غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ، إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِيهِ مَا أَعْلَمْتُكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَمِنَ اسْمِ الْمَاءِ. فَهَذَا حُكْمُ مَبْلَغِ الْقُلَّتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَإِذَا قَصُرَ الْمَاءُ عَنْهُمَا، فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا فَإِنَّهُ الَّذِي يَنْجُسُ بِقَلِيلِ مَا يَدْخُلُهُ مِنَ الْأَقْذَارِ وَكَثِيرِهِ، كَالْقَطْرَةِ مِنَ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ يُخَالِطُهُ، فَتَشْمَلُهُ كُلَّهُ حِينَئِذٍ النَّجَاسَةُ، وَلَا يَطْهُرُ مِنْهُ شَيْءٌ أَبَدًا، حَتَّى يُنْزَحَ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ مِنْهُ طَعْمًا وَلَا رِيحًا. وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْقِلَالِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هِيَ الْجِرَارُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْحُبَابُ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ، إِنَّهَا الْحُبَابُ، وَهِيَ: قِلَالُ هَجَرٍ، مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْعَرَبِ مُسْتَفِيضَةٌ. وَقَدْ سَمِعْنَا ذِكْرَهَا فِي أَشْعَارِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِالشَّامِ أَيْضًا وَالْجَزِيرَةِ، وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَكُلُّ هَذَا الَّذِي اقْتَصَصْنَاهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا مَادَّةَ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْغُدْرَانِ وَالْمَصَانِعِ وَالصَّهَارِيجِ وَالْحِيَاضِ وَالْبِرَكِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُعَدُّ الَّذِي لَهُ