الفترة الأولى: هي مرحلة الحروب الداخلية من أجل تثبيت أركان دولتهم، ودامت حوالي نصف قرن، إلى سنة ٦٦٨ هـ. فتحوا أثناءها مراكش، وقضوا على آخر معاقل الموحدين. الفترة الثانية: فترة حروبهم في الأندلس والمغربين الأدنى والأوسط. وتبدأ من سنة ٦٧٣ هـ التي استنجد فيها ابن الأحمر بيعقوب المريني؛ ولكنهم لم يوفقوا للحفاظ على ما تبقى من الأندلس. ثم اضطروا لصرف النظر عن نجدتها بعد هزيمة أبي الحسن المريني في جزيرة طريف (٧٤٠ هـ)، وتوالي خيانات بني الأحمر للمسلمين. ثم اتجهوا شرقًا للقضاء على دولتي بني عبد الواد بتلمسان، وبني حفص بتونس. أما عن أسباب فشلهم في إنقاذ الأندلس فيمكن إيجازها في ثلاث نقط: لم تركز حروبهم على هدف استخلاص الأرض من النصارى. ولم تتخذ نهجًا قتاليًا يفي بالمطلوب. وكان أسلوبهم في ذلك بدائيًا يعتمد على الكر والفر، والاستكثار من الأسلاب والغنائم مالًا ورقيقًا. وكان الجيش المريني إذا ما حاصر مدينة وامتنعت عليه تركها، وانطلق في البراري والقرى والبسائط ينهبها ويسبي ضعفاءها، ثم يقسم الغنائم على المحاربين، أو يدفع بعضها إلى بني الأحمر، ويعود إلى المغرب. وبذلك لم يقدموا لأعدائهم أي نموذج حضاري، لا نموذج الجيش راقي التنظيم والحركة، ولا نموذج أصحاب الرسالات السماوية. فازداد المسيحيون بهذه التصرفات تماسكًا وحقدًا على المسلمين، وإصرارا على إخراجهم من الأندلس. لم يكن المرينيون يرجون من جهادهم في الأندلس إلا السمعة وإضفاء الشرعية على سلطانهم، وعدم استعداء بني الأحمر عليهم. ولذلك لم يسلكوا نهج يوسف بن تاشفين المرابطي الذي أنقذ الأندلس من الغزو المسيحي، وأجلى عنها فسقة ملوك الطوائف، ووحدها تحت سلطة والٍ واحد قوي بجيش أقوى. ولذلك تجرأ عليهم بنو الأحمر، فكانوا كلما آنسوا منهم ضعفًا غدروا بهم وأعانوا عليهم العدو، فإن فشلت خيانتهم طلبوا الصلح، فاستجاب لهم المرينيون وصالحوهم وتنازلوا لهم - تقوية لهم - عن بعض ثغور الأندلس؛ فما يلبث بنو الأحمر أن يسلموا هذه الثغور إلى النصارى، ثم يطلبون الصلح ثانية، ويستلمون ثغورًا أخرى يسلمونها للنصارى. وهكذا دواليك إلى أن تسلموا من بني مرين كل ما كان بيدهم من الثغور، وسلموها للنصارى خيانة وضعفًا، ثم أخرجهم النصارى في نهاية الأمر أذلة خاسئين. أما في حروب بني مرين شرق مملكتهم (المغربين الأوسط والأدنى) فقد كان همهم الأساسي هو القضاء على دولتي بني عبد الواد بتلمسان وبني حفص بتونس. ولذلك سلكوا في حربهم نهجا قتاليا غيرالذي سلكوه في الأندلس؛ فكانوا يحاصرون المدن والقرى إلى أن يستخلصوها لأنفسهم ويخرجوا منها عدوهم. وقد حاصر يوسف بن يعقوب تلمسان ثماني سنوات، من ٦٩٨ هـ إلى ٧٠٦ هـ. وحاصرها أيضًا أبو الحسن المريني ثلاث سنوات ففتحها. وفي كلا الحصارين جاع أهل تلمسان ونالهم من الفاقة والحاجة ما اشتروا به الكلاب والقطط والفئران والثعابين بالثمن، لأنها كانت مما يؤكل. ثم في سنة ٧٤٨ هـ غزا أبو الحسن تونس ودخلها. إلا أن عرب سليم ومن والاهم أحاطوا به وهزموه سنة ٧٤٩ هـ. ثم خرج عليه ولده أبو عنان، الذي حاول - بعد انتصاره على أبيه - أن