تحفة الْفُقَهَاء
لعلاء الدّين السَّمرقَنْدِي ٥٣٩ هـ
وَهِي أصل «بَدَائِع الصَّنَائِع» للكاساني
قَالَ اللكنوي: «ملك الْعلمَاء الكاساني، صَاحب الْبَدَائِع شرح تحفة الْفُقَهَاء: أَخذ الْعلم عَن عَلَاء الدّين مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي: صَاحب التُّحْفَة» .
دَار الْكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الثَّانِيَة ١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م.
1 / 3
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَسلم الْحَمد لله حَمده، وَالصَّلَاة على رَسُوله " مُحَمَّد " أفضل عبيده، وعَلى آله وَأَصْحَابه من بعده.
قَالَ الشَّيْخ الامام عَلَاء الدّين: مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي أَحْمد السَّمرقَنْدِي، رَحمَه الله تَعَالَى.
اعْلَم أَن " الْمُخْتَصر " الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ (١) ﵀ جَامع جملا من الْفِقْه مستعملة، بِحَيْثُ لَا ترَاهَا مدى الدَّهْر مُهْملَة: يهدي بهَا الرائض فِي أَكثر الْحَوَادِث والنوازل، ويرتقي بهَا المرتضا إِلَى أَعلَى المراقي والمنازل، وَلما عَمت رَغْبَة الْفُقَهَاء إِلَى هَذَا الْكتاب، طلب مني بَعضهم، من الاخوان والاصحاب، أَن أذكر فِيهِ بعض مَا ترك المُصَنّف من أَقسَام الْمسَائِل، وأوضح المشكلات مِنْهُ، بِقَوي من الدَّلَائِل، ليَكُون ذَرِيعَة إِلَى تَضْعِيف الْفَائِدَة، بالتقسيم وَالتَّفْصِيل، ووسيلة، بِذكر الدَّلِيل، إِلَى تَخْرِيج ذَوي التَّحْصِيل - فأسرعت فِي الاسعاف والاجابة، رَجَاء التَّوْفِيق، من الله تَعَالَى، فِي الاتمام والاصابة، وَطَمَعًا، من فَضله، فِي الْعَفو والغفران والانابة: فَهُوَ الْمُوفق للصَّوَاب والسداد، وَالْهَادِي إِلَى سبل الرشاد وسميته " تحفة الْفُقَهَاء "، إِذْ هِيَ هديتي لَهُم، لحق الصُّحْبَة والاخاء، عِنْد رجوعهم إِلَى مَوَاطِن الْآبَاء.
_________
(١) هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حمدَان الْقَدُورِيّ، ولد سنة ٣٦٢ هـ.
وَتُوفِّي سنة ٤٢٨ هـ.
بِبَغْدَاد.
1 / 5
فليقبل هديتي هَذِه من شَاءَ كسب الْعِزّ والبهاء، وليذكرني بِصَالح الدُّعَاء، فِي الْحَيَاة وَالْمَمَات، فَهُوَ غرضي ونيتي، والاعمال بِالنِّيَّاتِ، وقابل الاعمال عَالم بالخفيات، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه: عَلَيْهِ توكلت، وَإِلَيْهِ أنيب.
