قال: وسمعته يقول: العمارة بالرغبة، وحفظ الغلة بالرهبة. فقل استخراج وقع في أيام عمارة إلا أبطلها. وقد كان عبيد الله بن يحيى يكتب إلى العمال في أيام العمارة: أغلقوا أبواب دواوين الخراج، واصرفوا المستخرجين من حضرتكم.
قال: وسمعت هشام بن عبد الله يقول: كتب أبو الحسن بن الفرات إلى نجح وقد أنفذ أبا جعفر حمد بن إسحاق المادرائي متقلدًا للخراج بدارا بجرد، من عمله: السيف تابع والقلم متبوع، وقل سيف غلب القلم إلا كان داعية الخراب.. ولما قدم عبيد الله بن سليمان من الجبل في أيام المعتضد بالله رحمة الله عليه صار إليه أبو العباس وأبو الحسن ابنا الفرات في عشي يوم، فوجداه يميز أعمالًا وكتبًا، وبين يديه كانون عظيم يحرق ما لا يحتاج إليه، فدفع إلى أبي العباس إضبارة ضخمةً وقال له: يا أبا العباس هذه الإضبارة وقائع وسعايات بك وبأخيك من أسبابكما وثقاتكما وصنائعكما وردت علي بالجبل، فخبأتها لك لتعرف بها من ينبغي أن تحترس منه، وتعامل كل واحد بما يستحقه. فأكثر أبو العباس في شكره والدعاء له، وبدأ أبو الحسن يقرأ شيئًا من الإضبارة، فانتهزه أبو العباس وقال: لا تقرأ شيئًا منها. وأخذها فطرحها في الكانون وقال: ما كنت لأقابل نعمة الله على ما وهبه لي من تفضل الوزير بما يوجب الإساءة إلى أحد، ولا حاجة لي إلى قراءة ما يوحشني من أسبابي، ويجر عليهم إساءةً مني. فلما نهضنا قال عبيد الله بن سليمان: أردت التفرد بمكرمة فسبقني أبو العباس إليها وزاد علي فيها. قال وحدثني ابن الأجري صاحب ابن الفرات قال: كنت لا أكاد أحضر
1 / 83