ودائع أقر بها مائةً وخمسين ألف دينار. ثم أوقع به مكروهًا كان سببًا لتقاعده عن أداء شيء بعده. ومضى هارون بن غريب وكان موكلًا به إلى المقتدر بالله فقال له: إن ابن الفرات ممن لا يذعن بمال وينقاد إلى أداء بالقبيح، وقد جنى الخاقاني جناية كبيرة بتسليمه إياه إلى ابن بعد شر حتى خرق به وعسفه. فتقدم المقتدر بالله إلى الخاقاني بأن يجعل مطالبة ابن الفرات بحضرة هارون بن غريب، وكان ابن بعد شر قد ضيق على ابن الفرات في مطعمه ومشربه، واقتصر به على خبز خشكار وقثاء وماء الهواء. فحمل إليه الخاقاني طعامًا واسعًا جميلًا وفاكهة وثلجًا كثيرًا، واعتذر إليه مما جرى وحلف أنه لم يعلم به. ثم راسله مع خاقان بن أحمد بن يحيى ومحمد بن سعيد حاجبه وقالا له: الرأي أن تقر بأموالك ولا تلاج السلطان فتؤكد سوء رأيه فيك. فأجابه بما قال فيه: لست أيها الوزير حدثًا تخدعني، ولا عزًا فتحتال علي، وما أقول إنني ما أقدر على المال، لكنني إن وثقت لنفسي بالسلامة والخلاص، وأعطاني الخليفة أمانه بخطه، وأشهد لي فيه الوزير والقضاة والغلمان. وسلمني إما إلى مؤنس المظفر، وإن كان عدوي، أو إلى شفيع اللؤلؤي، قررت أمري وأعطيت مالي. فأما أن أكون على ما أنا عليه ويراد مني المال فذلك ما لا أفعله. فأعاد الخاقاني مراسلته: بأنني لو قدرت على التوثق لك توثقت، ومتى قلت في هذا المعنى قولًا عاداني خواص الدولة ولم تنتفع أنت، وقد رد أمير المؤمنين أمرك إلى هارون بن غريب، وهو قريبه وثقته. ولعمري إنه عدو لك، ولكن العدو ربما رق في مثل هذه الصورة، والصواب أن تداريه وتلاطفه.
1 / 62