1 / 6
كتاب الطَّهَارَة
اعْلَم أَن الطَّهَارَة شَرط جَوَاز الصَّلَاة
وَهِي نَوْعَانِ حَقِيقِيَّة وحكمية
أما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حَقِيقَة وَهِي أَنْوَاع ثَلَاثَة طَهَارَة الْبدن وطهارة الْمَكَان وطهارة الثِّيَاب
وَأما الْحكمِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حكما وَهِي نَوْعَانِ الْوضُوء وَالْغسْل
عرفنَا فَرضِيَّة الطَّهَارَة بأنواعها بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿عَلَيْهِم مدرارا وَجَعَلنَا الْأَنْهَار﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿أَن طهرا بَيْتِي للطائفين﴾ وَقَوله ﴿وثيابك فطهر﴾
وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه قَالَ مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم
وَقَالَ عَلَيْهِ
1 / 7
السَّلَام إِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة أَلا فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة
وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْأمة
فنبدأ بِالْوضُوءِ فَنَقُول إِنَّه يشْتَمل على الْغسْل وَالْمسح فالغسل هُوَ تسييل المَاء على الْعُضْو وَالْمسح هُوَ إِيصَال المَاء إِلَيْهِ والإمرار عَلَيْهِ لَا غير حَتَّى لَا يجوز الْوضُوء وَالْغسْل بِدُونِ التسييل فِي الْغسْل على جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات إِلَّا رِوَايَة عَن أبي يُوسُف فَإِنَّهُ قَالَ لَو مسح عضوه ببلة دون التسييل جَازَ
ثمَّ للْوُضُوء أَرْكَان وشروط وَسنَن وآداب
أما الْأَركان فَأَرْبَعَة أَحدهَا غسل الْوَجْه مرّة وَاحِدَة قَوْله تَعَالَى ﴿قرن مكناهم﴾
وحد الْوَجْه قصاص الشّعْر إِلَى حِدة الذقن وَإِلَى شحمتي الْأذن وَهُوَ حد صَحِيح فَإِن الْوَجْه فِي اللُّغَة اسْم لما يواجه النَّاظر إِلَيْهِ فِي الْعَادة
فَإِن كَانَ قبل نَبَات الشّعْر يجب غسل جَمِيعه
وَإِذا نبت الشّعْر لَا يجب غسل مَا تَحْتَهُ عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ بَعضهم يجب غسل مَا تَحت الشعرة وإيصال المَاء إِلَى أصُول الشّعْر وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت اللِّحْيَة خَفِيفَة يجب غسل مَا تحتهَا وَإِن كَانَت كثيفة لَا يجب
وعَلى هَذَا الِاخْتِلَاف إِيصَال المَاء إِلَى الشَّوَارِب
1 / 8
والحاجبين ثمَّ يجب غسل ظَاهر الشّعْر الَّذِي يوازي الذقن والخدين فِي أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْبشرَة
وَالشعر المسترسل من الذقن لَا يجب غسله عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْه وَلَا قَائِم مقَامه
والفرجة الَّتِي بَين العذار وَالْأُذن يجب غسلهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهَا من جملَة حد الْوَجْه وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَعْرَة
وَالثَّانِي غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين مرّة وَاحِدَة عندنَا لقَوْله تَعَالَى ﴿وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق﴾
وَقَالَ زفر لَا يجب غسل الْمرْفقين
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمرْفق عُضْو مركب من الساعد والعضد وَغسل الساعد وَاجِب وَغسل الْعَضُد غير وَاجِب وَلَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا فَيجب غسل الْكل احْتِيَاطًا
وَالثَّالِث مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى ﴿وامسحوا برؤوسكم﴾)
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار الْمَفْرُوض مِنْهُ فَعَن أَصْحَابنَا فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات فِي ظَاهر الرِّوَايَة مُقَدّر بِثَلَاثَة أَصَابِع الْيَد مُطلقًا
