Warisan Klasik: Pengenalan Ringkas
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Genre-genre
هذا التغير في التركيز أدى إلى تغير في نوعية المواقع التي يجري التنقيب بها وإلى تغير في المكتشفات التي يجري حفظها وتحليلها. فمن المرجح بشكل أكبر أن يستكشف الأثريون اليوم المزارع عن أن يستكشفوا المعابد. والمواد التي كان يجري التخلص منها أثناء عملية الحفر صارت اليوم موضوعات ثمينة للدراسة. ويستطيع التحليل الميكروسكوبي لما مر عبر أحشاء البشر والحيوانات، وصولا إلى حفر المخلفات، أن يقدم كل أنواع المعلومات عن النظام الغذائي للسكان ونطاق المحاصيل التي كانوا يزرعونها. أيضا تستطيع شظايا العظام أن تخبرنا ليست فقط بنوعية الحيوانات التي كان يجري تربيتها، وإنما أيضا بالعمر الذي كان يتم فيه ذبح الحيوانات. كل هذا يساعدنا على تكوين صورة أكبر عن الزراعة المحلية، وأن نخرج باستنتاجات ليست فقط بشأن نوعية الطعام الذي كان يستهلك، وإنما أيضا بشأن ما تم بالتأكيد استيراده من الخارج، وأن نقيس المدى الذي ربما تكون التجارة وأرباحها قد مثلت به عنصرا مهما في اقتصاد المنطقة.
تعد مدينة بومبي الرومانية مثالا بارزا على تغير أولويات التنقيب في الموقع الواحد. فمنذ مائة عام ركز الأثريون على الكشف عن المنازل الغنية للمدينة، آملين تحديدا اكتشاف اللوحات والمنحوتات التي كانت تزينها يوما ما. لكن مؤخرا حول الأثريون انتباههم إلى الساحات المفتوحة للمدينة أيضا؛ إلى الحدائق وأسواق الحدائق وبساتينها. وعن طريق صب الجص في الفجوات الموجودة في الحمم البركانية، والتي سببتها جذور الأشجار والنباتات، تمكن الأثريون من التعرف على الأنواع التي كانت تزرع. وهذا يمنحنا، للمرة الأولى، فكرة واضحة عن مظهر الحديقة الرومانية، وعن أنواع الفاكهة والخضراوات المزروعة في الأفنية الرومانية العادية.
إن بعض الأسئلة التي يطرحها الأثريون اليوم أدت بهم إلى التخلي عن عمليات الحفر بصورة تامة؛ فالأسئلة العامة بشأن الكيفية التي كانت تستخدم بها بقاع كاملة من الأرض في العالم القديم، أو بشأن نمط الاستيطان في منطقة ما، لا تجاب من خلال عمليات التنقيب، وإنما من خلال المسح المنهجي للريف المعاصر. تبحث عمليات المسح هذه عن آثار للمهن القديمة لا تزال واضحة فوق الأرض، سواء على صورة آنية فخارية أو عملات قديمة موجودة على السطح، أو أطلال باقية مثل باساي. تتضمن عمليات المسح الميدانية في المعتاد فرقا من الأثريين يمسحون مساحة محددة، في خطوط لا يفصل بينها إلا أمتار قليلة، ويسجلون على الخريطة كل شيء يجدونه. حققت هذه الطريقة نجاحا عظيما في الكشف عن كثافة الاستيطان القديم في مختلف المواقع والمناطق، وكذلك في توثيق التغير في استخدام الأرض، علاوة على اكتشاف مئات من المواقع الريفية المجهولة، المئات حرفيا. لقد كشفت عمليات المسح هذه عن الكثير، لدرجة أن بعضا من أبرز الأثريين يرون الآن أنه، إجمالا، من الأفضل التخلي عن جاروف التنقيب تماما والاكتفاء بعمليات المسح (انظر الشكل
5-3 ).
تستطيع عمليات المسح الميدانية أن تجيب عن أسئلة بشأن الآثار الكلاسيكية الشهيرة، علاوة على الكشف عن جوانب خفية للحياة في الريف الكلاسيكي. وفي حالة باساي، اقترحت عملية مسح أجريت للمنطقة المحيطة إجابة للسؤال المحير المتعلق بالغرض الذي بني من أجله هذا المعبد، رغم ابتعاده أميالا عدة عن أقرب مدينة.
