وقال عز وجل: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين} وكم كرر عز وجل في كتابه الكريم الأمر لنبيه بالصبر، وحكى. كذلك آمن به رسله وصالحي أتباعهم، وما نالوا من حسن عاقبته وظفره وعزته التي هي لله ولرسوله وللمؤمنين، فقال عز وجل {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} وقال{واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} ، وقال عز وجل{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} وقال عز وجل:{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} إلى غير ذلك من آيات الكتاب الحكيم، وصبرنا وصبركم إن شاء الله على مثل ما أشرتم إليه من معاناة هؤلاء الظلمة، ومن يميل إليهم، واستعدا الله عليهم في رد كيدهم في نحورهم، وايقاع شرهم بهم، اقتداء بأولئك الذين قال الله فيهم{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وقد فعل سبحانه وتعالى فله الحمد، فما أعظم من مكر من أشرتم إليه فيما مضى في بيت الله الحرام ومشاعره العظام المرة بعد المرة فكانوا كأصحاب الفيل، وكما قال الله عز وجل:{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين} وكما قال عز وجل:{ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } وقال عز وجل: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} وإنما نستعين الله عز وجل لنا ولكم على أداء حقه تبارك وتعالى في توخي هذه الحالات والتارات ، واعطاء كل فريضة منها حقها، فعند الحرب ما قال الله عز وجل: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} وقال عز وجل{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم[22/ب]، سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم، ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم} وعند العهد والميثاق الوفاء به والصبر عليه وعض الناجذ وخياطة أطرافه وجوانبه من غير دخل في الهدنة ولا غشي لخديعة، فإن الله عز وجل قال: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } وعند البلوى بالخلطة لاقامة شعائر الله عز وجل ومعالم دينه الذي في مثلها يقول:{أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ويقول{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} كهذا الشعار الأعظم، والحج الأكبر لديكم الذي قال عز وجل فيه: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} واغتفر الله عز وجل للمؤمنين إن يطوفوا بين الصفاء والمروة والأصنام عليها منصوبة، وقباب الكفر بها مضروبة، فقال عز وجل:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} وقال عز وجل:{ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} وقال عز وجل:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم} وفرضنا وفرضكم الأخذ إن شاء الله بالحزم والحذر، مع ما يقام به ذلك الفرض ويؤدي ذلك الركن، وأنتم به أمانة وفد الله عز وجل، وحفظهم وحراستهم عن المتمردين من الدفع بالتي هي أحسن، ومع شدة الشكيمة على أهل العدوان عليهم والمضارة لهم، والتحكك بضعفائهم، وكما عود الله عز وجل في ما مضى الجميل، ونرجوه لنا ولكم وللمسلمين في المستقبل إن شاء الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وسنفعل إن شاء الله في إقبال وفد الله إليكم، وحجاج بيته عليكم، مما أشرتم إليه ما نجد إليه سبيلا، بحسب مقتضى الحال، وما نرجوه إن شاء الله مع كفاية الله عز وجل المعونة على أداء حقه وحق المسلمين واثقين لنا ولكم بقوله عز وجل:{إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} [23/أ]وقوله عز وجل: {عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} وقوله: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} مع التآسي بقوله عز وجل{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} والتوسل إليه برحمته وجميل عوايده أن يهيء لنا ولكم أسباب التدبير الإلهي، بما يقطع به دابر القوم الذين ظلموا ويمحو بدعهم، بحسب ما كلف والإستبشار بمثل قوله{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} .
وأما ما ذكرتم-حفظكم الله- في شأن كتابنا إليكم من أجل حسن بن علي -رعاه الله- وتلك الحركة التي لم تخف عليكم ما ترتب عليها من إخافة السبيل والضعيف، الذي فرضنا وفرضكم وفرضه الدفاع عنهم، فإنما أردنا بذلك الإعذار إلى الله عز وجل وإليكم وإليه بما أمكن من النصيحة التي هي أقل حق المسلم على المسلم، وأقامها مقام النصرة الحقيقية، إذ قال : ((انصر أخاك ظالما -فقال- أو مظلوما ، فقيل له: يا رسول، أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما. فقال: نصرك إياه ظالما أن ترده عن ظلمه)) أو كما قال.
Halaman 188