Umara Bayan
أمراء البيان
Genre-genre
[182_2]
يجمع مثل هذه الثروة العظيمة، وهو مقيد بخدمة الدولة؛ لا يعمل فيما يجهد له الناس في الجمع ليكون عض مال حسن القومة عليه. فالجواب أن الخلفاء كانوا يقطعون رجال دولتهم الولايات العظيمة، وربما نزلوا لهم عن خراجها السنة أو السنين، ويهبون لهم من ضروب العطايا من ناطق وصامت، وعقار ومتاع ما يتأثلون به والدولة التي قدرت مساحة ممالكها بنحو مساحة قارة أوربا اليوم، وضمت جميع الأقطار العامرة في آسيا وإفريقية، إذا جمعت جميع دخلها الذي لا تحتاج إليه، تقف الحركة الاقتصادية في البلاد لا محالة، فترى من الحكمة أن تنتقل الثروة في الأيدي، وما كانت الدولة في الحقيقة تحتاج يومئذ إلى نفقات كبيرة لإطعام الجيوش وإعداد الأساطيل وتجهيزها بالمدمرات والمهلكات شأن دول عصرنا.
ولقائل ممن تشبع بروحه الديمقراطية في هذا العصر أن يقول: وهل هذا هو المعقول في قيام الملك من الإفراط في الإفضال على أفراد يسوغون جباية قطر أو أقطار صبرة واحدة وهي تجمع بالدانق والدرهم. وهل بمثل هذا نجح الخلفاء الأول أو أرباب الدول الغربية لعهدنا. فالجواب أن طبيعة القرن الثاني والثالث غير طبيعة القرن الأول، وهذان القرنان الأخيران لا يشبهان بحال قرون البشر منذ عشرة قرون، خصوصا إذا وضعنا موضع النظر أيضا اتساع رقعة الملك، وعمران العراق وحده دع غيره من الأقطار، فان كل هذا أعظم حامل على البذل، ولهذا كان للخلفاء في هذا العطاء بعض مبرر لأعمالهم، وإن كان لا مبرر من إسراف، لكن حالة العمران اقتضت ذلك في الدهر السالف؛ وكان الأولى أن يعمدوا إلى القصد في الأخذ والقصد في العطاء، ويقيموا بما يفضل المصانع والمعالم في أرجاء المملكة. والمنصف يقول إن هذا النظام البديع في تنظيم الموازنات هو وليد العصور الجديدة، وهذا التقدير وهذا التقتير حتى في التافه
Halaman 182