاورة وخاصة الفرس، ممن لم تكن حضارتهم حضارة ابتدائية كالعرب، بل فيها المطول المسهب، والمتشعب المتعب. ولقد احتاج العرب بعد توسعهم في الملك، إلى تقرير المسائل على جليتها لا يعتروها لبس ولا إشكال، ومن مواجب الحضارة الإسهاب، ومن دواعي البداوة الاقتضاب؛ فعبد الحميد إذا تشبع بروح الدولة وروح حضارتها التي بلغت في أيامه أعلى قممها، ورسم ببراعته صورة ما أحاط به واقتضاه الحال، ولو حاول - وقد بلغت الأمة ما بلغته من درجات التقدم في كل شأن من شؤون المجتمع - أن يعود بالكتابة إلى إيجازها القديم، لما أفاد جديدا، ولما رجع ذلك الصدى في سلطان دولته، صورة ما أحاط به واقتضاه الحال، ولو حاول وقد بلغت الأمة ما بلغته ولما وصف محيطه حق وصفه. ومن الصعب أن يتعدى المرء حدود البيئة، ولا عليه فيما أتاه ما دامت حال الدولة تتطلب التوسع في الخطى إلى الأمام، وأن تجدد أوضاعها على ما توجبه الحال، وطبيعة الملك والحضارة، على أن لا يهدم في عمله أصلا من الأصول القديمة؛ وفي هذا كان جماع المكانة التي بلغها عبد الحميد بإنشائه، فهو مخترع طريقة ، وكاتب وصاف على الحقيقة، استجمع شروط
Halaman 78