Warisan dan Pembaharuan: Pendirian Kami Terhadap Warisan Lama
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Genre-genre
أما ما يسمى بلغة العصر «العلوم الإنسانية» فهي أيضا مستقلة عن العلوم الدينية العقلية الأربعة حسب نوعية كل منها؛ فالجغرافيا مثلا كما وضحت عند الإدريسي وغيره من الجغرافيين المسلمين مستقلة نسبيا من العلوم الدينية العقلية، ولو أننا نستطيع أن نجد البواعث عليها من توجيهات الوحي العامة لاكتشاف الأرض والسياحة فيها، والتأمل في السماء، والاهتداء بنجومها، وكثيرا ما يتحدث الوحي عن المطر، والجبال، والأنهار، والزرع، والأشجار، والريح، والدواب، وهي كلها موضوعات في الجغرافيا بأنواعها المتعددة وفروعها المختلفة، أما التاريخ فإن الوحي يشير إليه باستمرار لا سيما وأن الوحي نفسه نظرية في تطور التاريخ وحركته كما هو واضح في قصص الأنبياء ، ويحتوي على وصف لتطور التاريخ وتتابع الأمم وأسباب قيامها وسقوطها، وقد كان الوحي بالفعل أساسيا عند المؤرخين المسلمين في الاستشهاد به، وبالاعتماد على قوانينه، وفي توجيه حوادث التاريخ به، ويمكن القول بالمثل في علوم اللغة والأدب، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الأخلاق، وعلم القانون، وعلم السياسة، وعلم الاقتصاد، وعلم المنطق، وعلم الجمال، كلها علوم مرتبطة بالوحي وإن لم تظهر كعلوم مستقلة مثل العلوم الدينية الأربعة المذكورة، بل إن كثيرا من هذه العلوم قد تدخل في أحد العلوم الأربعة؛ فالمنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع يدخل في الفلسفة، وعلم السياسة وعلم الاقتصاد يدخل في الفقه، وعلم الجمال أدخل في الأدب وفنون الشعر والنثر والخطابة، وهي أيضا فنون ارتبطت بالوحي لا سيما أن الوحي ذاته نظرية في الفن بالإضافة إلى أنه عمل فني، وتكون مهمتنا نحن في وصف الوحي باعتباره علما كليا يشمل كل هذه العلوم، وإرجاع هذه العلوم الإنسانية إلى مصدرها في الوحي، ويكون الوحي بالتالي هو العلم الإنساني الشامل.
أما العلوم الدينية التي قامت من أجل ضبط الوحي كتابة فهي علوم مؤقتة تنتهي بانتهاء دورها مثل علوم القرآن والحديث، فهي مرتبطة بالأصول ذاتها، وتحرص على بقائها في كليتها بعيدا عن التحريف واللحن؛ فهناك علم القراءات واللهجات الذي نشأ من أجل ضبط قراءة النص، وعلم الحديث الذي نشأ من أجل ضبط الرواية، وهي علوم انتهت بانتهاء مهمتها أو باقية ببقاء مناهج النقل التاريخي وعلوم التاريخ وطرق التوثيق وإن شئنا إقامة علوم أخرى مثل العلوم الإنسانية نظرا لأن الدين يتناول في جميع قضاياه مشاكل من العلوم الإنسانية، بل إن الدين نفسه موضوع للعلم الإنساني، وهو تاريخ الأديان المقارن، وعلم التفسير نشأ من أجل ضبط معاني النصوص والحصول على معاني الوحي طبقا لحاجات كل عصر وبناء على اتجاهات المفسر؛ فهناك التفسيرات اللغوية، والتاريخية، والجغرافية، والفلسفية، والكلامية، والصوفية، والفقهية، وهناك التفسيرات الاجتماعية، والتفسيرات الثورية، والتفسيرات من أجل الإبقاء على الأوضاع القائمة. والتفسير علم متجدد لأنه يعبر عن حاجة كل عصر، وهو مرتبط بعلوم القرآن، ومع ذلك يمكن إعادة بناء العلوم النقلية الخالصة مثل علوم القرآن والتفسير وعلم الحديث والسيرة وعلم الفقه من أجل اكتشاف دلالات جديدة للعلوم القديمة مثل المكي والمدني (التصور والنظام، وأسباب النزول، أولوية الواقع على الفكر)، والناسخ والمنسوخ (الزمان والتطور) أو من أجل إعادة بناء هذه العلوم طبقا لحاجات العصر مثل نقد الحديث من حيث المتن (الاتفاق مع العقل والحس)، وإرجاع السيرة إلى الحديث من أجل القضاء على التشخيص في الوحي، وإعطاء الأولوية لفقه المعاملات على فقه العبادات وتأسيس الدولة الإسلامية. (2) العلوم العقلية باعتبارها ظواهر فكرية