يبسط نفوذه على المغربين الأدنى والأوسط، لولا أن أحد وزرائه اغتاله خنقًا سنة ٧٥٩ هـ. أما الفترة الثالثة: فهي فترة انكفاء المرينين على مشاكلهم الداخلية وصراعهم على الملك، وتداول القصر والعتهاء على كرسي السلطنة، وتوالي البلايا والمحن والمجاعات والأوبئة على العامة. أما نظام الدولة لدى بني مرين فيمكن إيجازه في أربع طبقات: طبقة الأسرة الحاكمة وعصبيتها القبلية. طبقة قهارمة القصر: وغالبيتهم من اليهود، لقدرتهم على تقديم كل الخدمات الدنيئة. وبرز في عصر يوسف بن يعقوب وولده أبي الربيع يهود بني وقاصه من ملاح فاس. وفي عهد عبد الحق بن أبي سعيد قتيل ٢٧ رمضان ٨٦٩ هـ برز الوزيران اليهوديان هارون وشاويل. طبقة الكتبة والإداريين: وهم من قدماء بطانة حكام الأندلس، الفارين منها. رشحهم لهذه المكانة خبرتهم في خدمة الملوك، وبعدهم عن العامة. طبقة الجنود: من مرتزقة البدو والأعراب، خاصة بني هلال، ومن مرتزقة النصارى. أما جمهور الشعب البائس فلم يكن له إلا أن يتفرج على مسرح الأحداث، وينأى بنفسه عن مواطن القتل، ويسمع ويطيع ويؤدي الأتاوات والمكوس والضرائب والزكوات لخزينة السلطان. فإن لم تف بحاجات القصر وحاشيته من اليهود والكتبة والجيش، كانت المصادرة والنهب والابتزاز.
بنو عبد الواد (٦٥)
بنو عبد الواد، أو بنو زيان، أو دولة يغمراسن بن زيان، بطن من بطون زناتة، استعربوا نتيجة اختلاطهم ببني هلال، ودخلوا بلاد المغرب الأوسط واستقروا بتلمسان، بعد أن ضعف الموحدون، وأتيحت لهم فرصة التخلص من هيمنة المصامدة. وعندما سيطر بنو مرين على المغرب الأقصى إلى ملوية، وبسط بنو حفص نفوذهم على شرق المغرب الأوسط حتى المجرى الأعلى لنهر الشلف، بقي ما بين الشلف، وبين مجرى ملوية منطقة فراغ سياسي. فأقام فيه الزناتيون بنو عبد الواد مملكتهم. وكانت دولتهم الأولى التي انتهت على يد أبي الحسن المريني سنة ٨٣٧ هـ - ١٣٣٧ م. ثم دولتهم الثانية التي ضمها الأتراك العثمانيون إلى إيالة الجزائر. وكان همهم طيلة عهدهم الأول هو حماية مملكتهم من الحفصيين في الشرق والمرينيين في الغرب. واستفادوا كثيرًا من انشغال المرينيين بحروبهم في الأندلس، ثم بفتنهم الداخلية، وانشغال الحفصيين بأعدائهم في الداخل والخارج. واستعانوا هم أيضًا في إدارتهم بالكتبة الوافدين من الأندلس، وجنود الأعراب من بني سليم وهلال. وحاولوا مرارًا الانتقاص من أطراف جيرانهم في الشرق والغرب دون أن يفلحوا. أما دولتهم الثانية فكانت دائمًا متأرجحة بين الولاء للمرينيين والولاء للحفصيين. إلى أن سقطت بيد الإسبان في عهد فيليب الثاني. ثم استخلصها منهم العثمانيون على يد خير الدين باربروسا سنة ١٥٢٩ م. واتخذها قاعدة لتحرير تونس من نفوذ الإسبان وعملائهم الحفصيين، وليبيا من فرسان يوحنا الراهب.
بنو حفص (٦٥)
مؤسس دولتهم هو أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي. من مصامدة جبل درن. عينه محمد الناصر رابع ملوك الموحدين بمراكش على أفريقية (تونس والجزائر) سنة ٦٠٣ هـ - ١٢٠٦ م. ثم استبد بالأمر هو وذريته من بعده. وأقاموا دولتهم سنة ٦٢٣ هـ - ١٢٢٦ م.
1 / 11