أظهرت هذه الدراسة أن ذلك المكان المقدس المنعزل في باساي ليس الوحيد في ذلك الجزء من أركاديا؛ حيث يوجد عدد من المواقع المقدسة الموجودة فيما يبدو بعيدا عن العمران، على حدود المنطقة الواقعة تحت حكم المدينة المحلية. في هذه المنطقة كان أغلب السكان يعيشون مشتتين في أرجاء الريف، معتمدين في عيشهم على تربية الماعز والأغنام، وعلى الصيد. والاقتراح الذي قدمته عملية المسح يتكون من شقين؛ أولا: أن هذه النوعية من المواقع كانت ملائمة تماما لبناء مكان مقدس يخدم مجتمعا ريفيا بالأساس، وثانيا: أن موضع المعبد على حدود أقرب مدينة مجاورة، فيجاليا، كان له أهمية كبيرة في الطقوس التي وحدت المركز الحضري السياسي والإداري مع الإقليم النائي وسكانه المتناثرين. ويبدو من المرجح أن المواكب الطقسية، التي تضمنت أعضاء بارزين للمجتمع المحلي، انطلقت من فيجاليا صوب المكان المقدس البعيد في باساي، في تجسيد وتعزيز وتقوية لوحدة المدينة مع إقليمها، وذلك عن طريق السير فوق الأرض.
شكل 5-3: صارت خريطة التوزيع أداة لا غنى عنها في علم الآثار وعمليات المسح الميدانية. يظهر هذا المثال نمط المواقع الحضرية عبر الإمبراطورية الرومانية.
رغم أننا نبدو وكأننا ابتعدنا كثيرا عن اهتمامات باوسانياس، فإن هذا الاقتراح بشأن وظيفة معبد باساي يدين بالكثير إليه. فمن خلال وصف باوسانياس لفيجاليا نعرف بوجود هذه المواكب الطقسية، التي تنطلق من الريف إلى معبد محدد في المدينة. لا يذكر باوسانياس باساي تحديدا بوصفها وجهة لهذه المواكب، لكن يبدو في حكم المؤكد تقريبا أن هذه المواكب قصدت باساي. أيضا لا يصف باوسانياس مواكب فيجاليا بأي قدر من التفصيل، لكن في وصفه لمدينة أخرى جنوبي اليونان كتب عن طقوس لا بد أنها كانت مشابهة للغاية؛ يتقدمها الكهنة والمشرعون المحليون، يتبعهم الرجال والنساء والأطفال يقودون بقرة إلى معبد الجبل الذي يقصدونه من أجل تقديمها كقربان.
في جوانب أخرى، أيضا، لا يزال دليل باوسانياس الإرشادي يمثل أساسا للعديد من المشروعات الأثرية الحديثة وعمليات المسح الميدانية. فمن الموضوعات الواردة في توصيفه لليونان الرثاء للمدن اليونانية التي زارها وكانت مجيدة فيما مضى، لكنها وقت كتابته عنها تستحق بالكاد لقب «مدن»؛ إذ تهدمت أجزاء منها ولا يسكنها سوى عدد قليل من السكان الباقين الذين يسكنون مبانيها المتداعية. كانت صورة الاضمحلال هذه، صورة سقوط اليونان من علياء رخائها السابق، تعد جانبا آخر من بناء باوسانياس لليونان المثالية، في وقت ذروة مجدها في العصر القديم، قبل وقت كتابته عنها بمئات السنين. بيد أن هذه الصورة قدمت حافزا قويا للأثريين في العصر الحديث.
من الواضح أن عمليات المسح الحديثة حاولت تقصي مزاعم باوسانياس الخاصة بالنقص السكاني، وأن ترى الكيفية التي تغيرت بها أنماط الاستيطان في اليونان وهي تحت الحكم الروماني. ترسم عمليات المسح صورة تؤكد جزئيا ما ذهب إليه باوسانياس في وصفه، لكنها في الوقت ذاته تقترح سبيلا جديدا للنظر إلى المشكلة بأسرها. ونحن نؤمن الآن أن الأمر لم يكن وحسب مسألة نقص سكاني واضمحلال؛ إذ يبدو أن أحد تأثيرات الحكم الروماني هو تركيز السكان في مراكز حضرية أكبر؛ وهو ما أدى إلى هجر بعض المواقع التي رصدها باوسانياس.
Halaman tidak diketahui