Umara Bayan
أمراء البيان
Genre-genre
[129_2]
اختلاف هذه الأحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء والفروج والأموال، فيستحيل الدم والفرج بالحيرة، وهما يحرمان بالكوفة، ويكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحيل في ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى، غير أنه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم وحرمهم، يقضي به قضاة جائز أمرهم وحكمهم، مع أنه ليس مما ينظر في ذلك من أهل العراق وأهل الحجاز فريق إلا قد لج بهم العجب بما في أيديهم، والاستخفاف ممن سواهم، فأقحمهم ذلك في الأمور التي يشنع بها من سمعها من ذوي الألباب. أما من يدعي لزوم السنة منهم، فيجعل ما ليس له سنة سنة، حتى يبلغ ذلك به إلى أن يسفك الدم بغير بينة ولا حجة، على الأمر الذي يزعم أنه سنة. وإذا سئل عن ذلك لم يستطيع أن يقول هريق فيه دم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أئمة الهدى من بعده، وإذا قيل له أي دم سفك على هذه السنة التي تزعمون قالوا: فعل ذلك عبد الملك ابن مروان، أو أمير من بعض أولئك الأمراء؛ وأما من يأخذ بالرأي فيبلغ به الاعتزام على رأيه أن يقول في الأمر الجسيم من أمر المسلمين قولا لا يوافقه عليه أحد من المسلمين، ثم لا يستوحش لانفراده بذلك وإمضائه الحكم عليه، وهو مقر أنه رأى لا يحتج بكتاب ولا سنة، فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع إليه في كتاب، وليرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة أو قياس، ثم نظر أمير المؤمنين في ذلك وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويعزم له عليه، وينهي عن القضاء بخلافه، وكتب بذلك كتابا جامعا، لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحدا صوابا؛ ورجونا أن يكون اجتماع السير قربة لإجماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه، ثم يكون ذلك من إمام آخر، آخر الدهر إن شاء الله.
والرسالة كلها على هذا النحو لم يترك فيها ابن المقفع معنى يستفيد منه الخليفة في
Halaman 129