Sasterawan Arab di Zaman Jahiliah dan Awal Islam
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
Genre-genre
وقلما وجدنا المدح الديني في الشعر الجاهلي؛ لأن التقوى لم تكن من الفضائل التي يفاخرون بها ويمدحون بها، فقد كان الدين ضعيفا في نفوسهم فما يذكرون الله إلا في الحلف لتوكيد كلامهم، ولا يلمحون شطر أصنامهم إلا عرضا لبداوتهم وترحلهم وبعدهم عن بيوتها. وإذا سمعنا النابغة يمدح الغساسنة بدينهم، ويصف موكبهم يوم الشعانين، فلأنهم كانوا مسيحيين يباهون بديانتهم ويتمسكون بعقائدهم. فهل كان هرم بن سنان مسيحيا ليصفه زهير بالتقوى، ويجعل له الكرامة عند الله؟ أم هل كان زهير من أولئك العرب الذين تأثروا بالنصرانية التي تسربت في الصحراء وانتحلتها جماعات من مختلف القبائل، فجعل الدين والتقوى من الصفات التي يحمدها في ممدوحه؟ وليست هذه الظاهرة وحيدة في شعره، فإن له أمثالها في معلقته وغير معلقته تدل على ما للدين من خطر في نفسه، حتى مال بعضهم إلى الشك فيها، وأبى نسبتها إليه، مع أن هذا لا يدعو إلى العجب بالإضافة إلى تعاقل زهير وحكمته وحسن بصره بالأمور، فغير بعيد أن يصل أشباهه إلى معرفة الله والإيمان بالآخرة والثواب والعقاب عن طريق المسيحية أو اليهودية، وهما غير مجهولتين في جزيرة العرب.
51
فإذا بلغ زهير في تقصي الصفات المحمودة فإنه يبرأ من الكذب والغلو المذموم. وكثيرا ما يمدح الرجل بذكر أعماله فيسردها على طريقته القصصية ويجعلها شواهد ناطقة بحسن خلال ممدوحه. فإنه في مدحه هرم بن سنان والحارث بن عوف، قص خبر سعيهما للصلح، وكيف نجما الديات دون أن يشتركا في الحرب، حتى بلغا مأربهما وأصلحا بين المتحاربين . فكان في إخباره عنهما مادحا لهما بمساعيهما دون جنوح إلى الخيال المفرط ، فالحقائق الناصعة هي التي تتكلم وترفع شأن ممدوحيه. وهذا الأسلوب الخبري يجعلك لا تستنكر ما يقول الشاعر في ممدوحه، ولا تعزوه إلى الغلو والإفراط. فمدائح زهير هي خير ما وصل إلينا عن الجاهلية من الإشادة بسادات القبيلة، والعناية بشئونها السياسية وأحوالها الداخلية والخارجية. (3-4) السياسة الخارجية
لم يقتصر شعر زهير على مدح السادات والفرسان، وذكر سياستهم الداخلية في إدارة شئون القبيلة، وفض مشاكلها في أنديتهم، وإطعام فقرائها في السنة الشهباء، وإيقاد نارهم للضيوف الذين ينزلون عليها، ونصرة بعضهم لبعض في المغارم والمغانم؛ بل توفر أيضا على شئونها الخارجية التي تتناول القبائل القريبة والبعيدة. وقد وقع في زمانه أعظم حادث مر ببني ذبيان، وهو حرب داحس والغبراء، وشهد ما حل بهم من الكوارث الفظيعة. فما كاد يعقد الصلح ويبتعد شبح الموت، حتى عاد خطر الحرب يهدد القبيلتين الغطفانيتين، بعد مقتل رجل عبسي. فنشط إلى تلافي الأمر قبل استفحاله، فوجه معلقته إلى تحسين السلام وتقبيح الحرب. وقد علم أن من الخير لبني ذبيان ألا تعود إلى القتال بعدما خسرت نخبة فرسانها وسادتها، وهاله أن تعاودها الويلات بعد انقشاع غمائمها المظلمة. فهب يدعو المتحاربين إلى الوفاء بعهد الصلح، مذكرا إياهم ما لقوا من المصائب في تقاتلهم، مخالفا رأي من يبغي الحرب أمثال حصين بن ضمضم، مع أنه من أنسبائه، وفارس مشهور في بني مرة. ولم يحجم عن إلقاء التبعة عليه وحده في مقتل العبسي، متخذا أسلوبا جميلا، منطقي الاتساق، مزيجا من الوعظ والقصص، فبلغ غايته الإنسانية في الدعوة إلى السلم والتحذير من الحرب، وبرأ بني ذبيان من تهمة الغدر والخيانة، وباح باسم القاتل دون أن يخذله. فقد شرع في أول الأمر يذكر ذبيان والأحلاف اليمين التي أقسموها على إبرام الصلح، وخوفهم غضب الله وعقابه إذا كانوا يضمرون الحنث فيها.
52
ولكنه لم يتبسط في تفصيل هذه الفكرة الغيبية. بل انتقل إلى عالم الطبيعة، وهو يعلم أن الصور المحسوسة أبلغ تأثيرا في نفس البدوي المستغرق في ماديته. فطفق يصف فظاعة الحرب ووخيم مغباتها، فوفق لبلوغ مأربه كل التوفيق، وأتى بصور بارزة تتوالى دراكا متفقة على تمثيل الحرب وأهوالها ونتائجها وغلاتها، فكان فيها عنيفا شديدا على رصانته وهدوئه. وما مثله إلا مثل المرشد الحكيم يترفق في نصحه عند صغار الأمور، ويعنف ويقسو عند كبارها.
وكان يعلم أن بني عبس ساخطون على بني مرة لمقتل صاحبهم بعد عقد الصلح، يتهمونهم بالخيانة ويرصدون الشر للسيدين المصلحين، فأظهر براءة القبيلة من هذه الخيانة، وأخبر أن القاتل ابن ضمضم أقدم عليها، ولم يخبر جمهرة قومه، فهو مسئول عنها دون غيره. بيد أنه لم يشأ خذله وإطماع الأعداء فيه، وإنما أراد تبرئة قبيلته من ظنة الحنث والغدر؛ لئلا يتسع الخرق فلا يصلح الأمر بعده أبدا. فما كاد يتهمه حتى اندفع يذكر شجاعته وجرأته وإقدامه، وأن وراءه ألف فارس يحاربون معه ويشدون أزره.
وتتبع تبرئة بني مرة - ولا سيما السيدين اللذين أصلحا بين المحتربين - فأورد أسماء فرسان من بني عبس قتلوا في معامع السباق، وقال للعبسيين: إن الذين تحملوا الديات من أجل الصلح لم يشاركوا في دماء هؤلاء القتلى، فكيف تتهمونهم الآن، وتأخذونهم بجريرة غيرهم؟ ولم يغفل أن يفهم بني عبس أن سادات غيظ بن مرة عزيزو الجانب لا يدرك الموتور ثأره منهم، وإذا جنى أحدهم جناية، لا يسلمونه ولا يخذلونه، وكأنه يشير هنا إلى جناية حصين بن ضمضم:
كرام فلا ذو الضغن يدرك وتره
ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
Halaman tidak diketahui