نشأت العلوم الدينية العقلية وتطورت واكتملت داخل الحضارة الإسلامية مكونة جزءا منها في أبنية نظرية يمكن تحديدها بالنسبة إلى الأسس النظرية التي تقوم عليها وتقييمها بالنسبة إلى مصادرها التي نشأت منها أي بالنسبة إلى نصوص الوحي فعندما يتحول النص الديني إلى فكرة والوحي إلى حضارة، تظهر العلوم العقلية كأبنية نظرية تقوم على فهم نظري للوحي ابتداء من تفسير عقلي للنص، فبناء العلوم العقلية يرجع في نشأته وتقييمه إلى مصدره وهو النص الديني، فهذه العلوم ليست مواد تاريخية نشأت من وقائع محددة تتحول إلى موضوعات، ولكنها ظواهر فكرية نشأت في عقول المفكرين،
13
نشأت أولا كظاهرة فكرية في عقل مفكر واحد، عبر عنها في عمل فكري، ثم تلاه آخرون، ينهجون نهجه، ويطورون فكره، ويكملون مادته،
14
العلم العقلي إذن ظاهرة فكرية وليس ظاهرة موضوعية، خرجت من النص الديني عن طريق الفهم والتفسير.
وتخضع هذه الظواهر الفكرية لبعض العمليات العقلية والحضارية التي تحدد طبيعتها وتكوينها، فالظاهرة الفكرية ظاهرة حية بالنسبة للنص نفسه باعتباره موقفا إنسانيا في أصله أو بالنسبة لشعور المفكر الذي تعيش فيه الظاهرة أو بالنسبة للبيئة الثقافية الداخلية أو الخارجية التي يعمل المفكر بها، لها أو ضدها، ففي علم أصول الفقه مثلا تحول النص الديني إلى حكم شرعي عن طريق القياس، وتحول الوحي كله إلى منهج، وفي علم أصول الدين تحول النص إلى معنى عن طريق الفهم أو التفسير، وفي التصوف تحول النص إلى سلوك خلقي عن طريق الزهد والرياضة الروحية، وفي الفلسفة تحول النص إلى نظرة للكون وتصور للعالم لاحتواء نظريات كونية وتصورات للعالم من بيئة ثقافية أخرى، وهذه العمليات إما أغفل الباحثون عنها أو أساءوا فهمها وأصدروا أحكاما تعسفية تهدف إلى إفراغ الظاهرة من مضمونها كما حدث ذلك في الدراسات التي تبنت المنهج التاريخي، مهمة الباحث إذن هو العصور على منطق لهذه العمليات يمكن أن يكون قانونا لهذه الظواهر الفكرية، ويمكن أن يكون عناصر لبعض جوانب المنهج الإسلامي، وهو الهدف الأقصى لكل باحث في العثور عليه، وهو أيضا الهدف الأقصى من «التراث والتجديد» كله، قد تظهر هذه العمليات في أحد العلوم بصورة أوضح مما تظهر في علم آخر، ولكن مهمة الباحث هو تقصي هذه الظواهر في كل علم على حدة، والتعرف على عمليات عامة خضعت لها العلوم كلها بلا استثناء.
فعند المناطقة مثلا سواء كانوا شراحا أم فلاسفة نجد أن هناك عملية معينة سادت تفكيرهم المنطقي بالنسبة للمنطق الأرسطي وهي عملية «الاحتواء»، فالوحي أو النص الديني يحتوي على عناصر ثلاث: الشرعي، والعقلي، والواقعي، الشرعي هو الجديد الذي أتى به الوحي كمعطى قبلي سابق، وقد جاء بناء على دعوة العقل والواقع، ومتكيفا طبقا لهما، والعقلي هو البديهي الذي يرتكز عليه الوحي في العقل الإنساني، والواقعي هي الواقعة التي يرتكز عليها الوحي في العالم خاصة وأن النص أساسا إن هو إلا حل فكري وعملي لموقف معين، وهو ما يسمى «بأسباب النزول»
15
Halaman tidak diketahui