والطَّحَاوِي مِقْدَار الناصية
وَقَالَ مَالك مَا لم يمسح جَمِيع الرَّأْس أَو أَكْثَره لَا يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مسح مِقْدَار مَا يُسمى مسحا جَازَ
وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لقَوْله تَعَالَى ﴿لم نمكن﴾ وَالْمسح يكون بالآلة
1 / 9
وَفِي اخْتِلَاف زفرو يَعْقُوب مُقَدّر بِربع الرَّأْس وَهُوَ قَول زفر وَذكر الْكَرْخِي وَآلَة الْمسْح هِيَ أَصَابِع الْيَد فِي الْعَادة فَيكون الْمسْح فِي الْغَالِب بأثرها وَهُوَ الثَّلَاث فَيصير تَقْدِير الْآيَة وامسحوا بِثَلَاث أَصَابِع أَيْدِيكُم برؤوسكم
ثمَّ على قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة إِذا وضع ثَلَاث أَصَابِع وَلم يمدها جَازَ وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي النَّوَادِر وعَلى قِيَاس رِوَايَة الرّبع والناصية لَا يجوز لِأَنَّهُ أقل من ذَلِك
وَلَو مسح بأصبع أَو بأصبعين صغيرتين ومدهما حَتَّى بلغ مِقْدَار الْفَرْض لم يجز عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن المَاء يصير مُسْتَعْملا بِالْوَضْعِ وَالْمسح بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل لَا يجوز
وَلَو مسح بأصبع وَاحِدَة ثَلَاث مَرَّات بِمَاء جَدِيد جَازَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة ثَلَاث أَصَابِع
وَلَو مسح بإصبع وَاحِدَة بِبَطْنِهَا وظهرها وجانبيها جَازَ
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا لَا يجوز
وَالصَّحِيح أَنه يجوز كَمَا لَو استنجى بِحجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف وَهَكَذَا روى زفر عَن أبي حنيفَة
وَالرَّابِع غسل الرجلَيْن مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى ﴿وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾
1 / 10
وَهَذَا فرض عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بعض النَّاس الْفَرْض هُوَ الْمسْح لَا غير
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ يُخَيّر بَين الْغسْل وَالْمسح
وَقَالَ بَعضهم إِنَّه يجمع بَينهمَا
وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لِأَن الْعلمَاء أَجمعُوا على وجوب غسل الرجلَيْن بعد وجود الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي السّلف وَالْإِجْمَاع الْمُتَأَخر يرفع الِاخْتِلَاف الْمُتَقَدّم
ثمَّ يجب غسل الْكَعْبَيْنِ مَعَ الرجلَيْن عندنَا خلافًا لزفَر كَمَا فِي الْمرْفقين
والكعبان هما العظمان الناتئان فِي أَسْفَل السَّاق عَلَيْهِ عرف النَّاس وَهَكَذَا رُوِيَ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف ألصقوا الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب
وَأما شَرَائِط الْوضُوء فنذكرها فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله
وَأما سنَن الْوضُوء فأحد وَعِشْرُونَ فعلا وَهِي أَنْوَاع ثَلَاثَة نوع يكون قبل الْوضُوء وَنَوع يكون عِنْد ابْتِدَائه وَنَوع يكون فِي خلاله
أما الَّذِي يكون قبل الْوضُوء فواحد وَهُوَ الِاسْتِنْجَاء بالأحجار والأمدار وَمَا يقوم مقَامهَا
فَأَما الَّذِي يكون عِنْد ابْتِدَاء الْوضُوء فَأَرْبَعَة أَحدهَا النِّيَّة وَعند الشَّافِعِي فرض
وَفِي التَّيَمُّم فرض بِالْإِجْمَاع
1 / 11
وَالثَّانِي التَّسْمِيَة وَعند بَعضهم فرض وهم أَصْحَاب الشَّافِعِي
وَالثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين لإدخالهما فِي الْإِنَاء احْتِرَازًا عَن توهم النَّجَاسَة
وَالرَّابِع الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَهُوَ كَانَ أدبا فِي عصر النَّبِي ﵇ فَصَارَ سنة بعد عصره بِإِجْمَاع الصَّحَابَة كالتراويح
