176

فلما سمع ابن ألكينوس الكريم هذا، تقدم ووقف في الوسط وتحدث إلى أوديسيوس قائلا: «وأنت سيدي الغريب، ألا تجرب حظك في المباريات ، إن كنت تجيد شيئا منها؟ لا بد أنك تعرف المباريات؛ فلا شيء يزيد المرء مجدا في حياته أكثر من ربحه بيديه وقدميه. تعال يا سيدي، جرب واطرد الهم عن قلبك، فلن تتأخر رحلتك بعد الآن طويلا. كلا؛ فقد أنزلت سفينتك إلى اليم، والبحارة مستعدون.»

عندئذ أجابه أوديسيوس الكثير الحيل، بقوله: «لم تسخر مني، يا لاوداماس بهذا التحدي؟ إن الحزن ليملأ قلبي أكثر من المباريات؛ حيث إنني، فيما مضى عانيت الأهوال، وقاسيت الكثير، والآن أجلس في وسط هذا الملأ، متلهفا إلى عودتي لوطني، متوسلا إلى الملك، وإلى جميع الشعب.»

فما كان من يوروالوس، الآن، إلا أن عيره في وجهه، قائلا: «أيها الغريب، إنني لا أشبهك، حقا، بالرجل الماهر في المباريات، كمن يشتهرون بين الرجال، ولكن بمن يسير جيئة وذهابا بسفينته ذات المقاعد، ونعتبره ربانا على البحارة التجار، ذلك الذي يفكر في بضائعه، ولا يهتم إلا بالسلع التي يحملها إلى وطنه، وبأرباح جشعة، لا يبدو عليك أي شبه بالرجل الرياضي.»

أوديسيوس يشترك في المباريات

قطب أوديسيوس كثير الحيل ما بين حاجبيه وحدجه بنظرة غاضبة، قائلا: «أيها الغريب، إنك لم تحسن القول، وأشبه ما تكون بالأعمى في حماقته. لا شك أن الآلهة لا تقسم المواهب بالعدل بين الناس، لا في الهيئة، ولا العقل، ولا الفصاحة؛ فقد يكون الرجل أقل من غيره جمالا، فيضع الرب على نطقه تاجا

4

من الجمال، فيروق في نظر الناس، ويعلو قدره وهو يتكلم بينهم بلا خطأ، وبتواضع مقبول، فتشرئب إليه أعناق الملأ الحاضر، وكلما سار خلال المدينة تطلع إليه القوم كما يتطلعون إلى إله. كما أن هناك رجلا يشبه الخالدين جمالا، ولا تتحلى ألفاظه بتاج من الجمال. هذا حالك؛ فإنك رائع الحسن، بحيث لا يستطيع أي إله أن يصلح فيه شيئا، ولكنك خامل العقل. لقد أفزعت روحي في صدري، بعدم لياقتك في الحديث. إنه لا تعوزني المهارة في المباريات كما تقول. وأعتقد أنني كنت من الأوائل في أيام شبابي وقوة يدي. بيد أن الأهوال والآلام قيدتني الآن؛ إذ عانيت كثيرا بالاشتراك طويلا في حروب الرجال، وبمقاومة اللجج العتيدة. بيد أنه رغم أنني قد تكبدت الكثير، فسأجرب حظي في المباريات؛ لأن كلمتك هذه قد وخزتني في قلبي، وأثارني حديثك.»

فوز أوديسيوس في رمي الجلة

ما إن قال أوديسيوس هذا، حتى وثب من مكانه، وهو ملتف بعباءته كما كان، وأمسك بجلة أكبر وأغلظ من سائر الجلل، ولا تقل بحال ما، عن أعظم ثقل اعتاد الفياكيون أن يتنافسوا بقذفه، فيما بينهم. أمسك تلك الجلة، وبرمية أرسل بها بعيدا، من يده القوية، فأحدثت الصخرة دويا وهي تطير فوق رءوس الجمع، حتى إنهم انبطحوا أرضا؛ انبطح الفياكيون ذوو المجاذيف الطويلة، أولئك الرجال المشهورون بسفنهم، تحت هجمة الصخرة. وإلى أبعد من مدى الجميع، طارت مسرعة بخفة من يده، وجاءت أثينا في صورة رجل، ووضعت علامة المدى بيدها، وخاطبته بقولها: «حتى الأعمى، أيها الغريب يستطيع أن يميز هذه العلامة، وهو يبحث عنها، متحسسا إياها بيديه؛ لأنها ليست بأية حال قريبة من علامات الآخرين، بل هي أبعد منها جميعا، بمراحل. إذن فلا أقل من أن تطيب خاطرا بهذا الفوز؛ إذ لن يصل أي فرد من الفياكيين إلى هذا المدى، أو يقذف إلى أبعد منه.»

وأمسك بجلة أكبر وأغلظ من سائل الجلل.

Halaman tidak diketahui