ثانيها: إنهم سألوا ﷺ سؤال تعجيز وتغليط إذا كان الروح يقال بالاشتراك على روح الإنسان وجبريل وملك آخر يقال له الروح، وصنف من الملائكة والقرآن وعيسى بن مريم كما أشار إليها صاحب (الكشاف) في تفسير الأية، فقصد اليهود أن يسألوه فبأي شيء أجابهم، قالوا: لسنا نريد هذا فجاء الجواب كسؤالهم مجملا، فإن أمر ربي يصدق على كل واحد من مسميات الروح، وذكر مثل هذا الوجه الزركشي في (البحر المتوسط قال: وهكذا ذكر صاحب الافتتاح في خلق الإنسان إذ قد دلت قواطع الشرع على تعيينها، فقد يحمل المستدل لفظا احتياطا لنفسه في ميدان النظر بحيث إذا توجه سؤال المعترض على أحد معنيي اللفظ تخلص عنه بتعيين كلامه بالمعنى الآخر.
ثالثها: ما ذهب إليه علماء الطريقة أن المراد بقوله تعالى: (مِن أَمرِ رَبي) كون الروح من عالم الأمر، وهو عالم الغيب وعالم الملكوت ومقابله عالم الخلق الذي هو عالم الشهادة، وعالم الملك، وحملوا قوله تعالى: ألا له الخلق والأمر على العالمين المذكورين، وأراد بعالم الأمر عالم المجردات لأنها وجدت بمجرد الأمر الذي هو قول كن ومقابله الجسمانيات، وقد بالغ الشيخ العارف بالله أبو الحسن الشاذلي ﵁ في نصرة هذا الوجه. فقال: من ظن أن علم الروح وغيره مما ذكر ومما لم يذكر لم يحط به الخاصة من العلماء أهل البدء الأعلى فقد وقع في عظيمين، تجهيل أوليا الله إذ وصفهم بالقصور عن ذلك وظن بربه أنه منعهم وكيف يجوز أن يظن على مخصوص ويسري به التكذيب إلى القدرة والشرع، بقوله عن اليهود أو عن العرب على الخلاف (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الروح قُل الروحُ مِن أَمرِ رَبي) فما الدليل لك فيها على جهل الصديقين وأهل خاصة الله العلياء والكشف عن هذا، إن السؤال يقع بهل وكيف ولم ومن فهل يقع السؤال به عن الشيء أموجود هو أو معدوم وقد عرفنا وجوده من قبل، ولولا ذلك ما قال (وَيَسأَلونَكَ عِنِ الروح) فثبت إنهم عرفوا وجوده فبطل هذا وليس فيه سؤال عن الحال كيف هو ولا سؤال عن العلة لم كذا وكذا. ولو كان سؤالهم عن هذين لما قنعوا بقوله (قُل الروحُ مِن أَمرِ رَبي) الآية المراد منه وحاصله أن المقدار الذي ينبغي أن يطلب من يتعرف الروح إنما هو عالمه ومن أين هو، فأوجب الشيخ معرفة مثل هذا عن الروح، وهي كون الحياة والحركة والعقل مثلا تابعا لها، لا معرفة حقيقتها ولكنه لا يتمشى على تقدير صحة حديث ابن عباس المتقدم، إذ هو صريح في السؤال عن الماهية لا من أين هو.
الفصل الثاني
في حقيقة الروح وما قيل فيها
إعلم أن الخلاف في ذلك واسع جدا، كما تقدمت إشارة إليه فزعمت طائفة من قدماء الفلاسفة أن النفس التي هي عبارة عن الروح أمر كلي عام، وإنه يفيض على الأجسام فيض الشمس على ما يقع شعاعها عليه، فيعطي كل مادة قدر استحقاقها، وإنها ليست حالة بالأجسام وإنما هي مؤثرة فيها لضرب من المناسبة كما يفعل المغناطيس في الحديد وليس أحدهما حالا في الآخر، وإنها لا تزال مؤثرة في الجسم ما دام مستعدا لقبول الآثر، وإنها لا تزال مؤثرة في الجسم ما دام مستعدا لقبول الأثر، فإذا أفسد استعداده بطل فعلها فيه كما يبطل فعل المغناطيس في الحديد عند فساد الحديد وتغيره وهذا مبني على قدم النفس، وعدم تناهيها، وقد تكفل علم الكلام ببطلانه.
1 / 2