فَأَما الَّذِي يكون فِي خلاله فستة عشر أَحدهمَا الْمَضْمَضَة
وَالثَّانِي الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَعند بَعضهم هما واجبان
وَالثَّالِث التَّرْتِيب فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَهُوَ أَن يمضمض أَولا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا يَأْخُذ لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَاء جَدِيدا فِي كل مرّة
وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة أَن يجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد ثَلَاث مَرَّات فَيَأْخُذ المَاء بكفه فيمضمض بِبَعْضِه ويستنشق بِبَعْضِه ثمَّ هَكَذَا فِي الْمرة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة
وَالرَّابِع أَن يمضمض ويستنشق بِالْيَمِينِ
وَقَالَ بَعضهم يمضمض بِيَمِينِهِ ويستنشق بيساره لِأَن الْيَسَار للأقذار
وَالْخَامِس الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا فِي حَالَة الصَّوْم
لما رُوِيَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه قَالَ للقيط بن صبرَة بَالغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما فارفق
1 / 12
وَالسَّادِس أَن يستاك فِي حَال الْمَضْمَضَة تكميلا للإنقاء على مَا قَالَ ﵇ السِّوَاك مطهرة للفم ومرضاة للرب
فَإِن لم يجد فيعالج فَمه بالإصبع والسواك أفضل
وَالسَّابِع التَّرْتِيب فِي الْوضُوء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه فرض
وَالثَّامِن الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء وَهُوَ أَن لَا يشْتَغل بَين أَفعَال الْوضُوء بِعَمَل لَيْسَ مِنْهُ
وَقَالَ مَالك إِنَّه فرض
وَالتَّاسِع أَن يغسل أَعْضَاء الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وضوء من يضعف الله لَهُ الْأجر مرَّتَيْنِ ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وضوئي ووضوء أمتِي ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم فَمن زَاد على ذَلِك أَو نقص فقد تعدى وظلم مَعْنَاهُ من زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَلم ير الثَّلَاث سنة
والعاشر الْبدَاءَة بالميامن وَهِي سنة فِي الْوضُوء وَغَيره من الْأَعْمَال لما رُوِيَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى التنعل والترجل
وَالْحَادِي عشر الْبدَاءَة من رُؤُوس الْأَصَابِع فِي غسل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ
وَالثَّانِي عشر تَخْلِيل الْأَصَابِع فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بعد إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين الْأَصَابِع
والتخليل للْمُبَالَغَة سنة فَأَما إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين
1 / 13
الْأَصَابِع فَفرض
وَالثَّالِث عشر الِاسْتِيعَاب فِي مسح الرَّأْس وَهُوَ سنة وَهُوَ أَن يمسح كُله
وَعند مَالك فرض على مَا مر
وَالرَّابِع عشر هُوَ الْبدَاءَة فِي الْمسْح من مقدم الرَّأْس كَيْفَمَا فعل وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ السّنة أَن يبْدَأ من الهامة فَيَضَع يَده عَلَيْهَا ويمدها إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ يُعِيدهَا إِلَى الْقَفَا
وَالْخَامِس عشر أَن يمسح مرّة وَاحِدَة والتثليث مَكْرُوه
وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة هُوَ التَّثْلِيث
وَالسَّادِس عشر أَن يمسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء الرَّأْس لَا بِمَاء جَدِيد
وَقَالَ الشَّافِعِي يمسح بِمَاء جَدِيد لَا بِمَاء الرَّأْس
