136

[135_2]

قيل أن سهل بن هارون كان شيعيا، وشيعة العراق في زمنه كانوا على الإطلاق معتزلة، ولم يؤثر عنه أن تنقص أحدا من الصحابة الكرام، وعرف بالاعتدال مع الأموات اعتداله مع الأحياء، وما أثر عنه أنه خاض غمار مباحث الكلام التي كانت على أشد حرارتها إذ ذاك، ولا سيما في البصرة وبغداد دار السلام. واتهموه بأنه كان من الشعوبيين الذين يصغرون شأن العرب، ولا يرون لهم على العجم فضلا، والشعوبي منسوب إلى قوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وذهب الشعوبية نشأ على الأرجح بعيد عصر الخلفاء باشتداد قوة التجاذب والتدافع بين أرباب العصبيات، وكان من أثر ذلك التفاخر بالجنس الذي جاء الإسلام بأبطاله. ولو كان للجنس يفضل المرء في الأمة، ما نزل سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي من الرسول تلك المنزلة العالية. والدين لا يفاضل إلا بالتقوى.

إذا عرفت هذا فادفع عن سهل دعوى الشعوبية غير خائف ولا متلجلج، فاعتداله يمنعه إلا أن يقدر لكل عنصر خصائصه، وهو لم يعد رجلا مذكورا إلا بالإسلام، والأخذ عن علماء العرب، ورقي في مظاهر الدنيا حتى وصل إلى أعظم خلفاء العباسيين هارون الرشيد وعبد الله المأمون. وصار أحد أئمة البيان والحكمة في الأمة العربية، ودعي لحكمته وعقله بزرجمهر الإسلام وبزرجمهر وزير أنوشروان العادل، من الملوك آل ساسان، اشتهر بالعدل والحكمة.

وصفه الجاحظ فقال: كان سهلا في نفسه، عشيق الوجه، حسن الشارة، بعيدا عن الفدامة، معتدل القامة، مقبول الصورة، يقضي له بالحكمة قبل الخبرة، وبرقة الذهن قبل المخاطبة، وبدقة المذهب قبل الامتحان، وبالنبل قبل التكشف. وكان الجاحظ مازجه وثافنه. وقيل للحراني، ولعله إبراهيم بن ذكوان كاتب الهادي ووزيره: بينك وبين سهل ابن هارون صداقة فانعته لنا كي نعرف، فقال: هو

Halaman 135