Umara Bayan
أمراء البيان
Genre-genre
[138_2]
إن رجلا يفضله الجاحظ، ويصف براعته وحصافته، ويحكي عنه في كتبه، ويظهر إعجابه به إذا ذكر، ويروي حديثه ومجالسه، وهو ولا شك المثل الأعلى في صنوف العلم والآداب، بلغت الذروة فيما تفرد به، واشتهر بمعرفته، وكان أهل عصره مجمعين على الإقرار بفضله، قلما يداخلهم الحسد له. كان نسيج وحده في فنه، نابغة في العلم الذي يمت به، وناهيك بعالم كبير كالجاحظ، وهو في البلاغة يجري مع سهل كفرسي رهان، وفي العقل المثل المضروب أنه كان يؤلف الكتاب فينسبه إلى نفسه، فلا يرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تيمم نحوه، ثم يولف كما قال عن نفسه ما هو أنقص منه مرتبة، وأقل فائدة، فينحله عبد الله بن المقفع أو سهم بن هارون أو غيرهما من المتقدمين، ومن طارت أسماؤهم في المصنفين، فيقبلون على كتبها، ويسارعون إلى نسخها.
وطريقة سهل في كتابته لا تكلف فيها، ولا يشاهد فيها الناقد أثر التعمل، فهو وأبن المقفع والجاحظ من غرار واحد. وقيل: إن سهلا كاتب سلاطين، والجاحظ مؤلف دواوين. وكأن كلامه نغمة موسيقية، تعرف انتهاء جملته من رنتها بعد أن ملكت عليك مشاعرك، وأدخلت السرور على نفسك، لا يحفل بالأسجاع إلا إذا جاءت عفو الخاطر، ولا يتعمد الجزالة إلا إذا اقتضى الموضوع ذلك، وقلما خلا قوله من نكتة تحمد له وتحمل عنه. وكأنك في إنشاء سهل تقرأ المعنى قبل اللفظ، وما تنفع القوالب إذا لم يكن علم الكتاب يملى، والمظاهر والدساتير مستملية. ففي أسلوبه تقرأ لتتعلم، وفي كثير غيره تقرأ ألفاظا جميلة، وقوالب محكمة. وفي كلمة الطيب تقع على إشباع المعاني، وتقطيع الجمل، والإبلاغ في المزاوجة بين الكلمات ليتأثر السامع، وتفعل البلاغة فعلها في نفسك من طريق الإقناع والبرهان، لا من مجرى التقفية والزخرف، وتوازن الكلمات ورنة الفقرات.
كان سهل يقول الشعر، وأكثر شعره مما أملاه قلبه، في غرض خاص من
Halaman 138