وَأما تَخْلِيل اللِّحْيَة فَهُوَ من الْآدَاب عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف سنة كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي كتاب الْآثَار
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي مسح الرَّقَبَة قَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش إِنَّه سنة
وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف إِنَّه أدب
وَأما آدَاب الْوضُوء فكثيرة وَالْفرق بَين السّنة وَالْأَدب أَن السّنة مَا واظب عَلَيْهَا رَسُول الله ﷺ وَلم يَتْرُكهَا إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِمَعْنى من الْمعَانِي وَالْأَدب مَا فعله رَسُول الله ﷺ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلم يواظب عَلَيْهِ
1 / 14
وَذَلِكَ نَحْو إِدْخَال الإصبع المبلولة فِي صماخ الْأُذُنَيْنِ وَكَيْفِيَّة مسح الرَّأْس وَكَيْفِيَّة إِدْخَال الْيَد فِي المَاء والإناء والدلك فِي غسل أَعْضَاء الْوضُوء وَالْغسْل أَن يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
عِنْد كل فعل من أَفعَال الْوضُوء والدعوات المأثورة عِنْد غسل كل عُضْو فِي الْغسْل وَالْوُضُوء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ورد فِي الْأَحَادِيث أَنه فعله رَسُول الله ﷺ فِي الْوضُوء وَلم يواظب عَلَيْهِ
1 / 15
بَاب الْحَدث
الْحَدث نَوْعَانِ حَقِيقِيّ وحكمي
أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ خُرُوج النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ كَيْفَمَا كَانَ من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَهَذَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة
وَقَالَ زفر هُوَ ظُهُور النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ
وَقَالَ مَالك فِي قَول هُوَ خُرُوج النَّجس الْمُعْتَاد من السَّبِيل الْمُعْتَاد حَتَّى قَالَ إِن دم الِاسْتِحَاضَة لَيْسَ بِحَدَث لِأَنَّهُ عَارض غير مُعْتَاد
وَقَالَ فِي قَول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي هُوَ خُرُوج الشَّيْء من السَّبِيلَيْنِ لَا غير كَيْفَمَا كَانَ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أبي إِمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه قَالَ دخلت على رَسُول الله ﷺ فغرفت لَهُ غرفَة فَأكل فجَاء الْمُؤَذّن فَقلت الْوضُوء يَا رَسُول الله فَقَالَ إِنَّمَا علينا الْوضُوء مِمَّا يخرج لَيْسَ مِمَّا يدْخل
وَخُرُوج الطَّاهِر كالبزاق وَغَيره لَيْسَ بِحَدَث بِالْإِجْمَاع فَتعين خُرُوج النَّجس
1 / 17
إِذا ثَبت هَذَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْخُرُوج من السَّبِيلَيْنِ أَو غير السَّبِيلَيْنِ
فَإِن كَانَ من السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ حدث إِذا ظهر على رأسهما قل أَو كثر انْتقل وسال عَنهُ أم لَا لِأَنَّهُ وجد خُرُوج النَّجس من الْآدَمِيّ وَهُوَ انْتِقَال النَّجس من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر
وَذَلِكَ مثل الْبَوْل وَالْغَائِط وَالدَّم والمني والودي والمذي
وَكَذَلِكَ كل مَا خرج من الْأَشْيَاء الطاهرة فِي أَنْفسهَا كَاللَّحْمِ والدودة وَالْولد والمحقنة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء النَّجَاسَة
وَأما الرّيح فَإِن خرجت من الدبر ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع
وَإِن خرجت من قبل الْمَرْأَة أَو الرجل قَالَ بَعضهم إِن كَانَت مُنْتِنَة ينْقض الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه ينْقض وَلم يعْتَبر النتن
وَكَذَا ذكر الْكَرْخِي فِي مُخْتَصره
