وهكذا قامت ألمانيا وإنجلترا بتشجيع فرنسا على احتلال تونس وفصلها عن ممتلكات تركيا، وإن كانت تونس في الحقيقة لا تربطها مع الدولة العثمانية في ذلك العهد إلا الروابط الروحية.
2 (1-1) الحماية
لما وجدت الحكومة الفرنسية الجو العالمي مساعدا لها أرادت أن تنهي المسابقة حالا، فأسرعت إلى احتلال تونس حتى لا تضيع عليها تلك الفرصة، وكان رئيس وزرائها إذ ذاك «جول فري» قد عقد العزم على تنفيذ خطة دبرها من قبل وصمم عليها، رغم المعارضة الشديدة التي وجدها في الرأي العام الفرنسي نفسه، خاصة من طرف الحزب الراديكالي وزعيمه جورج كليمنصو، فاتخذ من مناوشات بسيطة عادية وقعت بين قبائل خمير التونسية وبعض القبائل الجزائرية ذريعة لمهاجمة تونس برا وبحرا، ولم يلتفت إلى ما عرضه عليه جلالة باي تونس من تعويضات طبق الاتفاقات السابقة بين تونس وفرنسا، بل أمر الجيوش الفرنسية باقتحام الحدود البرية، وأنزل قوات أخرى من البحر في ميناء بنزرت ومرسى طبرقة، وزحفت هذه الجيوش من غير سابق إنذار ولا إعلان حرب نحو مقر الملك، فوصلت منطقة منوبة على مقربة من القصر الملكي بباردو، وحاصرت القصر يوم 12 مايو 1881، ولم يمهل قائد الجيوش الفرنسية الجنرال برايوت جلالة الصادق باي إلا ساعات ليوقع على معاهدة سنة 1881، وقام قسم كبير من رجال الدولة والموظفين العالين، وفي مقدمتهم أول مكافح تونسي العربي زروق، يعارضون توقيع هذه المعاهدة المفروضة بالقوة ويطالبون بإعلان الحرب على فرنسا والتمادي فيها إلى النهاية، حتى قال زعيم المعارضين: «إما أن نموت بشرف أو نخلص بلادنا من العدو»، ووقع الملك المعاهدة تحت تأثير وزيره الخائن مصطفى بن إسماعيل.
ولكن الشعب التونسي لم يلق السلاح، بل تمادى في المقاومة رغم ضعفه، وسقطت مدن المملكة الواحدة تلو الأخرى في قبضة العدو، بعد دفاع مستميت، وما زال الشيوخ التونسيون يتذكرون بطولة صفاقس التي اجتمعت بها رجال القبائل من الهمامة وبني زيد والمثاليث، خاصة ولم تستسلم أبدا، بل ناضلت بعد أن سقط سورها في كل شارع وكل بيت، وكان عدد الشهداء بها عظيما جدا لقلة ما لديهم من السلاح، وتكررت المأساة في بقية مدن المملكة التونسية إلى أن تم احتلال البلاد كلها.
ولم تجد تونس في ذلك العصر نصيرا ولا مجيرا، وإن كان قد فرض الحماية الفرنسية عليها اعتداء سافرا لا مبرر له إلا جشع الاستعمار الأوروبي وإرادة التوسع وكسب الأسواق الجديدة.
ولقد كانت معاهدة باردو فاسدة من أصلها؛ لأن فرنسا فرضتها بالقوة ووقعها ملك تونس تحت تهديد الجيوش المحاصرة له، ولو كان في العالم عدالة لما أمكن لفرنسا أن تبقى بتونس؛ لأن بقائها مناف لجميع المواثيق الدولية الحديثة، كالميثاق الأطلنطي وميثاق هيئة الأمم المتحدة وميثاق حقوق الإنسان، ولأن استمرار احتلالها لتلك البلاد الأجنبية عنها إنما هو تشجيع للقوي في الاستيلاء على الضعيف، ومحافظة على عهد تريد الشعوب طيه؛ لما فيه من ظلم وتهديد دائم للسلام العالمي لتزاحم الأقوياء على أسلاب الضعفاء من الأمم. (1-2) استقلال تونس قبل الحماية
وكانت تونس قبل الحماية الفرنسية دولة تتمتع باستقلالها، لها ذاتيتها وميزانيتها، سواء داخليا أو خارجيا؛ فكانت أرضها محدودة مضبوطة، وكان سكانها متوحدين تجمعهم إرادة واحدة وضمير قومي واحد تحت حكومة تدير البلاد كلها. (أ) الاستقلال الداخلي
وقد استقلت تونس استقلالا حقيقيا منذ اعتلى عرشها مؤسس الدولة الحسينية جلالة الباي حسين بن علي عام 1705، فأصبح الملك وراثيا في أبنائه، دون أن تتدخل أية دولة أجنبية. وكانت الروابط بين ملك تونس والسلطنة العثمانية روحانية فقط؛ أي روابط أمير مسلم مع خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. وكانت السلطات كلها مجموعة في قبضة الباي في العهد الأول، إلى أن أخذت البلاد التونسية تتطور في العصر الحديث وتدخل التنظيمات اللازمة في حياتها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وكانت تونس أول بلد شرقي سن لنفسه دستورا، فأصدر ملك تونس محمد باشا باي (20 محرم 1274 / 10 سبتمبر 1857) مقدمة ذلك الدستور مطلقا عليها اسم عهد الأمان، وكان القسم الأول منه في الحقيقة إعلانا واضحا لحقوق الإنسان، فضمن البند الأول أمن جميع سكان المملكة من غير امتياز في الدين والجنس ولا الجنسية، وأعلنت بقية البنود مساواة جميع السكان أمام الضرائب والأداءات وأمام القانون أيضا، وجعلت التسامح الديني أساسا لمعاملة جميع من يسكن تونس، كما حررت التجارة والملكية.
وأعطى محمد الصادق باي نظاما جديدا للدولة التونسية عندما أصدر دستورها (26 أبريل1861) الذي لم ينسخ إلى هذه الساعة، وقد شمل ذلك الدستور النظام السياسي والمالي والإداري والقضائي. (ب) النظام السياسي
Halaman tidak diketahui