وروى الْقَدُورِيّ عَنهُ أَن خُرُوج الرّيح من قبل الرجل لَا يتَصَوَّر وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاج يَظُنّهُ ريحًا وَلكنهَا قد تخرج من قبل الْمَرْأَة فَإِن خرجت يسْتَحبّ لَهَا الْوضُوء وَلَا يجب
وَقَالَ بَعضهم إِن كَانَت مفضاة يجب الْوضُوء وَإِن كَانَت غير مفضاة لَا يجب الْوضُوء
وَأما إِذا كَانَ الْخُرُوج من غير السَّبِيلَيْنِ فَإِن كَانَ الْخَارِج طَاهِرا مثل الدمع والريق والمخاط والعرق وَاللَّبن وَنَحْوهَا لَا ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ نجسا ينْقض الْوضُوء
وَلَكِن إِنَّمَا يعرف الْخُرُوج هَهُنَا بالسيلان والانتقال عِنْد رَأس الْجرْح والقرح إِن سَالَ إِلَى مَوضِع يجب تَطْهِيره أَو يسن تَطْهِيره يكون حَدثا وَإِلَّا فَلَا لِأَن الْبدن مَحل الدَّم والرطوبات وَلَكِن لم يظْهر لقِيَام الْجلْدَة عَلَيْهِ فَإِذا انشقت الْجلْدَة ظهر فِي مَحَله
فَمَا لم يسل عَن رَأس الْجرْح لَا
1 / 18
يصير خَارِجا
وَذَلِكَ مثل دم الْجرْح والقيح والصديد من الْقرح وَالْمَاء الصافي الَّذِي خرج من البثرة
وَهَذَا عندنَا وعَلى قَول زفر يكون حَدثا سَالَ أَو لم يسل لِأَن الْحَدث عِنْده ظُهُور النَّجَاسَة من الأدمِيّ وَقد ظَهرت
وعَلى هَذَا الْقَيْء إِن كَانَ ملْء الْفَم ينْقض الْوضُوء وَإِن لم يكن ملْء الْفَم لَا ينْقض الْوضُوء
وَلَا فرق بَين أَن يكون الْقَيْء طَعَاما أَو مَاء صافيا أَو مرّة صفراء أَو سَوْدَاء أَو غَيرهَا لِأَن الْفَم لَهُ حكم الظَّاهِر فَإِنَّهُ يجب غسله فِي الْغسْل وَلَا ينْتَقض الصَّوْم بالمضمضة فَإِذا وصل الْقَيْء إِلَيْهِ فقد وجد انْتِقَال النَّجس من الْجوف إِلَى الظَّاهِر فتحقق الْخُرُوج فَيكون حَدثا إِلَّا أَن الْقَلِيل لم يَجْعَل حَدثا بِاعْتِبَار الْجرْح إِذْ الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن قَلِيل الْقَيْء بِسَبَب السعال وَغَيره
وَلم يذكر تَفْسِير ملْء الْفَم فِي ظَاهر الرِّوَايَة
وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِن عجز عَن إِمْسَاكه يكون ملْء الْفَم وَإِلَّا فَلَا
وَعَن أبي عَليّ الدقاق أَنه قَالَ إِن مَنعه عَن الْكَلَام يكون ملْء الْفَم وَإِلَّا فَلَا
وَأما إِذا قاء بلغما فَإِن نزل من الرَّأْس لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَا نَجَاسَة فِي جَوف الرَّأْس وَإِن خرج من الْبَطن فَإِن كَانَ صافيا لَيْسَ مَعَه شَيْء من الطَّعَام
1 / 19
وَغَيره فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد ﵄ لَا يكون حَدثا وَإِن كَانَ ملْء الْفَم
وعَلى قَول أبي يُوسُف يكون حَدثا إِن كَانَ ملْء الْفَم
وَإِن كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام وَغَيره فَالْأَصَحّ أَن يكون حَدثا بِالْإِجْمَاع
وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَنَّهُ طَاهِر فِي نَفسه كالمخاط إِلَّا إِذا كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام فَيظْهر أَنه خرج من الْجوف فينجس بمجاورة النَّجس
وَإِمَّا إِذا قاء دَمًا فَلِمَنْ يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة صَرِيحًا
وروى الْمُعَلَّى عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَنه ينْقض الْوضُوء قل أَو كثر جَامِدا كَانَ أَو مَائِعا
وروى الْحسن عَنْهُمَا أَنه إِن كَانَ جَامِدا لَا ينْقض مَا لم يكن ملْء الْفَم وَإِن كَانَ مَائِعا ينْقض الْوضُوء
وَإِن كَانَ يَسِيرا
وَقَالَ مُحَمَّد إِن حكمه حكم الْقَيْء وَهُوَ الْأَصَح وَيجب أَن يكون هَذَا قَول جَمِيع أَصْحَابنَا إِنَّه ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا قلس أقل من ملْء فِيهِ لم ينْقض الْوضُوء وَلم يفصل بَين الدَّم وَغَيره
هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الأصحاء
فَأَما فِي حق صَاحب الْعذر كالمستحاضة وَصَاحب الْجرْح السَّائِل وَنَحْوهمَا فخروج النَّجس من
1 / 20
الأدمِيّ لَا يكون حَدثا مَا دَامَ وَقت الصَّلَاة قَائِما وَحَتَّى إِنَّه إِذا تَوَضَّأ فِي أول الْوَقْت لَهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل مَا لم يخرج الْوَقْت وَإِن دَامَ السيلان وَهَذَا عندنَا
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يتَوَضَّأ لكل صَلَاة فرضا كَانَ أَو نفلا
وَقَالَ الشَّافِعِي يتَوَضَّأ لكل فرض وَله أَن يُصَلِّي من النَّوَافِل مَا شَاءَ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله ﵇ الْمُسْتَحَاضَة تتوضأ لوقت كل صَلَاة
ثمَّ طَهَارَتهَا تنْتَقض بِخُرُوج الْوَقْت لَا غير عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند زفر بِدُخُول الْوَقْت لَا غير وَعند أبي يُوسُف بِأَيِّهِمَا كَانَ
وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي موضِعين أَحدهمَا أَن يُوجد خُرُوج الْوَقْت بِدُونِ الدُّخُول كَمَا إِذا تَوَضَّأت فِي وَقت الْفجْر ثمَّ طلعت الشَّمْس تنْتَقض طَهَارَتهَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر لَا تنْتَقض
وَالثَّانِي أَن يُوجد الدُّخُول بِدُونِ الْخُرُوج كَمَا إِذا تَوَضَّأت قبل الزَّوَال ثمَّ زَالَت الشَّمْس لَا تنْتَقض طَهَارَتهَا على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وعَلى قَول أبي يُوسُف وَزفر تنْتَقض
ف زفر يعْتَبر دُخُول الْوَقْت وَقد دخل فينتقض وهما يعتبران الْخُرُوج وَلم يخرج فَلَا تنْتَقض طَهَارَتهَا
فَأَما فِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَكَمَا يخرج الْوَقْت يدْخل وَقت آخر فينتقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع على اخْتِلَاف الْأُصُول
لَكِن هَذَا شَيْء ذكره مَشَايِخنَا للْحِفْظ ومدار الْخلاف على فقه ظَاهر يعرف فِي الْمَبْسُوط إِن شَاءَ الله تَعَالَى
1 / 21
وَأما الْحَدث الْحكمِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا يكون دَالا على وجود الْحَدث الْحَقِيقِيّ غَالِبا فأقيم مقَامه شرعا احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ
وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْمُبَاشرَة الْفَاحِشَة وَهُوَ أَن يُبَاشر الرجل امْرَأَته لشَهْوَة وَقد انْتَشَر لَهَا وَلَيْسَ بَينهمَا ثوب وَلم ير بللا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يكون حَدثا
وَلم يشْتَرط فِي ظَاهر الرِّوَايَة مماسة الفرجين عِنْدهمَا وَشرط ذَلِك فِي النَّوَادِر
وَعند مُحَمَّد لَيْسَ بِحَدَث
وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْمُبَاشرَة على هَذَا الْوَجْه سَبَب لخُرُوج الْمَذْي غَالِبا
فَأَما مُجَرّد مس الْمَرْأَة لشَهْوَة أَو غير شَهْوَة أَو مس ذكره أَو ذكر غَيره فَلَيْسَ بِحَدَث عِنْد عَامَّة الْعلمَاء مَا لم يخرج مِنْهُ شَيْء خلافًا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب لِلْخُرُوجِ غَالِبا
وَمن هَذَا النَّوْع الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالسكر الَّذِي يستر الْعقل لِأَنَّهُ سَبَب يدل على الْحَدث غَالِبا
وَمن هَذَا النَّوْع أَيْضا النّوم مُضْطَجعا أَو متوركا بِأَن نَام على إِحْدَى وركيه فَهُوَ حدث على كل حَال لِأَنَّهُ سَبَب لخُرُوج الرّيح غَالِبا
فَأَما النّوم فِي غير هَاتين الْحَالَتَيْنِ فَينْظر إِن كَانَ فِي حَال الصَّلَاة لَا يكون حَدثا كَيْفَمَا كَانَ فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وَعَن أبي يُوسُف إِن نَام مُعْتَمدًا فَحدث وَإِن غلب عَلَيْهِ النّوم
1 / 22
فَلَيْسَ بِحَدَث
وَقَالَ الشَّافِعِي يكون حَدثا إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض فَلهُ فِيهِ قَولَانِ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده يباهي الله تَعَالَى بِهِ مَلَائكَته فَيَقُول يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عَبدِي روحه عِنْدِي وَجَسَده فِي طَاعَتي وَلم يفصل بَين حَال وَحَال
وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة فَإِن كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض غير مُسْتَند إِلَى شَيْء لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب لِلْخُرُوجِ غَالِبا وَإِن كَانَ قَائِما أَو على هَيْئَة الرُّكُوع وَالسُّجُود غير مُسْتَند إِلَى شَيْء فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالأَصَح أَنه لَيْسَ بِحَدَث كَمَا فِي حَال الصَّلَاة
فَأَما إِذا نَام مُسْتَندا إِلَى جِدَار أَو مُتكئا على يَدَيْهِ فقد ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه إِن كَانَ بِحَال لَو زَالَ السَّنَد لسقط يكون حَدثا وَإِلَّا فَلَا وَبِه أَخذ كثير من مَشَايِخنَا
وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن لم يكن مُسْتَقرًّا على الأَرْض يكون حَدثا وَإِن كَانَ مُسْتَقرًّا على الأَرْض لَا يكون حَدثا وَبِه أَخذ عَامَّة مَشَايِخنَا وَهُوَ الْأَصَح
وَمن نَام قَائِما أَو قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض فَسقط رُوِيَ عَن أَصْحَابنَا فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة أَنه إِن انتبه قبل السُّقُوط على الأَرْض أَو فِي حَال السُّقُوط أَو سقط على الأَرْض وَهُوَ نَائِم فانتبه من سَاعَته لَا يكون حَدثا وَإِن اسْتَقر نَائِما على الأَرْض بعد الْوُقُوع وَإِن قل يكون حَدثا لِأَنَّهُ وجد النّوم مُضْطَجعا
1 / 23
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِذا زَالَ مَقْعَده عَن الأَرْض ينْتَقض وضوؤه وَالصَّحِيح هُوَ الأول
فَأَما النَّوْع الثَّانِي من الْحَدث الْحكمِي فَهُوَ مَا يكون حَدثا بِنَفسِهِ شرعا من غير أَن يكون دَالا على الْحَدث الْحَقِيقِيّ
وَهُوَ القهقهة فِي صَلَاة مُطلقَة لَهَا رُكُوع وَسُجُود حَتَّى تنْتَقض طَهَارَته
وَإِذا قهقه فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة لَا تنْتَقض طَهَارَته وَإِذا قهقه خَارج الصَّلَاة لَا تنْتَقض
وَلَو تَبَسم لَا تنْتَقض أصلا
ثمَّ عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة لَا فرق بَين وجودهَا فِي حَال أَدَاء الرُّكْن كَمَا فِي وسط الصَّلَاة أَو فِي حَال قيام التَّحْرِيمَة دون حَال أَدَاء الرُّكْن كَمَا إِذا قهقه بعْدهَا قعد قدر التَّشَهُّد الْأَخير أَو فِي سَجْدَتي السَّهْو أَو بَعْدَمَا سبقه الْحَدث فِي الصَّلَاة فَذهب للْوُضُوء وَتَوَضَّأ ثمَّ قهقه قبل أَن يَبْنِي حَتَّى تنْتَقض طَهَارَته
وعَلى قولزفر لَا تنْتَقض مَا لم يُوجد فِي حَال أَدَاء الرُّكْن
وَأما فسد الصَّلَاة بهَا فَإِن وجدت قبل الْفَرَاغ من الْأَركان تفْسد وَإِن وجدت بعد الْفَرَاغ من الْأَركان لَا تفْسد وَيخرج من الصَّلَاة لِأَنَّهَا كَلَام بِمَنْزِلَة السَّلَام
وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَهُوَ جَوَاب الِاسْتِحْسَان
وَالْقِيَاس أَن لَا يكون حَدثا لِأَنَّهَا لَيست بِحَدَث حَقِيقَة وَلَا بِسَبَب دَال عَلَيْهِ وَبِه أَخذ الشَّافِعِي
وَلَكنَّا جعلناها حَدثا شرعا لوُرُود الحَدِيث فِيهَا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد فَدخل أَعْرَابِي فِي
1 / 24